كتب

"نساء محاربات".. قراءة في سيكولوجية الحرب لدى المرأة

كتاب يقدم نماذج من الشرق والغرب تؤكد جدارة المرأة في الحرب
كتاب يقدم نماذج من الشرق والغرب تؤكد جدارة المرأة في الحرب
الكتاب: "نساء محاربات"
الكاتبة: صوفي عبدالله
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017

الكتاب الذي بين أيدينا "نساء محاربات" ليس للغزل بالنساء، ولا هو أيضا حقوقي ينتقد الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة في العالم، وإنما ينصب باتجاه آخر ويسلط الضوء على اقتحام المرأة لمجالات ظل الوعي الجمعي ينظر إليها باعتبارها مجالا ذكوريا، ويتعلق الأمر بالحروب.. 

كتاب "نساء محاربات" للكاتبة صوفي عبد الله يسعى من خلال تقديمه لنماذج واقعية لمحاربة المرأة لتأكيد أن المرأة تستطيع أن تكون قائدة عسكرية وتواجه الأعداء جنبا إلى جنب مع الرجل.

ورغم أن الكاتبة أرادت إبراز شجاعة وبطولة المرأة من خلال بعض النماذج، إلا أنها كانت تربط دائما بين المرأة وأنوثتها وارتباطها بالرجل، أو ارتباط حواء بآدمها بحسب تعبير الكاتبة، سواء كان زوجا كما هو الحال في نموذج غزالة الخارجية أو أبا كما هو الحال في الفتاتين فيلستيه وتيوفيل دي فيرنج أو عمَّا كما في مثال تيريز الجسور.

تضمن الكتاب مقدمة وثلاثة موضوعات رئيسية، حيث جاءت المقدمة تحت عنون "الشامي والمغربي" أما الموضوع الأول فكان تحت عنوان "نحو آدم" والموضوع الثاني "مع آدم". أما الموضوع الثالث فجاء تحت عنوان "فوق آدم".

الثياب المزركشة والولع بالحرب
 
تبدأ الكاتبة مقدمتها بطريقة ساخرة في عنوانها الذي يحمل "الشامي والمغربي" مؤكدة على استغراب البعض من عنوان الكتاب الذي جمع النساء والحرب معا، على اعتبار أن الحرب للرجال وأن النساء لها البيت وهن القوارير ويتصفن بالنعومة والرقة، ولكنها تبرر هذا الربط من زاوية نفسية تتعلق بحب المرأة للملابس المزركشة والزاهية، وهو ما يتمثل في الملابس العسكرية للرجال وولع النساء بالضباط وحب الظهور معهم، أو الارتباط بهم كرفيق لهم في درب الحياة ،ومن هنا لم يكن مظهر الجندية ببعيد كل البعد عن روح المرأة وهوى طبعها ،بل هو قريب منها قرابة لا تنكر بحسب الكاتبة .

وتحاول الكاتبة التبرير لهذا التوجه عبر مقدمة طويلة حملت عدة عنوانين فرعية من قبيل، الثياب العسكرية، الاستعداد الخاص، حكمة الحريم، النظام والمساواة، الجنس يفرض نفسه، العبقرية فوق الجنس، كل هذه العنوانين جسدتها الكاتبة من أجل أن تؤكد علي فكرتها، وهي استعداد المرأة للحرب، وإن كانت في ثنايا كلامها أقرت بضرورة عدم التحاق المرأة بالحرب حفاظا على النوع وعدم الانقراض، منوهة لمقولة الحريم هنا لتبرير هذا الأمر، أي حرمة الاعتداء على المرأة والطفل في الحروب، وإن كانت تؤكد في كل فقرة على امتلاك المرأة لمقومات الحرب سواء وظفت ذلك في المعارك أو ظلت في بيتها .

الأنثى هي الأنثى مهما كان من ميلها للحرب
 
في الجزء الأول من الكتاب والذي جاء تحت عنوان "نحو آدم" هناك عنوان فرعي وهو "الشقيقتان الباسلتان".. وفي هذا الجزء تتناول الكاتبة نموذجها الأول للنساء المحاربات متمثلا في الشقيقتين الفرنستيين "فلستيه وتيوفيل دي فيرنج"، لتبدأ بإشارة الشاعر الفرنسي لامرتين إلى الفتاتين في أحد أعماله وتمجيد بطولاتهما، التي حققتاها دفاعا عن الثورة الفرنسية، وهو ما حاولت الكاتبة أن تربط بينهما، حيث تناولت قصة الشقيقتين على خلفية أحداث الثورة الفرنسية ومشاركتها في أعمالها وأحداثها من خلال والدهما وقواته التي شكلها دفاعا عن الثورة، والذي لم يكتشف أن بناته ضمن قواته إلا بعد فترة من الزمن .

