أظهرت الحكومة المصرية حالة من الارتباك وأصيبت
الأسواق بالاضطراب بعد ساعات من قرار وقف دخول منتجات نحو ألف شركة وعلامة تجارية عربية
وعالمية بدعوى عدم التزامها بتسجيل مصانعها التي تقوم بتصدير منتجاتها إلى مصر.
وشمل القرار وقف منتجات شركات من دول عدة مثل
السعودية والإمارات والكويت وتونس وبريطانيا وتركيا والولايات المتحدة وفرنسا وكوريا
الجنوبية والصين وبلجيكا وغيرها، والتي ضمت علامات تجارية شهيرة مثل: المراعي السعودية،
ويونيليفر البريطانية، وشاي ليبتون، وهيدرا، ومدار للكيماويات، وفينوس هيلث مور للصناعات،
وأل جي الكورية.
في اليوم التالي لنشر القرار من الهيئة العامة
للرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية، قامت الوزارة
بنشر بيانها الأول، صباح الأحد، الذي نفى أن يكون القرار يستهدف دولة أو شركة بعينها:
"القرارات الصادرة بإيقاف أو شطب شركات مصدرة للسوق المصرى لا تستهدف شركات بعينها
أو منتجات دول محددة".
وأوضح البيان، أن الشركات التى تم إيقافها
أو شطبها لم تستوف المستندات المطلوبة وبعضها بدأ الإنتاج من داخل السوق المصري، موضحة
أن الإجراءات تبدأ بتوجيه إنذار لمدة أسبوعين ثم الإيقاف لمدة عام ويعقبه الشطب لعدم
الجدية.
وفي محاولة لطمأنة الأسواق، أوضحت وزارة التجارة
المصرية في تفاصيل البيان أنها سوف تقوم بحذف أسماء الشركات التى توفق أوضاعها أولاً
بأول من قوائم الإيقاف، مشيرة إلى أن 122 شركة قامت بتوفيق أوضاعها منذ بدء العام الجاري
وحتى اليوم، خاصة أن التسجيل يهدف لتيسير الإجراءات على الشركات.
وبعد قليل، أتبعت الوزارة بيانها الأول ببيان
ثان موجه إلى السعودية، أحد أكبر الداعمين لها والذي شمل القرار عددا من شركاتها الكبرى
مثل المراعي، ونفى المتحدث الرسمي لوزارة التجارة والصناعة إصدار أي قيود للحد من الاستيراد
من الشركات السعودية، مؤكدا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والسعودية تشهد
تطوراً ملحوظاً وذلك في ضوء علاقات الأخوة والصداقة التي تربط قيادة وحكومتي وشعبي
البلدين الشقيقين.
وشدد المتحدث على حرص الوزارة على تقديم التيسيرات
اللازمة للشركات السعودية سواء المستثمرة أو المصدرة للسوق المصري، لافتا إلى أنه جاري
توفيق أوضاع بعض الشركات السعودية وفقاً لقواعد التسجيل للمصانع المؤهلة للتصدير للسوق
المصري.
وبادرت السفارة السعودية بنشر البيان فورا.
صراع الواردات والعملة الصعبة
وفي قراءته للقرار وأبعاده، قال الخبير الاقتصادي
ممدوح الولي إن "القرار يعود تاريخه إلى عام 2016 ويتلخص بضرورة قيام الشركات
الأجنبية المصدرة للسوق المصري بتسجيل نفسها في مصر وهو القرار رقم 43، وكان يهدف وقتها
لتقليل الواردات من أجل تخفيف الطلب على الدولار، وكان ضمن سلسلة قرارات أخرى، مثل
قرار وزارة المالية، العام الماضي، بضرورة التسجيل المسبق للمنتجات قبل شحنها إلى مصر
بـ48 ساعة للحصول على الموافقة، وقبل شهرين اتخذ البنك المركزي إجراء يقضي بمنع الاستيراد
بآلية مستندات التحصيل وإنما بالاعتمادات المستندية".
