هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتصاعد الجدل في تركيا، بشأن اللاجئين السوريين وسط استقطاب سياسي حاد، وتأكيد قادة المعارضة أنهم سيعملون على إعادتهم إلى بلادهم في حال وصولهم إلى الحكم والاعتراف بالنظام السوري.
اللافت في الآونة الأخيرة، هو التغير في تصريحات الحكومة التركية وحزب الحركة القومية حليف "العدالة والتنمية"، بشأن التعامل مع اللاجئين السوريين في البلاد، ومع التأكيد على عدم إمكانية عودتهم فإنه يتم التشديد على وضع ضوابط بشأنهم.
وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، ألمح إلى إمكانية التعامل مع النظام السوري بشأن قضايا الإرهاب واللاجئين دون الاعتراف به، مشيرا إلى الطريقة التي تتعامل فيها بلاده مع حركة طالبان التي تسيطر على أفغانستان دون الاعتراف بها.
وتطرق تشاووش أوغلو في مقابلة مع قناة "سي أن أن ترك"، إلى الجدل القائم مؤخرا بشأن اللاجئين السوريين في بلاده.
وحول سؤال "هل يمكن التعامل مع أزمة اللاجئين دون الاعتراف بنظام الأسد؟"، أوضح الوزير التركي أنه "يجب حل الأزمة في إطار القانون الدولي، ويجب على الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية التعامل مع الأسد بهذا الخصوص، فإن كان النظام سيقدم ضمانات فإن عليه أن يقدمها لتلك الأطراف".
وقال الوزير التركي إن الاتحاد الأوروبي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وممثل الأمم المتحدرة، يعقدون لقاءات مع النظام السوري لمعالجة قضايا اللاجئين السوريين.
وتابع بأن بلاده تتعاون مع طالبان دون الاعتراف بها، لمنع إنهيار البلاد وحتى لا يأتي المزيد من المهاجرين، ومنع انتشار الإرهابيين، وقال: "نرى أنه من المفيد التعاون دون الاعتراف، وفي الآونة الأخيرة هناك حراك جاد من النظام السوري ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي تسعى لتقسيم سوريا، ونحن مع وحدة الأراضي السورية".
اقرأ أيضا: تركيا تدرس تقييد زيارات العيد إلى سوريا.. وبهتشلي يعلق
وأضاف: "لا يمكننا دعم تفكيك البلاد لمجرد أننا لسنا على وفاق مع النظام السوري، ولأن هذه المواضيع معنية بها أجهزة الاستخبارات فقد جرت لقاءات على مستوى استخباراتي بين البلدين بالماضي".
وشدد على ضرورة النظر إلى ملف اللاجئين من منظور سياسي وإنساني واجتماعي، قائلا: "نتحدث عن عودة كريمة للاجئين، علينا ضمان عودة اللاجئين لبلادهم، وعلينا القيام بذلك بحكمة، بشكل يتوافق مع حقوق الإنسان، والقانون الدولي، والدستور التركي".
وردا على سؤال حول احتمال التغير الديموغرافي بسبب اللاجئين السوريين، قال تشاووش أوغلو إن تواجد السوريين في بعض الولايات التركية الحدودية مع سوريا كثيف، لكن التركيبة الديموغرافية في عموم تركيا لم تتغير.
وأكد على أهمية ضمان سلامة السوريين أولا قبل إعادتهم، مضيفا أنه "يجب ضمان الاحتياجات الأساسية لهؤلاء (اللاجئين) بعد عودتهم إلى ديارهم، مثلا أماكن الإقامة، وتعليم الأطفال، والمشافي، والمشاريع التي تؤمن فرص العمل".
وردا على دعوة نظام الأسد السوريين للعودة، أفاد بأن النظام لا يؤمن الخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق الواقعة تحت سيطرته بالشكل الكافي، مؤكدا على وجود مشاكل حقيقة هناك، بحسب تقارير مراقبين دوليين.
