هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عندما هرول عددٌ من بلاد العرب، في زمن ترامب، للتطبيع مع الكيان الذي غرسه الغرب في جسد الأمة العربية والإسلامية، زعمًا للسلام، وكلها بلاد لم تطلق رصاصة واحدة في الحروب الكلاسيكية من 1948 إلى 1973، ولا الحديثة في غزة وجنوب لبنان، زعم بعضُ قادة التحالف مع إسرائيل، بأنهم لن يتخلوا عن القضية الفلسطينية، بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك عندما ربطوا علاقاتهم السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية والثقافية والعسكرية، مع هيئات الكيان المحتل، باجتهادٍ سيخدم -حسب مزاعمهم- القضية الفلسطينية، ولم يجد أحدُهم من حرج، للقول إن الاتفاقات الحميمية جدا مع الإسرائيليين، ستكبح جماحهم الثائرة ضد الفلسطينيين وستوقف الاستيطان، وتحمي أبناء غزة للأبد من الظلم والعدوان، وبلغ الزعم والتوهّم درجة أن “مغاربة” تصوّروا بأن الإسرائيليين سيدعمونهم في حال اندلاع حرب مع الجزائر، بالنفس والنفيس، في أقبح بلاهة وهبل يصيب إنسانا فقد البوصلة نهائيا.
الآن وقد بصم الإسرائيليون على نهجهم العدواني الذي لن يحيدوا عنه، وداسوا بأقدامهم الوسخة كل الاتفاقات التي أبرموها مع البلدان المطبِّعة، يبدو موقف الذين فتحوا سفارات في تل أبيب وفتحوا ديارهم للأقدام الغازية، بائس جدا، يُخجل الحجر، فما بالك بقرّاء القرآن الكريم وسورة الإسراء وآيات العزَّة والجهاد، وإذا كان إبليس قد وجد لنفسه عذرا عندما رفض السجود لآدم تطبيقا لأمر خالقه، فإنهم بالتأكيد لن يجدوا عذرا لفعلتهم الشنيعة، اللهم إلا إذا كانوا قد باركوا العدوان واعتبروا كل أهل غزة من أطفال وشيوخ ونساء “إرهابيين”.
يحزّ في النفس أن تستمع إلى أصوات الإدانة والاستهجان وحتى المسيرات الشعبية الرافضة للعدوان، من بلاد لا تكاد تجمعنا معها سوى الصلة الإنسانية، في شرق آسيا وأمريكا الوسطى واللاتينية، ومن جزر صغيرة في قارة أستراليا، في حين تصمت بلدانٌ عربية وإسلامية اكتوت من نفس المعتدي على مراحل، اقتصاديا وسياسيا، ويحزّ في النفس أن نرى بعض العرب من الذين يعتبرون المقاومة هي السبب الأول، بل الوحيد للمجازر التي تقع في غزة، ويصفون كل من يحاول أن يُطلق صاروخا على الأرض المحتلة، بـ”الإرهابي”، وإذا استمرَّ التطبيع بهذه السرعة القياسية والمنحنى التصاعدي، إلى درجة الانصهار، كما يحدث في المملكة المغربية، فإننا قد نصل إلى حين من الدهر، تحارب فيه إسرائيل أبناء غزة، بأموال خليجية وبجنود مخزنيين، إن لم نكن على مشارف هذا الاستشراف المحزن.
عُرف عن اليهود، على مرّ التاريخ، بأنهم يزعمون البؤس، حتى ولو كانوا في عزّ قوتهم وثرائهم، وقد صاحوا في وجه سيدنا موسى عليه السلام “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون”، وقد يجرّون المطبّعين ليعوّضوهم في البذل بالمال وبالنفس أمام أهل فلسطين، وحينها لن تقوم للأمة قائمة، وسنقرأ على روحها ألف سلام.
نقلا عن "الشروق" الجزائرية