كتاب عربي 21

هل ورّط بوتين روسيا في أوكرانيا؟

علي باكير
1300x600
1300x600

أظهرت وثائق قال الجانب الأوكراني إنه حصل عليها خلال معارك مع لواء المشاة البحري الروسي 810 في مدينة "ميليتوبول" القريبة من ساحل بحر أزوف أنّ الجانب الروسي كان يحضّر لغزو أوكرانيا حتى عندما كان يؤكد أن لا نيّة لديه لذلك. كما أشارت الوثائق إلى أنّ موسكو كانت تتوقّع سقوطاً سريعاً لأوكرانيا. 

وبغض النظر عن مدى صحّة هذه الوثائق، إلا أنّ الوقائع تشير بالفعل إلى أنّ قرار احتلال أوكرانيا تمّ قبل وقت طويل من البدء الفعلي للغزو، ولعلّ هذا ما يفسر رفع سقف مطالب بوتين بشكل مبالغ فيه. 

شروط بوتين غريبة وغير قابلة للتحقّق في المرحلة الأولى من التفاوض، حيث أشارت بعض التقارير إلى أنّه اشترط من بين ما اشترط أن يتم التراجع عن كل الخطوات التي اتخذها الناتو بعد العام 1997 في ما يتعلق بالدول التي انضمت إليها لاحقا! 

بعد الغزو، نقلت تقارير أنّ بوتين اشترط من بين ما اشترط على أوكرانيا أن تقبل السلطات الأوكرانية نزع سلاح الدولة، والاعتراف بالأقاليم الانفصالية كدول مستقلة، والاعتراف بشبه جزيرة القرم التي احتلتها روسيا في العام 2014، كجزء أصيل من الأراضي الروسية، وأن تقوم بإعداد دستور جديد لدولة فيدرالية تعترف فيه بوضعها الحيادي، وأن تتعهد خطياً بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. لا يمكن لأي أحد كان أن يقبل بمثل هذه الشروط حتى لو كان حليفاً لبوتين فضلاً عن أن يكون خصماً.

علاوة على ذلك، فإنه يمكن للمتابع أن يلاحظ أنّ ذرائع روسيا لغزو أوكرانيا تعدّدت بشكل متضارب في بعض الأحيان، حيث كان المسؤولون الروس يختارون بعض الذرائع بحسب الجمهور الذي يتم توجيه الرسائل له. قبيل الغزو، انتشرت ذريعة أنّ محاولة أوكرانيا الانضمام إلى الناتو هي السبب الرئيسي وراء المشكلة، لكن مع إعلان روسيا استقلال دونيتسيك ولوهانسك، فقد قيل إنّ السبب هو "المجازر" التي تعرّض لها الأوكرانيون من القومية الروسية، وقد كانت هذه هي الذريعة الرسمية التي استخدمها بوتين في كلمته المتلفزة لإطلاق عملية الغزو. وخلال الحرب، ذكر بوتين أنّ الهدف من العملية هو تدمير النازيين الجدد والقوميين المتطرفين في أوكرانيا، علاوةً على غيرها من الذرائع.

في بداية الحرب، كانت التوقعات الروسية تشير الى إمكانية تحقيق نصر سريع وحاسم، حيث افترض الروس أنّ الصدمة ستؤدي الى إنهيار الحكومة والنظام السياسي، بما يؤدي إلى وقف المقاومة العسكرية للقوات المسلحة النظامية الأوكرانية، ودفع الناس إلى الاستسلام في وجه الأمر الواقع. ويتيح هذا الوضع لروسيا أن تنصّب قيادة جديدة أو أن تملي شروطها على أي حكومة أوكرانية جديدة. لكن، لم يستطع بوتين حسم المعركة بالسرعة التي كان يتوقعها، فالجيش الروسي بدا أضعف مما إعتقده الكثير من المتابعين، فيما بدت المقاومة العسكرية والرسمية والشعبية أكبر مما توقعها كثيرون أيضاً. 