تقول الكاتبة عن الفتاتين في صفحة ٢٦ من كتابها: "أغلب الظن أنها ليست حرفة الجندية ما تعشقا، وإنما هي" روح الثورة "التي كانت تتمخض بها فرنسا في ذلك الحين، لم يكن لفتاتين نشأتا في ظل أب كأبيهما، وفي جو من حب الحق والحرية والإيمان بهما، إلا أن تحسا بتلك الروح تتقمص جسديهما الفتيتين. ولو كانتا في باريس لخرجتا في المظاهرات التي شاركت فيها الباريسيات".

وتحكي الكاتبة كيفية التحاق الفتاتين بالحرس الأهلي المناصر للثورة، فعقب التحاق والدهما وأخوهما بالحرس الأهلي لم يترددا لحظة واحدة فلبستا لبس الرجال، وحملتا السلاح، وانخرطتا خلسة في صفوف الكتيبة التي يقودها والدهما، وظل الوالد فترة من الزمن جاهلا تمام الجهل بهما أو أن ينتبه لوجود الصغيرتين في عداد أولئك النفر من الجنود، الذين يوجههم كل ليلة بأعمال الكشف والتربص، ولم يتم الاكتشاف إلا بعد الريبة فيهما من جانب الأب دون علمه بهما، فاستدعاهما للاستفسار عنهما وهنا كانت المفاجأة حيث يرتدون ما يخبئ الوجه، ولكنهم لم يصمدا فانكشف سرهما وكانت المفاجأة للأب، ولكنها كانت اللحظة الأهم لهما حيث كانت بداية الانخراط العملي في صفوف قواته.

وتتحدث الكاتبة عن التحاقمها مع قوات الثورة والصراعات التي خاضتاهما، وما تعرضتا له من أسر تارة وطرد خارج فرنسا إلى هولندا تارة أخرى إلى أن هدأت الأمور واستقر الحكم للثورة وتزوجا في النهاية بعد رحلة تقمصا فيها شخصية المحاربين الشجعان، ولكن ليستقر بهما المطاف بمنزلهما كأمهات وزوجات لرجال يشعرن معهم بأنوثتهما وهنا تقول الكاتبة: "في البيت وفي الميدان سيان فبواعث بطولتهما وأهدافهما هي بواعث حواء وأهدافها منذ أول الزمان" .

وفي جملة أخيرة تؤكد الكاتبة على أنه لا غنى لها عن المثل المحسوس الذي يخاطب فكرتها، أنثي أو أما، وهو هذا الطريق بحيث تكون تابعة لا متبوعة، مدفوعة إلى البذل والفداء والتصدي للآلام الجسام، وللتاكيد على أن الأنثى في النهاية هي الأنثى .

ثم تسوق الكاتبة مثالا آخر للتدليل علي نموذج المرأة المحاربة وهي تيريز الجسور وتناول نشأتها وظروفها الإجتماعية الصعبة التي كابدتها، حيث الحياة غير المستقرة داخل أسرتها إلى أن تعرفت على فتي يكبرها بسنة وهو حامل الطبلة في الفرقة السويسرية بالبلدة وظلت في صحبة هذا الفتى، إلى أن اندلعت الثورة الفرنسية الكبرى في كل فرنسا، وانضمت إلى فرقة الجندية التي يقودها عمها وقاتلت معه قتال الأبطال ضد القوات المعادية للثورة إلى أن وقعت في الأسر مع عمها، ولكن لفتت نظر عدوهما إلى بسالتها وشجاعتها في الدفاع عن نفسها وعن عمها، وبعد حوارات ومناقشات مع القائد الذي أسرها تم إطلاق سراحها مقابل ألا تشارك في أعمال عدائية ضدهما أو تنضم لهم، ولكنها أصرت على إطلاق سراح عمها معها وتم ذلك واطلقوا عليها تيريز الجسور نظرا لشجاعتها التي أبدتها في حربها ضدهم .

وتشير الكاتبة إلى مشهد مهم في حياة الفتاة والتقائها بفتاها والزواج منه الذي كان من رجال الحرس الملكي وهنا تقول الكاتبة في صفحة ٥٦ من كتابها: "في قبول الفتاة للزواج... قبلت لأنه "آدمها" الذي لا ترفضه، ولا تجنح للاسترجال إلا لأنها لم تلقه بعد".. وتشير الكاتبة هنا إلى ما قالته الفتاة عن نفسها بقولها "لقد أصبح كل تفكيري إسعاد زوجي ولم يبق من روحي العسكرية القديمة، إلا الإيمان بأن الطاعة العمياء واجبة على للقائد الذي ارتضيته".. لتدلل الكاتبة هنا على ارتباط المرأة بآدمها مهما كان لديها من ميل للحرب والعسكرية .

