هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الأستاذ عصام سلطان أحد أهم رموز الثورة المصرية، وأحد رموز الصمود في سجون الانقلاب، له تاريخ في العمل الطلابي والسياسي والحزبي المشرف، وما يتم معه من تنكيل في السجن، أمر ليس مستغربا على نظام قام على الديكتاتورية، وتأسس على هولوكست بشع كمذبحة رابعة، لكن هناك شخصيات التنكيل بها يفوق الحد، وخارج إطار الاستبداد فقط، بل ما يفعل معهم يحمل سرا أو سببا مهما لما يفعل بهم، وبلا شك ما يفعل بأي بريء في السجون في حد ذاته مستنكر، وليس قانونيا، ولا أخلاقيا، ولا شرعيا، ولكن حين يكون التنكيل بعصام سلطان وأمثاله بهذا الشكل، فهناك سبب.
كنا نتابع ما يجري مع عصام سلطان، رغم مرضه وآلامه، وقد بين بعض ما يحدث معه في إحدى جلسات المحكمة، وهو تنكيل بشع، ينم عن عداوة وبغضاء وسواد قلب، كشفت عنه دراما السلطة في الآونة الأخيرة بشكل غير مباشر، حيث يتم عرض مسلسل الآن بعنوان: الاختيار 3، وفي الحلقات الأولى منه، تم ذكر اسم عصام سلطان أكثر من مرة، كلها في سياق واحد، وهو ذمه في عبد الفتاح السيسي، وتحذيره الإخوان، والقوى الثورية منه.
وهو كلام صحيح يعرفه كل قريب من بعض الرموز الثورية، فهناك رموز كانت دائمة التشكك والتشكيك في السيسي، وكثيرة التساؤل عن مصدر ثقة البعض فيه، من هؤلاء مع حفظ آلقاب الجميع: يوسف القرضاوي، ومحمد البلتاجي، وعصام سلطان، وحازم أبو إسماعيل، وغيرهم. فماذا فعل عصام سلطان كي يعاديه نظام ودراما السيسي؟
هناك مواقف محددة كانت تشكل خطورة حقيقية على الثورة المضادة، ومن ثم الحكم العسكري، كان أحد أبرز من قام ببعض هذه المواقف عصام سلطان وآخرون بلا شك، لكني أكتفي هنا ببعض مواقف سلطان المعلنة لنعرف ذلك.
بعد انتخاب برلمان الثورة نهاية 2011، وبداية 2012، وعندما رشح الإخوان لرئاسة المجلس الدكتور محمد سعد الكتاتني، قام عصام سلطان بترشيح نفسه ضده، وهو يعلم يقينا أن الكتاتني سيفوز، وقد سألته عن ذلك، فقال لي: أردت أن يمحى من عملنا وقاموسنا السياسي الفوز بالتزكية، لا بد من منافسة، وأنا أعلم أني لن أفوز، لكن لا تكون رئاسة برلمان الثورة بالتزكية لمرشح.
بعد هذا الإجراء ظن كتاب الثورة المضادة، أن سلطان سيكون خنجرا في ظهر الإخوان، فكتب الكاتب الصحفي حمدي رزق مقالا عن سلطان، وأنه سيكون شوكة في حلوق الإخوان، ومثار إزعاج لهم وقلق، بعدها فوجئ الجميع بموقف سلطان أنه كان سندا لبرلمان الثورة، وكانت معارضته للإخوان إيجابية، وليست بالمعنى السلبي الذي رجته الثورة المضادة. رغم أن سلطان نجح في البرلمان في انتخابات كان المنافس له في الدائرة مرشح الإخوان، وجرت ملاسنات، ومشاحنات وقتها، كانت كفيلة بأن تجعله خصما للإخوان، ولكنه والحق يقال: تعالى على حظ نفسه، وتسامى على ذلك كله، وكان رجلا كما عرفناه في المواقف الصعبة.
