ملفات وتقارير

"الهندسة السياسية" تعود للواجهة بالأردن رغم "الحوارات" الملكية

يشتكي الحراك الأردني من "قبضة أمنية" غير مبررة بحسب وصفهم- جيتي
يشتكي الحراك الأردني من "قبضة أمنية" غير مبررة بحسب وصفهم- جيتي

ظهر مصطلح "الهندسة" لأول مرة في الأردن بقوة، عام 2020 عندما اتهمت الحركة الإسلامية في الأردن السلطات الأردنية، بـ"تصميم نتائج الانتخابات قبل أن تبدأ من خلال جملة من الإجراءات ترتيب أوراق المرشحين"، والضغط على بعضهم للانسحاب وتفكيك قوائم وتشكيل أخرى.

 

وأسفرت "الهندسة" كما يصفها سياسيون، عن حصول الحركة الإسلامية على 10 مقاعد في مجلس النواب، من أصل 85 مرشحا لها، بالإضافة إلى تعليق مشاركتها في الانتخابات البلدية لذات السبب، إلى جانب خسارة الإسلاميين في انتخابات نقابة المهندسين مؤخرا.

ورغم أن السلطات الأردنية، أجرت مؤخرا تغييرات على قوانين للحياة السياسية (قانون الانتخاب، الأحزاب) كنتاج حوارات للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي شكلها الملك عبد الله الثاني، إلا أنها في ذات الوقت أجرت تعديلات واسعة على الدستور منحت الملك صلاحيات تجرد أي حكومة برلمانية قادمة من ولايتها العامة.

اقرأ أيضا: هل يجرد "مجلس الأمن القومي" بالأردن الحكومة من صلاحياتها؟

أمين عام حزب جبهة العمل الإسلامي مراد العضايلة، يبين في حديث لـ"عربي21"، أن "مصطلح هندسة الانتخابات ظهر لأول مرة في عام 2020 برسالة وجهت لرئيس الحكومة، للإشارة إلى تحديد النتيجة قبل بدء الانتخابات من خلال ممارسات السلطة والأجهزة الأمنية مثل منع طرف ما من قدرته على الترشح وحرمانه بواسطة ضغوط أمنية والتضييق عليه بعمله ورزقه، أو منع تشكيل قوائم من خلال الضغط على مرشحين للانسحاب".

من الهندسة الانتخابية حسب العضايلة "مساعدة السلطات والأجهزة الأمنية لأطراف على تشكيل قوائم وهذا تحديد مسبق لنتيجة الانتخابات، فقد شهدنا في الانتخابات الماضية ضغوطات على مرشحين ومرشحات تم إجبارهم على الانسحاب، أحد مرشحي كتلة الإصلاح وصل للهيئة المستقلة للانتخاب بكتلة ضمت 4 أشخاص وعند التوقيع الأخير تم الضغط عليهم وانسحبوا على باب الهيئة".

هندسة تشريعات

 

 بعيدا عن الضغوط.. ساهمت التشريعات الأردنية بضبط إيقاع المشهد السياسي، تحولت معه بعض المؤسسات إلى "ديكور" كما يقول سياسيون لـ"عربي21".

فما زال المجتمع رهينة نظام قانون انتخاب الصوت الواحد غير المتحول منذ عام 1993 والذي حجم الحياة السياسية رغم تخلي الأردن عن هذا القانون في 2015، إلا أنه أفرز نوابا على أسس مناطقية وعشائرية ورجال أعمال ومقاولين؛ ما خلق أزمة ثقة بين الناخب والنائب، بعد حصر الناخب بصوت واحد للدائرة الانتخابية الأمر الذي أعطى المال السياسي وحجم ما يقدمه النائب، الدور الأبرز في اختيار المرشح.

"إشاعة زائفة"

إلا أن عضو مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب جهاد المومني يرى أن ما يشاع حول هندسة الانتخابات هو مصطلح زائف ولا يمت للواقع بصلة.

يقول إن "جميع الإجراءات التي تمر بها العملية الانتخابية بدءا من جداول الناخبين والاعتراض عليها وصولا ليوم الاقتراع والفرز وإعلان النتائج تخضع للمراقبة المحلية والدولية وممثلي المرشحين، علاوة على ضمانة الاعتراض عليها في المحاكم المختصة في حال عدم الاقتناع بقرار الهيئة المتصلة بالاعتراضات وغيرها".

