هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ثمة دراسات بحثية أركيولوجية لباحثين أجانب وفلسطينيين دحضت بمجملها الرواية الصهيونية والإسرائيلية حول احتلال فلسطين؛ حيث تعتبر البحوث الأثرية حول حضارة فلسطين المتجذرة سبيلاً هاماً لكشف حياة الشعب الفلسطيني واتجاهات تطورها؛ لدحض الرواية الصهيونية بأن "فلسطين أرض مقفرة"؛ وفي هذا السياق نستحضر سيرة المؤرخ الفلسطيني الراحل ديمتري قسطنطين برامكي وأهم نتاجاته الأثرية.
سيرة المؤرخ ديمتري
ولد المؤرخ الفلسطيني ديمتري برامكي في القدس عام 1909 وتوفي عام 1984. يعتبر أول عالم آثار فلسطيني، شغل منصب كبير المفتشين في دائرة الآثار التابعة لحكومة الانتداب البريطاني خلال الفترة الممتدة بين عامي (1938 ـ 1948) وكان منذ عام 1951 وحتى تقاعده القيّم على المتحف الأثري في الجامعة الأمريكية في بيروت.
درّس علم الآثار، وقام بحفريات في مواقع أثرية عدة؛ كان من أهمها موقع خربة المفجر في منطقة أريحا، حيث وجد قصر هشام وحفرياته في تل الغسيل بلبنان واكتشافه لموقع جميرا في دبي. ولد ديمتري برامكي في القدس لعائلة عربية مسيحية أرثوذكسية. درس في مدرسة سانت جورج.
عام 1927 بدأ العمل مفتشا متدربا في دائرة الآثار التابعة لحكومة الانتداب البريطاني قبيل عيد ميلاده الثامن عشر متأثرا بأخيه جليل (الذي ترك هذا المجال لاحقا) وفي عام 1929 رقي إلى مفتش آثار. كتب تقارير نشرت في مجلة "فصلية دائرة الآثار في فلسطين" منذ عام 1931 وحتى أواخر الأربعينيات. درس التاريخ القديم وعلم الآثار بالمراسلة في جامعة لندن وحاز على شهادة البكالوريس عام 1934. رقي عام 1938 إلى كبير المفتشين في دائرة الآثار (بدل روبرت هميلتون الذي عين مديرا للدائرة) واستمر في منصبه هذا حتى عام 1948.
أثناء سنوات عمله في فلسطين عمل في حفريات أثرية في شتى أرجاء فلسطين ونشر تقاريره في فصلية دائرة الآثار في فلسطين. قام بحفريات في عدة مواقع في منطقة أريحا أبرزها كان عمله في خربة المفجر، التي تفقدها أول مرة عام 1932 وحصل لاحقا على الإذن والتمويل للقيام بالحفريات فيها عام 1935.
كان الاعتقاد السائد أن الحديث عن دير لكنه سرعان ما أدرك أنها آثار من الفترة الإسلامية المبكرة، وخلال ثلاثة عشر عاما ما بين 1934 إلى عام 1948 أدار الحفريات والبحث في الموقع مكتشفا مختلف بناياته وما فيها من تماثيل وفسيفساء. وقد وجد برامكي كتابة على الجدران تذكر هشام بن عبد الملك، ووفقا لذلك أرخ بناء القصر لفترة حكمه (724 ـ 743)، وأدرك أن الحديث كان عن إحدى القلاع الصحراوية مثل قصر الحير الغربي في سوريا وأطلق عليه اسم "قصر هشام".
أهمية الحفريات
اللافت أن الباحث المؤرخ الراحل برامكي اعتمد بشكل جازم على نتائج الحفريات في خربة المفجر في أريحا في كتابة أطروحته للحصول على الدكتوراة حول العمارة الأموية التي قدمت إلى جامعة لندن عام 1953. عند انتهاء الانتداب البريطاني في أيار / مايو 1948 ووقوع الضفة الغربية تحت الحكم الأردني أدار برامكي لفترة وجيزة متحف فلسطين للآثار (اليوم متحف روكفلر). ثم عمل أمين مكتبة ومستشار أثريات في المدرسة الأمريكية للبحث الشرقي وانضم بين الأعوام 1950 و1951 لبعثة جيمس كلسو التي قامت بحفريات جديدة في منطقة أريحا.
عام 1951 انضم إلى طاقم الجامعة الأمريكية ببيروت، حيث درّس علم الآثار وعمل قيّما على متحف الآثار التابع للجامعة واستمر بعمله فيها حتى تقاعده عام 1975. وكان له دور هام في تطوير برنامج الماجستير لعلم الآثار والتاريخ القديم كما أنه حول متحف الآثار إلى أهم متحف جامعي في الشرق الأوسط.
عام 1953 حاز على الدكتوراة في الآثار الإسلامية من جامعة لندن وكان عنوان الأطروحة الثقافة والعمارة العربية في الفترة الأموية: بحث مقارن يستند بالأخص على نتائج الحفريات في قصر هشام. وفي عام 1958 رقي إلى الأستاذية. وخلال إقامته في لبنان، قام بأبحاث حول الفينيقيين ونشر عام 1961 كتابا بعنوان "فينيقيا والفينيقيين". ثم كتاب "متحف الآثار في الجامعة الأمريكية ببيروت" وكتاب “مجموعة المسكوكات في متحف الجامعة الأمريكية ببيروت” وفي عام 1969 نشرت له دائرة الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية كتابه "الفن والعمارة في فلسطين القديمة" الذي كان مسحا لتاريخ فلسطين منذ القدم وحتى الفترة العثمانية وقد استند فيه إلى وجود كيان فلسطيني ذي استمرارية على مر التاريخ وإن تغيرت لغة وعقيدة سكانه بفعل الظروف التاريخية المختلفة، الأمر الذي دحض بقوة الروايات الصهيونية لاحتلال فلسطين بغرض تهويدها في نهاية المطاف.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا