هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خلال المناظرة التلفزيونية التي تابعها الملايين عبر العالم بين المرشحين لقيادة فرنسا، إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، نزل فيها المستوى السياسي إلى الحضيض، وهناك من الفرنسيين من أقام تأبينية وعزاءً متأخرًا على روح نابليون بونابرت وفيليكس فور وريني كوتيي وشارل دوغول وفرانسوا ميتران، عندما كان لفرنسا هيبتها برغم ما رافق عهداتهم من أخطاء كثيرة، فلا يمكن لفرنسي أن ينتظر برنامج ماكرون أو لوبان لحل العديد من المشاكل الاقتصادية على وجه الخصوص، ليجد نفسه بصدد الاستماع إلى حكاية الحجاب بين المنع والسماح بارتدائه، بل إن كلمة إسلام تردّدت خلال المناظرة، عدة مرات، ولم تتردد كلمة مسيحية أو أي دين آخر ولا مرة واحدة، ليجد المتابعُ نفسه مع مرور الوقت ملفوفا بقطعة قماش كما هو شأن فرنسا في السنوات الأخيرة مع اللباس.
قصة فرنسا مع اللباس الإسلامي، أو عقدتُها، تعود إلى قرابة عشرين سنة؛ فقد منعت الحجاب في المدارس في سنة 2004 في عهد جاك شيراك، ومنعت النقاب في الأماكن العمومية في سنة 2010 في عهد نيكولا ساركوزي، وطرحت منع “البوركيني” في المسابح وشواطئ البحر في سنة 2016 في عهد فرانسوا هولاند، ورفعت الآن السقف بجعل الحجاب موضوع مناظرة بين مرشّحين سيحكم أحدُهما فرنسا في العهدة القادمة، في عصر عالمي جديد ظهرت فيه قوى جديدة، وقد تكون نهاية الحرب في أوكرانيا موعدا لحدوث انقلاب عالمي في موازين القوة، وبالتأكيد لن تكون فرنسا أحد أطرافها، لأنها مشغولة بقطعة قماش، قد تطول سنوات شدّها بين اليمين واليسار، وفي كل الأحوال ستنتهي قصة الشدّ، بسقوط فرنسا وليس سقوط أحد “الشادّين”.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كان رؤساء فرنسا يتعلقون بقماش الأزياء التي يصممها “بيار كاردان” و”إيف سان لوران”، فقد كان الأول وهو إيطاليٌّ فرنسي، يصنع حدث الموضة العالمية، ولم يتوفَّ سنة 2020 إلا وقد زُيِّن صدره بالكثير من النياشين التي ثبّتها جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران ورئيسَا روسيا وأوكرانيا على سترته البديعة، وساهم رؤساء فرنسا في تعيينه سفيرًا للنيات الحسنة في اليونيسكو سنة 1991، وسفيرًا لمنظمة التغذية “الفاو” التابعة للأمم المتحدة في سنة 2009، وصار بفضل ما أنجزه من موضة وإبداع على القماش فخرًا لفرنسا، وكان الثاني وهو من مواليد مدينة وهران، صديقا للرئيس الفرنسي السابق جورج بومبيدو، قبل أن يتسلم قبل وفاته سنة 2008 وسام جوقة الشرف من رتبة ضابط أول، وصار أيضا بفضل ما أنجزه من موضة وإبداع على القماش فخرًا آخر لفرنسا.
والآن بعد أن فقدت فرنسا ذوقها في الأزياء والألوان وفقد رؤساؤُها، “إتيكيت” الكلام، التفتوا إلى ما يلبسه غيرُهم، وجعلوه مادّتهم اليومية، بل وبرنامجهم السياسي، لأجل “الرقي” بفرنسا إلى الأسفل، في عملية دفن للشعار القديم “حرية ومساواة وأخوّة”.
(الشروق الجزائرية)