ستبقى ثورة ٢٥ يناير هي مفتاح التحول في
مصر بعد فترات طويلة من حكم العسكر، وعندما بدت بوادر نجاحها تم التخطيط للانقلاب عليها من جهات داخلية وإقليمية ودولية نظرت للثورة على أنها تهديد لمصالح كل منها، فاكتملت المؤامرة، وأُعلن الانقلاب على أول رئيس مصري منتخب وحكومته في 3 تموز/ يوليو 2013.
لعل الأداء المخزي لمن يسمون نواب برلمان الانقلاب في ما يواجهه الشعب المصري من مصائب وضيق في المعيشةـ حيث يمثلون وجهة نظر من أتى بهم للبرلمان ولا علاقة لهم بالشعب ومعاناته، كان دافعا لتذكر صفحات بيضاء لأول برلمان حر يختاره الشعب المصري بعد ثورة يناير مباشرة.
فقد مارستُ العمل النقابي والعمل
البرلماني قبل
الثورة، ومارست العمل البرلماني بعد الثورة، وكانت هناك أمور متشابهة وأخرى مختلفة في المناخ والظروف، كنت نائبا في برلمان ٢٠٠٠-٢٠٠٥ بعد أن تم إسقاطي في برلمان ١٩٩٥ بتزوير النتائج، بعدما اضطروا لإجراء إعادة تم التزوير فيها بكل فجور. ثم كانت انتخابات ٢٠٠٠ التي اضطروا فيها للإعادة لكن لم يستطيعوا تزوير الانتخابات لإشراف القضاء لأول مرة بعد حكم المحكمة الدستورية، ثم توالت الانتخابات التي خضتها في ٢٠٠٥ التي جاءت بضغوط أمريكية ونجح فيها 88 عضوا من أعضاء جماعة
الإخوان، وتم إسقاط ٤٢ مرشحا باعتراف رئيس الوزراء وقتها (د. أحمد نظيف) .
وكنت ممن زوروا ضدهم نتائج الانتخابات بشكل واضح، رغم نزول رئيس مكتب مبارك أمامي في الدائرة الانتخابية، وكانت فضيحة أثارت القضاة الأحرار، وتم نشر حقيقة ما حدث من قبل القضاة وشهدوا بشهاداتهم التي ضمنتها في أحد كتبي (تزوير الانتخابات جريمة دولة وتجربة نائب) بشيء من التفصيل وبالوثائق.
وكانت الانتخابات الأخيرة التي خضتها في مصر هي الأكثر نزاهة ومشقة بعد الثورة، لبرلمان الثورة الذي تم حله قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية من قبل المجلس الأعلى العسكري، وبعدها تم تعييني في مجلس الشورى المؤسسة الأخيرة التي نتجت عن الانتخابات النزيهة بعد ثورة يناير.
وهنا أسرد أوجه التشابه والاختلاف في برلمان ما قبل الثورة وما بعد الثورة.
في عصر مبارك كانت الانتخابات تأتي وقد تم القبض على معظم المساعدين والمسئولين في حملتي الانتخابية، ولا شك أن جزءا ممن صوتوا لي كانوا الغاضبين من أداء نظام مبارك، وجزءا يعتقد أن مرشحينا الأنظف والأفضل من باقي المرشحين، أما بعد الثورة لم يكن هناك موانع للدعاية أو اعتقالات وتنوع المرشحين، وكان السبق لمن له خبرة في العمل البرلماني بشكل جيد.
داخل البرلمان في عهد مبارك كان هناك سقف للانتقاد لا يمس مؤسسة الرئاسة ومن فيها، وقد طلب منا ذلك بصراحة كمال الشاذلي زعيم الأغلبية، وزكريا عزمي ممثل الرئاسة في البرلمان، بينما في برلمان الثورة لم يكن هناك سقف، وكانت الحرية كاملة في انتقاد كل مسئول في الدولة بما فيهم المجلس الأعلى العسكري.
كنت في برلمان مبارك أمثل المعارضة، وكنت أترقب وأتابع أي خطأ في أداء الحكومة، وكنت سببا في إقالة سبعة مسئولين كبار في الحكومة، منهم اثنان في وزارة الثقافة، واثنان في وزارة الري، وخامس في وزارة الكهرباء، وسادس في وزارة الزراعة، والسابع في وزارة التربية والتعليم، وقد ضمنتهم بحثي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وقت دراستي في قسم الدراسات البرلمانية عام 2002-2003م.
أما في برلمان الثورة فكانت هناك من السوابق البرلمانية ما لم تحدث منذ أكثر من 70 عاما في برلمانات مصر، منها على سبيل المثال لا الحصر:
• التصويت الدقيق بالاسم -لا الشكلي- الذي كان يجريه فتحي سرور مثلا، وذلك في مجلسي الشعب والشورى.
• ومنها حضور وزراء الوزارات السيادية التي لم يكن أحد منهم يحضر جلسات البرلمان، إلا لو كان هناك مخطط مطلوب تنفيذه في الجلسة.
• ومنها رفض الموازنة التي تقدمت بها الحكومة بشكل علني، وطلب استقالة رئيس الوزراء الذي أعقبه التهديد بالحل ثم الحل.
• ومنها منح المعارضة مساحة في الحوار الدائر لم تتح في مجالس مبارك التي عشتها ولا من قبله، حتى اشتكى عضوا الأغلبية للدكتور سعد الكتاتني ود. أحمد فهمي من اقتطاع حق الأغلبية لصالح المعارضين.
• ومنها توزيع رئاسة اللجان ووكلائها وأمناء السر فيها على أعضاء من المعارضة، فلم يرض البعض الذي منح نفسه حجما أكثر مما منحه الشعب، وتبين أن كثيرا منهم لم يكن يحمل أجندة وطنية، بل وكانوا شركاء في الانقلاب على الشرعية الشعبية والدستورية حتى اكتوى الجميع بناره!
• وكذلك كان هناك تميز وسوابق برلمانية في الموضوعات التي تطرح داخل اللجان وتحت القبة في مجلسي الشعب والشورى، فلم يكن هناك حظر أو خط أحمر لأي موضوعات يمكن مناقشتها، فتمت مناقشة ميزانية الجيش والشرطة بشكل استفزهم في مجلس الشورى؛ بعد حل مجلس الشعب ومنح صلاحيات التشريع والرقابة لمجلس الشورى من قبل الرئيس مرسى في الإعلان الدستوري.
• كما تم استعراض موضوعات تخص الجيش والشرطة في مناقشات ومشاريع قوانين (مثل قوائم الممنوعين من السفر وقانون الصناع العسكريين وغيرها)، وكذلك كل الاجهزة الرقابية. وقد كان هناك نص في الدستور الجديد (2012) يوحد كل الأجهزة الرقابية في مفوضية واحدة، مع الحرص على استقلال القضاء، إضافة إلى كثير من القرارات التي تهم الصحة والتعليم والشباب والمرأة والطفولة والعمل على تحويل كل النصوص الدستورية إلى قوانين تنفيذية.