وأشار إلى استمرار إعادة المهاجرين غير القانونيين من غير السوريين في تركيا إلى بلدانهم، موضحا أن بلاده أعادت مئات الآلاف منهم العام الماضي، وأكثر من 21 ألف مهاجر في الأشهر الـثلاثة الأولى من العام الجاري.
ولفت إلى أن السلطات التركية أعاقت دخول 451 ألف مهاجر إلى البلاد بطريقة غير قانونية العام الماضي، وحوالي 127 ألف مهاجر العام الجاري.
وأفاد بأن بلاده اتخذت تدابير عديدة للحد من الهجرة غير القانونية، مثل إنشاء الجدران الحدودية، والأسلاك الشائكة، وتزويد الحدود بكاميرات المراقبة، وأن الاتحاد الأوروبي يدعم هذه التدابير، بهدف منع قدومهم إلى تركيا، والحد من خطر توجههم إلى الدول الأوروبية بعد ذلك.
وقبل أيام، قال زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي، وهو حليف "العدالة والتنمية"، إنه يجب إرسال اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد تهيئة الظروف، لكن السوريين الذين يذهبون لزيارة بلادهم في عيد الفطر يجب ألا يعودوا أيضا.
اقرأ أيضا: تركيا تدرس تقييد زيارات العيد إلى سوريا.. وبهتشلي يعلق
وتابع: "يجب أن نتحد لحل مشكلة اللاجئين بشكل جذري، واتباع استراتيجية ذكية، دون تغذية بيئة تحريضية"، مشيرا إلى أن الأيام الأخيرة شهدت محاولات تحريضية لتأليب الشارع عبر حجج اللاجئين السوريين، لكنه اعتبرها بمثابة "ألاعيب ماكرة وخطيرة، وواضح أن هناك تأثيرا ودفعا من خارج البلاد لهذه المسألة".
بدوره أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التصريحات التي أدلى بها وزير داخليته سليمان صويلو، بشأن تقييد "زيارات العيد" للسوريين المقيمين في تركيا إلى شمال سوريا.
وقال صويلو، إن "بلاده تدرس تقييد السماح للاجئين السوريين المقيمين في تركيا بالتوجه إلى بلادهم من أجل قضاء عطلة هذا العيد والعيد المقبل".
وأضاف: "لدينا تقييم حول عدم السماح بالذهاب لعطلة هذا العيد والعيد المقبل، لِنرَ لا شيء مؤكدا حتى الآن".
يجب التفكير بخصوص زيارات السوريين من منظور آخر
الأكاديمية المختصة بعلم الاجتماع، شبنام كوشير أكشبار، في لقاء على قناة "خبر ترك"، أوضحت أنه من الضروري النظر إلى مسألة زيارات السوريين لبلادهم من منظور مختلف.
وتابعت، بأن "السوريين يذهبون إلى المناطق الآمنة في الأعياد، ويزورون أقرباءهم من كبار السن، وعدد من أولئك الذين يذهبون إلى هناك إذا وجدوا أن الظروف ليست سيئة يبقون هناك وإن كان عددهم قليلا".
وأضافت: "يجب النظر في ما إذا كان عدم إغلاق الحدود الثقافية واستمرار الارتباط به يشجع على عودتهم إلى البلاد".
هل ستتم إعادة السوريين إلى بلادهم؟
الكاتب التركي فهمي كورو، في مقال له، أشار إلى أنه عندما بدأ الربيع العربي في سوريا، كانت هناك توقعات بأن تكون النتائج مماثلة لما جرى في البلدان الأخرى، والحسابات تتمثل بأن النظام السوري هو الحلقة الأضعف، وأن حزب البعث الحاكم قائم على على قاعدة ليس لديها سوى القليل من القواسم المشتركة مع الناس، كما أن بشار الأسد وكبار الشخصيات البعثية ينتمون إلى طائفة أقلية في البلاد، وعندما قالت الأغلبية العظمى من الشعب "كفى" فإن الإطاحة بالنظام حتمية.