وأوضح لـ"عربي21" أنها "كلها قرارات
تأتي ضمن سلسلة قرارات حكومية من جهات مختلفة من أجل تقليل الواردات لأنها وصلت إلى
83 مليار دولار العام الماضي، ويعد هذا المبلغ كبير نسبيا في ظل تراجع حجم الصادرات
وقلة الموارد الدولارية، والحاجة الملحة إلى استيراد منتجات وسلع أساسية أخرى".
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "ما يجري
هو عقود من الصراع بين الواردات والعملة الصعبة، وكل حكومة تأتي تتخذ بعض القرارات
من أجل تقليل فاتورة الواردات وهكذا دواليك"، مشيرا إلى أنه "من الصعب مقاومة
الواردات لأنها أساسية في جزء كبير منها، إضافة إلى أن 60 بالمئة من مكونات الصادرات
المصرية هي سلع ومواد خام مستوردة من الخارج مثل الخامات والآلات وغيرها".
ما هو القرار رقم 43
في آذار/ مارس الماضي، أصدرت وزيرة التجارة
والصناعة المصرية قراراً بتعديل بعض أحكام وبنود القرار الوزاري
رقم 43 لسنة 2016 بشأن
تعديل القواعد المنظمة لتسجيل المصانع المؤهلة لتصدير منتجاتها لمصر، مشيرةً إلى أن
القرار يأتي في إطار جهود الدولة لتسهيل الإجراءات على مجتمع الأعمال وتيسير حركة الاستيراد
والتصدير.
ونص القرار المعدل على إلغاء الفقرة الثالثة
من المادة الأولى من القرار 43 التي نصت على أن "يصدر بالقيد في هذا السجل أو
الشطب منه قرار من الوزير المختص بالتجارة الخارجية وله الإعفاء من أي من شروط التسجيل
أو كلها في الحالات التي يقررها".
في المقابل، أشاد رئيس شعبة المستوردين السابق
بالغرفة التجارية، أحمد شيحة، بالقرار، وقال: "الشركات التي تم وقف دخول منتجاتها
هو بسبب عدم استيفاء شروط القرار 43، وكثير من المنتجات القادمة من دبي وتركيا والبحرين
وبعض الدول العربية ليست شركات منشأ وليست صاحبة العلامات التجارية، بمعنى أنها شركات
وهمية غير حقيقية وليس لها مصانع في تلك البلاد، مثلا تقوم بعض الشركات بدبي باستيراد
منتجات علامات تجارية ويكتب عليها أن بلد المنشأ دبي على خلاف الواقع".
وقال لـ"عربي21": "على سبيل
المثال تقوم مصر بتصدير شاي ليبتون ومكتوب على المنتج أن بلد المنشأ مصر في حين أنه
جاء من سيرلانكا أو كينيا وتم تعبئته في مصر فقط، ويحصل الُمصًدِر في نهاية المطاف
على دعم صادرات من الحكومة وإعفاءات جمركية وفقا للاتفاقيات العربية والأفريقية المشتركة،
في حين أنه لم يضف أي قيمة للاقتصاد المصري، وهذا تحايل على الدولة".
واستبعد شيحة أن تتأثر الأسواق المصرية بالقرار
قائلا: "لن تتأثر الأسواق كثيرا لسببين، أولهما أن هذه الشركات سوف تقوم بتصحيح
أوضاعها وأمامها مهلة، والسبب الثاني أن كثيرا من تلك المنتجات لها بدائل متوفرة في
مصر".
وتفاعل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي
مع القرار الذي وصفه البعض بالمفاجئ والغريب، وأيده البعض ورفضه البعض الآخر، واقسمت
الآراء بين من يرى أنه يصب في مصلحة البلاد وبين من يراه تخبطا واضحا من الحكومة.