في وقت قال فيه رئيس الهيئة المستقلة للانتخاب خالد الكلالدة بأنه "لا يستطيع أن يؤكد أو ينفي إن كانت هناك هندسة للانتخابات".

وأضاف في حوار تلفزيوني: "عبارة هندسة الانتخابات أصبحت تتردد كثيرا، لكنّ الواقع أن أي جهة سياسية تقرر أن تشكّل تحالفات وقوائم، فإنها تُهندس معركتها الانتخابية".

ضبط الحراكات

وتحاول السلطات الأردنية أيضا ضبط إيقاع الحراك الشعبي المتصاعد (حراك غير منظم يطالب بإصلاحات) وضبط إيقاع احتجاجات المعلمين من خلال الاعتقالات المسبقة التي لا تخضع لسند قانوني.

 

ويقول حقوقيون إن الأجهزة الأمنية تلجأ إلى اعتقال الناشطين قبل أي اعتصام منوي تنفيذه لتفرج عنهم لاحقا بعد انتهاء موعد الاعتصام.

وفي عام 2011 انطلق الحراك الشعبي الأردني للمطالبة بإصلاح النظام من خلال تغيير جملة من التشريعات الناظمة للحياة السياسية، أبرزها قانون الانتخاب، ونهج تشكيل الحكومات، ورفع القبضة الأمنية، ومحاربة الفساد، وتقليص صلاحيات الملك.

كيف وصل الحراك إلى غرفة الإنعاش؟

ويرى ناشطون أن السلطات التفت على مطالب الحراك الذي دعا لإيجاد محكمة دستورية، وتقليص صلاحيات محكمة أمن الدولة، وقيدت التشريعات من يحق لهم الطعن لدى المحكمة الدستورية وحصرت صلاحية أمن الدولة بثلاثة اختصاصات منها مكافحة الإرهاب حيث وسع قانون منع الإرهاب من صلاحيات المحكمة ليطال صحفيين وناشطين سياسيين.

عضو نقابة المعلمين الأردنيين، باسل الحروب، أطلق على ما جرى من حل للنقابة بـ"هندسة الإطاحة بالعمل النقابي".

 

وتابع لـ"عربي21"، "عندما حقق المعلم مطالب له انتهت بتوقيع اتفاقية مع الحكومة عام 2019 شعرت الحكومة أنها منكسرة بعد أن حصلت النقابة على كم كبير من التأييد الشعبي، وخشي متنفذون على مواقعهم وأن تمتد هذه الحالة الشعبية إلى باقي المؤسسات الأخرى، وتم الهجوم على النقابة، لكنهم فشلوا في قمع القيادة النقابية".

وزاد: "في المرحلة الحالية تستخدم السلطات القمع، لكن ذلك زاد من إصرار واندفاع المعلمين رغم أن الإساءة وصلت إلى طريقة اعتقال معلمات بطرق مسيئة".

وفيما لم ترد الحكومة الأردنية على أسئلة "عربي21" حول الاعتقالات، كان مصدر رسمي صرح أن القبض على بعض المعتقلين من الحراك جاء بناء على تلك الطلبات القضائية، المتعلقة بتهم منها "إذاعة أنباء كاذبة من شأنها إثارة النعرات"، وأنه جرى تحويل الأشخاص المقبوض عليهم إلى المرجعيات القضائية المختصة وفقاً لأحكام القانون.


أما بخصوص نقابة المعلمين، اعتبرت الحكومة في أكثر من تصريح سابق أن ما يقوم به المعلمون "تسييس لعمل النقابة".

وغرد الملك عبد الله الثاني فور انتهاء إضراب المعلمين في 2019 قائلا: "أجندات بعيدة عن مصلحة الطالب، والمعلم، والتعليم"، كما رأى أن "الثمن الأكبر كان تعريض مصلحة الطلبة للإعاقة، وهذا يجب ألا يتكرر".