 

بوتين قد يكون قد ورّط بلاده بالفعل في أوكرانيا في وقت لم يكن هو بحاجة إلى القيام بمثل هذه المغامرة خاصة بعد أن احتل شبه جزيرة القرم، الأمر الذي يمنع أوكرانيا من الانضمام عملياً إلى الناتو الذي لا يضم الدول التي تقع أجزاء من أراضيها تحت الاحتلال.

 



في الوضع الحالي، تتقدّم القوات الروسية ببطء شديد وخسائر عسكرية وبشرية كبيرة وتكاليف سياسية واقتصادية ومالية عالية. في ظل هذ المعطيات، لا يستطيع بوتين الانسحاب من أوكرانيا دون مكاسب ليبرّر بها على الأقل قراره المناقض لقراره السابق، ولا يستطيع أن يكمل دون تحمّل المزيد من الخسائر والتكاليف المتعلقة بالحرب الجارية مباشرة، أو تلك المتعلقة بالضغوط الغربية والعقوبات التي يتم فرضها على موسكو التي تفتقد إلى حلفاء حقيقيين في هذه المرحلة على المستوى الدولي.

لكنّ المشكلة الأكبر التي تعاني منها روسيا حالياً هي عدم وضوح الهدف النهائي للعملية. لا تستطيع القوات الروسية السيطرة على الأراضي الأوكرانية بشكل كامل، وعلى افتراض انّها أسقطت كييف والنظام السياسي الأوكراني، فمن غير الواضح كيف سيكون بالإمكان تنصيب نظام أوكراني موال لروسيا، وإذا ما فعلت كذلك، فكيف سيكتسب هذا النظام الشرعية الشعبية، وكيف بالإمكان دفع الأوكرانيين إلى تغيير توجهاتهم المعادية لروسيا؟ هل ستلجأ موسكو في مثل هذه الحالة إلى تقسيم أوكرانيا؟ هل ستتقدم إلى غرب البلاد وتصبح على تماس مباشر مع الناتو في المقلب الآخر من الحدود؟

وبينما تثار هذه الأسئلة، تزيد الدول الأوروبية إلى جانب الولايات المتّحدة من ضغوطها السياسية والاقتصادية والعسكرية على روسيا بشكل قد تصبح معه إمكانية تحمّل موسكو لكل هذه التكاليف أمرا لا يُطاق، خاصة إذا ما طال أمد الحر، وهو الأمر الذي تسعى أوكرانيا إلى تحقيقه بالفعل إذا لم يستجب الجانب الروسي. يعيدنا هذا المشهد إلى غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان، وغرقه هناك بعد أن تكبد خسائر فادحة نتيجة المقاومة الأفغانية والدعم العسكري الغربي السخي لها، وهو شبيه بالدعم الذي يتم تقديمه اليوم للأوكرانيين مع الفارق الزمني طبعاً، ومع فارق أنّ النظام السياسي لا يزال قائماً في أوكرانيا. 

خلاصة القول، أن بوتين قد يكون قد ورّط بلاده بالفعل في أوكرانيا في وقت لم يكن هو بحاجة إلى القيام بمثل هذه المغامرة خاصة بعد أن احتل شبه جزيرة القرم، الأمر الذي يمنع أوكرانيا من الانضمام عملياً إلى الناتو الذي لا يضم الدول التي تقع أجزاء من أراضيها تحت الاحتلال. وهو ما يعيد طرح مسألة الدافع الحقيقي لغزو أوكرانيا بعيداً عن شمّاعة الناتو. ربما بوتين اعتقد أنّ بإمكانه ضم أوكرانيا دون عواقب تذكر، أو ربما رغب في الاستفادة من التركيز الغربي على الصين لتسجيل مكاسب جيوبوليتيكية ضخمة من خلال غزو أوكرانيا. وحده الوقت كفيل بإثبات ما إذا كان بوتين قد ورّط روسيا بالفعل، أم إنّه سينجو بفعلته هذه.


التعليقات (0)