هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما زال
الإسرائيليون يرصدون النتائج المتوقعة لزيارة رئيس الاحتلال يتسحاق هرتسوغ إلى تركيا،
وسط تقدير بأن الزيارة هدفت لمحو ذاكرة الطرفين من الحقبة القاسية التي مرا بها، من
خلال مهرجان احتفالي، لم ينجح بإقامة علاقة كيمياء شخصية بينهما، حيث لم يعتذرا عما
بدر من الطرفين تجاه بعضهما البعض في السنوات الماضية، بل دعيا بعضهما لغرض المصالحة،
وطمس الأحداث الصعبة، وافتتاح فصل جديد في العلاقات الثنائية.
اللافت
أن الأجواء الإسرائيلية العامة ما زالت تشهد انتشارا لأجواء التشكيك تجاه حقيقة نوايا
أردوغان، ووجود صعوبة في الاعتقاد بأن "النمر" التركي قد أصبح بالفعل
"بجعة"، صحيح أن أردوغان تأمل من حفاوة استقباله لهرتسوغ أن يمحو ذاكرة الإسرائيليين
من الإهانات التي وجهها لهم، لكنهم في الوقت ذاته لن يتفاجأوا إذا استأنف تصريحاته
المعادية لهم في أي مواجهة عنيفة أخرى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
يعكوب
أحيمائير الكاتب اليميني ذكر في مقاله بصحيفة "إسرائيل اليوم"، ترجمته
"عربي21" أن "هناك شكوكا إسرائيلية في أن يتحكم أردوغان في أسلوب تصريحاته
تجاه إسرائيل، رغم أنه يعلم أنها هي البوابة الأسرع إلى البيت الأبيض، مما يجعلها صداقة
مشروطة الآن، وقد تجلى ذلك من خلال استسلام إسرائيل بالفعل لضغوط تركيا بمنع إحياء
ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن".
وأضاف
أن "أردوغان يدرك أن الشعوب الإسلامية مستاءة من رغبته في إعادة العلاقات مع إسرائيل،
لكنه سينفذ سلوكياته "القسرية" من خلال المغازلة المؤدبة التي أظهرها الزعيم
المسلم لتركيا بالفعل في الأسبوع الماضي خلال استقباله للزعيم الصهيوني هرتسوغ، ليس
أكثر من ذلك".
آنا
بيرسكي الكاتبة في صحيفة "معاريف"، ذكرت في مقال ترجمته "عربي21"
أن "زيارة هرتسوغ لتركيا ما زالت تمثل قمة جبل الجليد في علاقاتهما، مع أمل إسرائيلي
بألا يتعثر أردوغان مرة أخرى بلسانه القاسي تجاه إسرائيل، لأنها تعلم أن أردوغان، الزعيم
الإسلامي المعادي لها، أجرى هذا التغيير الدراماتيكي في نظرته الإقليمية، ليس لأنه
تحول فجأة عاشقا لإسرائيل، وهو الذي بدأ حياته الرئاسية طامحا لتحويل تركيا إلى إمبراطورية
عثمانية معاصرة".
وأضافت
أن "ذاكرة الإسرائيليين مزدحمة بتشجيع أردوغان للنشاط العدواني المؤيد للفلسطينيين،
مما أدى في النهاية إلى حادثة سفينة مرمرة قرب شواطئ غزة، وما أعقبها من انهيار للعلاقات
الثنائية، رغم ازدهار التعاون الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري بشكل مطرد، ووصوله
في 2021 إلى 6.7 مليارات دولار، واليوم أمام الدفء في العلاقات السياسية، الذي أفرز لقاءً
متعدد المشاركين بين رجال الأعمال الإسرائيليين والأتراك في تل أبيب، يبدو أن مبلغ
10 مليارات دولار هدف واقعي".
يسعى
الإسرائيليون من تجدد علاقاتهم مع تركيا للنظر لما يعتبرونها الصورة الكلية، من خلال
شروع الأخيرة في ترميم علاقاتها مع مختلف جاراتها، بما فيها مصر، وجاراتها أرمينيا
واليونان، بزعم أن الخوف من إيران وبرنامجها النووي هو المادة اللاصقة السياسية القوية
للغاية التي أدت لتشكيل وتقوية تحالفات جديدة، رغم أننا أمام دولة كبيرة مثل تركيا
تحتفظ بقواتها العسكرية في سوريا، وتؤثر بكل ثقلها على ساحة الطاقة الإقليمية، ولها
وجود عسكري في ليبيا، وكذلك في قطر.
في الوقت
ذاته، تقدر المحافل الإسرائيلية أن الغرض الأساسي من زيارة هرتسوغ، وفي هذه الظروف،
وهذا المستوى من الحفاوة، بكل ما تنطوي عليه من رموز وطقوس، هو نقل التطبيع للجمهور
التركي، والحصول على الشرعية لاستعادة الثقة والتعاون، ولعل ذلك ما دفع هرتسوغ لئلا
يأتي لأنقرة خالي الوفاض، بل أحضر معه قصيدة للسلطان العثماني سليمان القانوني، فيما
بث التلفزيون التركي جميع مراسم الاستقبال، وشاهد الجمهور التركي الرسالة، واستوعبها،
وفق المزاعم الإسرائيلية، رغم أن مشهد العلم الإسرائيلي المرفوع في القصر الرئاسي التركي
لا يفلت من حناجر القواعد الشعبية للرئيس أردوغان.
ليس
سراً أن قمة هرتسوغ وأردوغان جاءت في أكثر الأوقات دراماتيكية في التاريخ الحديث، قبل
توقيع الاتفاقية النووية مع إيران المرتبطة بتركيا في حدود مشتركة، وبعد أسبوعين من
اندلاع حرب روسيا وأوكرانيا، حيث تربطهما بتركيا علاقات وثيقة، وقبل مفاوضاتهما بيوم
واحد في أنطاليا.
في الوقت
ذاته، يدرك الإسرائيليون أنهم أمام أردوغان، الرئيس القوي المسؤول عن قوة إقليمية نافذة،
فقد تحدث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، ومع أولاف شولتز مستشار ألمانيا، مما قد يجعل
إسرائيل مستفيدة من اتصالاته هذه، لكنها في الوقت ذاته ليست سعيدة برغبة أردوغان القوية
للقيام بدور نشط في خط أنابيب الغاز من إسرائيل إلى أوروبا، والمقرر أن يمر عبر قبرص
واليونان.
رغم
إتمام زيارة هرتسوغ، والاتفاق على زيارة مقابلة لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو للقاء
نظيره يائير لابيد، لكن التخوف الإسرائيلي ما زال قائما من الرئيس التركي، ولذلك فقد
تم الاتفاق على تحييد الألغام المحتملة مسبقًا، والتعامل معها عندما تكون صغيرة، وأقل
تفجيرًا، من خلال إنشاء آلية لإدارة الأزمات من قبل ألون أوشبيز مدير عام الخارجية
الإسرائيلية، وكبير مستشاري أردوغان إبراهيم كالين، تمهيدا لمرحلة إعادة السفراء، وتوقيع
الاتفاقيات، وتسخين العلاقات العملية، لكن القلق ما زال قائما في تل أبيب من تأثر هذه
العلاقات بأي عاصفة تأتي من المشهد الفلسطيني.