وأضاف: "لم يتغير النظام، واندلعت حرب أهلية، وكما هو الحال دائما في مثل هذه الظروف، فقد بدأت الهجرة من البلاد إلى تركيا وبلدان أخرى".
وتابع بأن عدد السوريين الذين لجأوا إلى تركيا يتراوح ما بين 3 و5 ملايين، وعدد سكان سوريا هو 20 مليونا، ويعني ذلك أن تركيا لديها رقم مرتفع بالنسبة لبلد يبلغ عدد سكانه 20 مليون نسمة.
وقال: "إذا أخذنا بالاعتبار السوريين الذين لجأوا إلى الأردن ولبنان، فإنه يصبح من الواضح أن ما يقرب من نصف سكان سوريا مجبرون على العيش في البلدان المجاورة كطالبي لجوء".
اقرأ أيضا: تركيا تتجه لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد.. ما شروط أنقرة؟
وأوضح أنه "على الرغم من وجود جنود أجانب في بعض المناطق في سوريا، فإن النظام يعيش أكثر أيامه راحة في دمشق والمدن الكبرى، وذلك بسبب إبعاد المعارضين الذين كانوا يعملون على الإطاحة به إلى خارج البلاد".
وأشار إلى أنه قد مرت عشر سنوات على الحرب في سوريا، والسوريون لجأوا إلى تركيا وبلدان أخرى ليس بإرادتهم، بل لجأوا بسبب تدمير منازلهم وأعمالهم التجارية، وعدم الشعور بالأمان في بلادهم.
وأضاف أن معظمهم ليس لديهم منزل أو مكان عمل يمكنهم الذهاب إليه عندما يطلب منهم "المغادرة الآن"، وأولئك الذين ليست لديهم مشكلة في هذا الإطار يعانون من عقبة أنهم يعرفون بأنهم "معارضون" من النظام السوري.
وبالفعل، اعتاد العديد من طالبي اللجوء على البلدان التي يوجدون فيها بما في ذلك تركيا، حيث أصبح بعضهم مقيمين دائمين، ويعمل عدد منهم في وظائف مختلفة، ولن يغادروا إذا طلب منهم أحد "الرحيل".
وعلى الجانب الآخر، فإن بشار الأسد ونظامه ليست لديهم الرغبة في عودة المعارضين له من الدول الأخرى، لأنه بغيابهم يحافظ على سلطته ويشعر بالراحة، كما يقول الكاتب.
ويجري النقاش، في ما إذا كان الوقت قد حان لطالبي اللجوء السوريين الذين يقيمون في تركيا منذ عشر سنوات للعودة إلى بلدهم، بعد أن فتحت الأبواب لهم في ذلك الوقت على أمل تغير النظام في غضون أسبوع أو بضعة أسابيع.
ورأى الكاتب كورو، أن المعارضة التركية تستخدم قضية اللاجئين كورقة رابحة ضد الحكومة التركية.
وأضاف أن الجبهة الحاكمة بتركيا كانت قاسية على أولئك الذين يريدون إرسال اللاجئين حتى وقت قريب، لكنهم يبدو أنهم استعدوا لحقيقة أن الوقت قد حان لعودة اللاجئين؛ وأعطى زعيم حزب الحركة القومية رسائل بهذا الاتجاه، فيما قال الرئيس أردوغان إنه سيتم إرسال السوريين إلى بلادهم بـ"كرامة".
وأضاف أن أوميت أوزداغ زعيم حزب "النصر" المعارض، يذهب إلى أبعد من ذلك من خلال إرسال وفد إلى دمشق لمناقشة قضية طالبي اللجوء.
وأكد كورو، أن أولئك الذين أساءوا التقدير والتنبؤ بأن النظام في دمشق سيتغير في وقت قصير، يعتقدون الآن بإمكانية إعادة الملايين إلى بلادهم طواعية أو قسرا، وهذا أيضا سوء تقدير.
ورأى أنه طالما ظل النظام في دمشق دون تغيير، وبشار الأسد يحتفظ بمكانه، فمن غير المرجح أن يعود طالبو اللجوء إلى سوريا بشكل كامل.