النائب في البرلمان الأردني، نقيب المحامين الأسبق، صالح العرموطي، يقول لـ"عربي21"، "يتساءل عن الوعود بتهيئة بيئة سياسية ووضع قانون أحزاب لتشجيع الانخراط في الأحزاب في نفس الوقت تقوم باعتقال حزبيين بالأمس القريب رغم أن القانون والأنظمة الداخلية تسمح للحزبيين بالاعتصام السلمي".

وأضاف: "الأردن تراجعت عالميا في مؤشر حقوق الإنسان، عقل الدولة لا يسمح بأن نعيش أجواء الانفتاح وحقوق المواطنين، لم يسبق أن وجدت هندسة كل شيء بهذا الشكل القرار الأخير للهندسة الديكور، هذا نموذج سينعكس على الانتخابات النيابية القادمة مما يعني عزوف المزيد عن الإقبال".

وتابع أنه "ما دامت الأمور مهندسة والجانب الأمني يطغى على الأمور فمعنى ذلك أنه لا رغبة في الإصلاح، الأمر في غاية الخطورة، لماذا التضييق على أبناء الوطن الذين يدافعون عن لقمة الخبز، هذا مخالف للدستور"، بحسب العرموطي.

وتساءل: "من يقف ضد إرادة الملك في الإصلاح؟ هناك من يسعى إلى وضع واجهة أمام النظام وشعبه، هناك ناس مضرون في الدولة العميقة، يجب الاستماع لنبض المواطن من فقر وجوع".

الحراك الطلابي

 

 أما على صعيد الحراك الطلابي، تسمح السلطات الأردنية بالعمل السياسي داخل الجامعات، بل إن القوانين تجرم من يتعرض للحزبيين ويضيق عليهم بناء على انتماءاتهم السياسية، إلا أن الواقع في الجامعات غير ذلك، حسب منسق حملة ذبحتونا فاخر دعاس، إذ يتم "هندسة كل شيء داخل الجامعة أيضا".

وقال دعاس لـ"عربي21"، إن "تدخل السلطات في الانتخابات لا يتوقف عند اتحادات طلبة الجامعات، إنما يبدأ من تعيين رؤساء جامعات وآلية تعيين مجالس الأمناء والأكاديميين وانتهاء بتعيين عميد شؤون الطلبة المسؤول عن ملفات العمل الطلابي وعن إجراء الانتخابات".

ورأى أن "الاستقلالية في الجامعات هي استقلالية مادية فقط، ولا استقلالية في قراراتها مثل تسمية رئيس الجامعة، السلطة تتدخل بالتفاصيل مثل تأجيل انتخابات، وكثير من الجامعات لا يوجد بها اتحادات طلبة، ويتم التدخل في حرية العمل الطلابي وفرض تعليمات وأنظمة تأديب تمنع العمل الحزبي أو حتى من توزيع منشورات أو نشاطات إلا بموافقة عمادة شؤون الطلبة".

"الحكومة تتدخل بشكل كبير في الجامعات سواء بالقانون أو من خلال ضغوطات" على حد دعاس. 

إعلام مكبل

 

 أما بخصوص واقع الإعلام الأردني، فهو الآخر أصبح يقبع تحت رقابة ذاتية، ورقابة رؤساء التحرير، ولم تعد السلطات تتدخل في كثير من الأحيان بعد أن "أصبح صحفيون ورؤساء تحرير يعرفون مسبقا ما يتم نشره أو لا" حسب تقارير لمركز حماية وحرية الصحفيين.

وكشف تقرير لمركز حماية وحرية الصحفيين أن الرقابة المسبقة بلغت 51.4% لدى الصحفيين من خلال تعرضهم لرقابة مسبقة من قبل إدارات مؤسساتهم الإعلامية، أو من خلال تدخل الأجهزة الأمنية بشكل كبير ومتكرر، فيما قال 34% منهم إنهم يمارسون رقابة ذاتية، وهي نسبة مرتفعة استمرت على مدى عشر سنوات ولم تنخفض عن حاجز 91% في استطلاعات رأي الصحفيين التي أجراها المركز.

وقال العضو المؤسس للمركز نضال منصور، إن "ما نسبتهم 77.3% من المستجيبين الصحفيين قالوا إنهم كانوا يتعرضون لاستدعاءات أمنية بسبب عملهم الإعلامي".


التعليقات (0)