رغم أنه اعتقل قبل فض رابعة، إلا أن كل التهم الموجهة إليه تتعلق برابعة وما بعدها وما قبلها، فهو ثأر قديم لم ينسه الانقلاب العسكري ولا الثورة المضادة بكل مستوياتها، وهو ما فضحته قلوبهم، بما ألقوه على ألسنة أبطال مسلسل الاختيار3، وهي شهادة فخر واعتزاز تحسب لعصام سلطان، فك الله أسره وأسر إخوانه جميعا.
وكان من جهوده ومطالبه، بل ومطالب حزب الوسط كذلك، تطهير القضاء، وذلك بجعل لوائح وقوانين للقضاء تتوافق مع العمل الثوري، وبخاصة بعد ما جرى من محاكمات شكلية لنظام مبارك، وضياع المطالبات القانونية بالأموال المهربة، وكثير منها يبدأ بالقضاء المصري، وهو ما كان واضحا من أنه مرتب عن طريقه؛ فكل القضايا التي سيخرج منها رموز مبارك بلا أي حساب حقيقي. وهذا التحرك من سلطان مسألة لم تنسها له المؤسسة العسكرية، ولا الثورة المضادة، فقد كان يلح على الإخوان بحكم أغلبيتهم في البرلمان، وأن يرفع الحرج عنهم، بأن يقولوا: هذا المشروع قدمه عصام سلطان، باسم حزب الوسط، ولكن للأسف لم تكن هناك استجابة تناسب الحدث من الإخوان.
أما الموقف الأخير لسلطان قبل الانقلاب، وهو موقف لم يقم به وحده، بل قام به ومعه آخرون، فقد كانوا دائمي التشكيك في وزير الدفاع آنذاك السيسي، وفي وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم، وأن أداءهما لا يبشر بخير، بل يوحي بتباطئ وتواطؤ، وطلبوا من الدكتور مرسي أن يطلب من وزير الداخلية القبض على أكبر رؤوس البلطجية في مصر، حيث أن الإحصائية تقول وقتها: في مصر 300 ألف بلطجي، فلو أنه تم القبض على أكبر رؤوسهم، على أهم عشرين شخصا، أو مائة، وقد جاءوا بقائمة بالفعل لأهم كبار البلطجية، ومن المحركين لهم، وطلب من وزير الداخلية وقتها القبض عليهم.
فوجئ الرئيس مرسي والمجموعة التي طلبت الطلب من وزير الداخلية، بأنه لم يقبض على أي بلطجي، وإذ به يذكر لهم أعذارا لا تنطلي على أي عاقل، فقال: إن فلان البلطجي ذهبنا للقبض عليه، فقفز من الشباك وهرب منا، والثاني: عرف قبل قدومنا للقبض عليه بدقائق وهرب، والثالث والرابع، وذكر لكل شخص عذرا لا يخرج من رجل أمن مطلقا، فكان ما فعل مؤكدا لما قاله سلطان والمجموعة، بأن الرجل ليس متعاونا مع الرئاسة، بل متعاون مع الانقلاب والثورة المضادة.
كانت وجهة نظر عصام سلطان في تناسي خلافه مع الإخوان، ووقوفه في ظهر مرسي رحمه الله، أن هذه التجربة محسوبة ـ شئنا أم أبينا ـ على الإخوان والإسلاميين، وعلى الثورة، ونجاحها سيفيد الجميع، وفشلها سيضر بالجميع، ومن العقل والحكمة تناسي ما مضى، والنظر للمستقبل، وعدم وضع الماضي عقبة أمام ذلك.
ثم قام الانقلاب العسكري، ورأينا موقف سلطان وإخوانه، موقفا بطوليا مشرفا، ينسجم مع مواقفهم السابقة، ورغم أنه اعتقل قبل فض رابعة، إلا أن كل التهم الموجهة إليه تتعلق برابعة وما بعدها وما قبلها، فهو ثأر قديم لم ينسه الانقلاب العسكري ولا الثورة المضادة بكل مستوياتها، وهو ما فضحته قلوبهم، بما ألقوه على ألسنة أبطال مسلسل الاختيار3، وهي شهادة فخر واعتزاز تحسب لعصام سلطان، فك الله أسره وأسر إخوانه جميعا.