نماذج من الشرق والغرب

وفي الجزء الثاني من الكتاب والذي جاء تحت عنوان "مع آدم" وثلاث عنوانين فرعية هي: الصحراء.. الغرب.. من الريف.. الصين .. وهي الأماكن التي ستقدم من خلالها نماذح جديدة للمرأة الشجاعة .

وبدأت بنموذج الصحراء وغزالة الخارجية التي كانت زوجة لرجل يملك قدرات هائلة من الشجاعة والقوة، وهو شبيب بن يزيد، وهي لم تكن تقل عنه قوة وشجاعة، وهنا تقول الكاتبة: "ولكن أبرز مثال في تاريخ العرب للمرأة المحاربة، المقاتلة فعلا كن يقاتلن الرجال بسلاحهم وعرامتهم وتحديهم للأقران والأبطال، فهي ولا شك غزالة الخارجية زوج شبيب ابن يزيد، أمير الخوارج المشهورة مواقعها مع جيوش الحجاج ابن يوسف الثقفي على عهد عبد الملك بن مروان، حتى قيل إنه قتلت للحجاج خمسة قواد ".

وحول الحديث عن غزالة نفسها تقول الكاتبة: "وقد اشتهرت غزالة باشتراكها مع زوجها في الحروب، وفي التبصير بمعتقدهم في الدين، فهي تخطب على المنابر، وتخوض المعارك، وتتحدى الحملة للمبارزة كما يتبارز الأقران، حتى قيل إنها دعت الحجاج في بعض المواقع أن يبرز إليها بعد أن جندت من فرسانه العديد، فأبي وخاف، فعيره عمران بن قحطان وقال بيته الشهير:
 
أسد على وفي الحروب نعامة       ..            ربداء تجفل من صفير الصافر

ولكن رغم ما تسوقه الكاتبة من شجاعة غزالة إلا أنها تؤكد على ارتباطها بزوجها ورجلها وآدمها، فهي أنثى شبيب بن يزيد التي تتلاءم معه في الصفات، فتنفر معه إذا نفر وتموت إذا مات، ورغم أنها كانت فارسا مغوارا إلا أنها كانت في نهاية المطاف المخلوق من ضلع آدم ولم تكن خليقة مستقلة على ضخامتها وعتوها الفريد بحسب الكاتبة .

والنموذج الثاني الذي تسوقه الكاتبة نموذج من الغرب وتحديدا من فرنسا، وهي ديكو بونسيه والتي كانت ضمن جيش نابليون، والذي أعجب بشجاعتها وأهداها نوط الشجاعة الخاص به تقديرا لها، وخاضت عدة معارك أثبتت فيها شجاعة فائقة مثل موقعة "فريدلاند" وأصيبت خلالها بإصابة غائرة وأسرت ستة من الأعداء رغم إصابتها وكذلك موقعة "إيلو" وأظهرت شجاعة باهرة بحسب الكاتبة وتم أسرها، ولكنها عادت بعد ست سنوات ولم تلق التقدير المطلوب، فظلت مهملة حتى وفاتها وقالت عباراتها الشهيرة "إن يكن نجمي في الحضيض، فرأسي لا يزال في السماء".

كما ساقت الكاتبة نموذجا آخر وهو إنجليك بريلون والتي انضمت إلى الفرقة التي كان ينتمي إليها زوجها بعد وفاته وأبدت شجاعة كبيرة في مقاومة الإنجليز وماتت وعمرها أربعة وخمسين عاما بعد رحلة من التقدير والتكريم.. وهنا تؤكد الكاتبة على وفائها لزوجها بقولها "أنها امرأة، تبعت أدم وتقمصت ثيابه وفعاله لتكون امتداداه بعد وفاته".

أما نموذج الريف فهو نموذج مصري، حيث امرأة تدعي الهلالية، والتي كانت ذات مواصفات جسدية متميزة بطولها الفارع وقوة بنيانها وكانت متزوجة من رجل يتميز بالشجاعة والقوة، ولكنه كان يحبها جدا رغم أنه كان لديه أكثر من زوجة، لأنها قد قاتلت معه بشجاعة ضد من أرادوا أن يغيروا على أرضهم وزرعهم، واستطاعت مع زوجها أن ينتصروا عليهم وتجعل الجميع يهابها هي وزوجها، وكانت مخلصة لزوجها لدرجة أنها أشارت عليه بزواج أكثر من امرأة حتى يكون لديه أولاد كثر يصيرون له عزوة تذود عنه .

ورغم وصفها بأنها حواء العاتية، لكنها استظلت بآدم واندمجت فيه اندماج القدوة والولاء الذي يبلغ مرتبة الفناء بحسب الكاتبة .

