على عكس ما يتصور البعض بأن بوتين هو الذي فرض قواعد اللعبة في الحرب الأوكرانية على أمريكا والتحالف الغربي، نرى أن أمريكا هي التي حددت قواعد الصراع في تلك الأزمة وهو ما أربك الجانب الروسي.
فتصريحات بايدن أكدت على الآتي: الصراع العسكري سيتم على الأرض الأوكرانية، وسنمد أوكرانيا بالسلاح والجنود في صورة متطوعين، ولكننا لن نتدخل رسميا باسم حلف
الناتو ولن نسمح أن يمتد الصراع العسكري المسلح لباقي أوروبا.. سنقاتل بكل قوة عند حدوث أي اعتداء على أي شبر من أرض الناتو.. سيمتد الصراع السياسي والحصار الاقتصادي لروسيا وستكون ساحته العالم كله وستكون هذه الحرب شاملة.. كل حلفائنا سيشاركون في تلك المعركة، وستتم معاقبة كل من يحاول كسر هذا الحصار وتصنيفه في خانة العدو سواء كان حليفا لنا أم لا.
دفع الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا للمساهمة بصورة أكثر فعالية في ميزانيات التسلح في حلف الناتو، وتبعتها في ذلك الدول الحليفة مثل اليابان وأستراليا ونيوزلندا، الأمر الذي كانت تطالب به أمريكا منذ عهد طويل وكانت هذه الدول ترفضه وتعتمد على الحماية الأمريكية
أهداف المخطط الأمريكي
لقد بدا المخطط الأمريكي واضحا محدد المعالم، ونجح في تحقيق عدة أهداف:
• نجح في توحيد أوروبا خلف الأمريكي تحت وطأة الشعور بالخطر.
• دفع الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا للمساهمة بصورة أكثر فعالية في ميزانيات التسلح في حلف الناتو، وتبعتها في ذلك الدول الحليفة مثل اليابان وأستراليا ونيوزلندا، الأمر الذي كانت تطالب به أمريكا منذ عهد طويل وكانت هذه الدول ترفضه وتعتمد على الحماية الأمريكية.
• قضت تلك الحملة على فرص التقارب بين
روسيا وأوروبا، واعتبار روسيا دولة أوروبية، وهي الفكرة التي كان يروج لها الروس وكانت تلقى رواجا عند بعض الأوروبيين.
• ستدفع تلك الحملة أوروبا للبحث عن بدائل للغاز والنفط الروسي، باعتبار أن اعتمادها على روسيا يمثل خللا في الأمن القومي الأوروبي.
• مهما كانت نتائج الحرب على الأرض ومن المنتصر عسكريا وحجم التدمير الذي لحق بأوكرانيا، فلا شك أن خطة أمريكا في استنزاف روسيا الاتحادية ستنجح بدرجة كبيرة، لسبب بسيط هو أن الاقتصاد الروسي اقتصاد ريعي يعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز، ولو نجحت أوروبا في إيجاد بديل له خلال السنوات القادمة فسوف يكون هذا ضربة قاصمة له، ولن تجد روسيا على مستوى العالم مستهلكا بديلا لأوروبا.. والأمر الآخر أن حرمان روسيا من التكنولوجيا والتقنية الغربية في مجال الصناعة سوف يؤدي إلى تخلف صناعي روسي كبير، والذي هو متخلف في الأساس.
لا شك أن خطة أمريكا في استنزاف روسيا الاتحادية ستنجح بدرجة كبيرة، لسبب بسيط هو أن الاقتصاد الروسي اقتصاد ريعي يعتمد بشكل أساسي على النفط والغاز، ولو نجحت أوروبا في إيجاد بديل له خلال السنوات القادمة فسوف يكون هذا ضربة قاصمة له
حسابات التنين الصيني
الحلقة الضعيفة في مخطط إسقاط الدب الروسي وإضعافه هي هناك في شرق آسيا حيث التنين الصيني، وهنا تبدو حسابات التنين معقدة.
هل يقف التنين الصيني يراقب عملية صيد الدب الروسي دون حراك؟ وهنا مكمن الخطر، فقد يأتي الدور على التنين الصيني بعد الفراغ من الدب الروسي.. أم يدعم التنين الصيني الدب الروسي ويخوض معه المعركة التي لم يستشر فيها، ويتعرض لخطر الحصار الغربي الأمريكي، والذي قد يعرض التجربة الاقتصادية الصينية للخطر؟ وهنا علينا أن ندرك أن النمو في دولة تعدادها أكثر من مليار ونصف من السكان وإطعامهم أمر لا تمكن المقامرة به ولا يتحمل أية هزات.. أم تجرى مقايضة بين التنين الصيني والأمريكي على تأييد حملة اصطياد الدب الروسي مقابل إيجاد تسوية نهائية لمشكلة تايوان؟.. كل هذه خيارات.
الخيار الراجح
أما الاختيار الذي أراه مرجحا ويتلاءم مع الشخصية الصينية فهو: لن نؤيد روسيا في حربها ضد أوكرانيا لأننا ضد حل المشاكل عبر الصراع المسلح.. كما أننا لن نساعد في حرب بدأتها روسيا دون التنسيق معنا.. وسندعو للتفاوض لحل الأزمة بين الطرفين سلميا، وسنسوق سياسيا لفكرة الوسيط الصيني النزيه المحايد الذي لا يمتلك أطماعا استعمارية.. وسيكون في ذلك تدشين لمكانة الصين العالمية والدولية.
نعم.. سنساهم في إجراءات الحصار الغربي حتى لا تتضرر مصالحنا الاقتصادية.. وسندعم الروس من تحت الطاولة بالشكل الذي لا يغضب الأمريكان.. ونبقي دائما على شعرة معاوية مع جميع الأطراف.
سيخرج كلا الطرفين الروسي والغربي مثخنا بالجراح، وأنه حتى لو نجحت عملية اصطياد الدب الروسي فسوف يخرج التحالف الغربي الأمريكي أيضا مثخنا بالجراح، من جراء كلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومن ميزانيات التسلح الهائلة التي ستنفق خوفا من تكرار السيناريو الأوكراني بأي شكل
في كل الأحوال؛ التنين الصيني يريد أن يدعم مكانته الدولية، وأن يسوق صورته باعتباره رجل الحكمة الذي يقوم بتسوية النزاعات عبر الحوار الهادئ (كما فعل سابقا في مشكلة مستعمرة هونج كونج البريطانية)، كما أن الصين تسوق دائما لفكرة أنها لا تملك أطماعا استعمارية لدى الآخرين، ومن خلال ذلك تستطيع أن تجعل الاستثمارات الصينية تتمدد وتنتشر في أنحاء المعمورة، وتكسب كل يوم أرضا جديدة.
خلاصة القول
لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف تنتهي إن عاجلا أو آجلا، وسيخرج كلا الطرفين الروسي والغربي مثخنا بالجراح، وأنه حتى لو نجحت عملية اصطياد الدب الروسي فسوف يخرج التحالف الغربي الأمريكي أيضا مثخنا بالجراح، من جراء كلفة إعادة إعمار ما دمرته الحرب، ومن ميزانيات التسلح الهائلة التي ستنفق خوفا من تكرار السيناريو الأوكراني بأي شكل، أيضا من جراء كلفة إيجاد أوروبا لبدائل للنفط والغاز الروسي الرخيص، فهل يكون التنين الصيني هو الرابح الوحيد في النهاية؟