وتختم الكاتبة هذا الفصل بنموذج نسائى شجاع اخر من الصين وهي"بيرل باك"وهي نموذج من القدوة والشجاعة والقيادة تصفها الكاتبة بقولها: "إذا جد الجد فهي أتون تضطرم نيرانه، أو ظل يخيم على الأفق في صمت فكل ما يستظل به مضطرب جازع وهي كجندي يحمل السلاح، وقائد ينطوي لسلطانه الرجال في إيمان ملهم. وقد استطاعت أن تقود مجموعة من الرجال ساقتهم من نصر إلى نصر ورفضت الزواج مطلقا من أي رجل متمسكمة بموقفها لأنها لابد أن تبدو كرجل والزواج سوف يفقدها هذه الميزة.

ثلاثية متميزة

وفي الفصل الأخير من الكتاب والذي يحمل عنوان "فوق آدم" تسوق ثلاثة من الأمثلة النسائية المتميزة بالشجاعة والتضحية وهم ، جان دارك وفلورنس نايتنجيل ويوديث.. فبالنسبة لجان دارك تناول الكتاب قصتها بتفصيل كبير متناولا نشأتها البسيطة كفتاة ريفية ولكن في بيئة دينية، حيث أصوات ترانيم الكنيسة تصل إليها باستمرار نظرا لقرب منزلها منها وهو ما أثر في وجدانها وجعلها تتمتع بشفافية وروحانية كبيرة، كما ما جعلها تتوجه إلى الملك وتصر على إبلاغه رسالة ليتمكن من طرد الإنجليز وتحرير البلاد، ولكنها وقعت في الأسر وطلب الإنجليز فدية كبيرة للإفراح عنها، ولكن الملك ورجاله لم يتحمسوا لدفع المبلغ وتركوها في أسرها وهنا قرر الإنجليز اغتيالها معنويا وتجريدها من مكانتها الدينية التي شهد لها بها الجميع .فقرروا محاكمتها دينيا وإصدار حكم بأنها مارقة وأنها مشعوذة وهو ما تم بالفعل، وعندما طلبت استئناف الحكم أمام البابا رفض طلبها وتم الحكم باحراقها.

ولكن طبقا لما أوردته الكاتبة بصفحة 114 فإنه بعد خمسة قرون أعلنت الكنيسة أن جان دارك عذراء اورليانز التي استشهدت محترقة وهي دون العشرين قد أصبحت في عداد القديسين، وأنها قديسة حقا بمعنى ديني وإنساني أيضا لتبرئها بعد كل التهم والإدارات.

اما النموذج الآخر الذي أوردته الكاتبة فهو" فلورنس نايتنجيل"، فتقول عنها: "إن عظمة فلورنس التي تنفرد بها بين المحاربات أنها برزت بعد انتهاء أزمان المعجزات وانقشاع كلمات الجهل عن أذهان العامة، حتي كاد الإنكار يضحى خرافة العصر . وهي لم تكن فتاة شاعرية النزعة، حالمة النظرات، رقيقة الحاشية، حيية الحديث، ناعمة الصوت، ترف الابتسامة علي شفتيها، وتسارع الدموع إلى وجنتيها.. بل إنها أعظم من آدم، لأنها آدم على غراره في القوة والصلابة، ولكنها أبوه عزيمة ولددا".

لقد فطرها الله للتمريض لا للأمومة، فمنذ طفولتها تعنى بإصلاح العرائس التي تمزقها أختها وتضع لها الكبائر كما البشر، لهذا أبدت رغبتها في الالتحاق بالمستشفى للتمرن على التمريض وبالفعل كان لها دور كبير أثناء حرب القرم، ولمع اسم لورنس في العالم كله وأصبحت مستشارا عالميا في عالم التمريض وكرمها مستشار ألمانيا وحكومة بلادها .

والنموذج الأخير هو يوديث التي دافعت مع النساء عن قريتها والتصدي للأعداء وشحذ الهمم للاستماتة في الدفاع عن القرية، ولما استطاع العدو أن يدخل القرية، كانت الخطة المحكمة بإشعال النار في جميع البيوت وتركها سريعا لتتحول القرية إلى كتلة لهب يصطلي بها العدو .

وكانت هذه هي خطة يوديث مخاطبة نساء القرية قائلة لهمن: "اذهبن إلى بيوتكن فأعددن الحطب للنار، وضعن على الحطب الزيت ليسرع إليه الاشتعال، حتى إذا سمعتن ناقوس البيعة يدوي أسرعن إلى هنا لمواجهة الأعداء".. وعندما استطاع العدو دخول القرية تم تنفيذ الخطة وتم إشعال النيران طبقا لخطة يوديث. 

التعليقات (1)
عزة مختار
الأحد، 17-04-2022 11:37 ص
كتاب رائع وعرض موفق