هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تشهد مناطق شمال غرب سوريا منذ أيام تصعيداً من جانب
قوات النظام والطائرات الروسية، وصل ذروته مع قيام الأخيرة بشن غارات على مناطق
قريبة من القواعد التركية في ريف حلب الغربي، والمناطق المتاخمة لمنطقة العمليات
العسكرية التركية "غصن الزيتون/ عفرين".
ورصدت مراصد عسكرية معارضة قيام الطائرات الروسية بشن
أكثر من 12 غارة خلال اليومين الماضيين، في الوقت الذي سجلت فيه جبهات إدلب
الجنوبية والشرقية اشتباكات متقطعة بين الفصائل وقوات النظام، التي صعدت من قصفها
المدفعي على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وأكد المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير، النقيب ناجي
مصطفى، في حديث لـ"عربي21"، أن جبهات إدلب الجنوبية والشرقية وريف حلب
الغربي، تشهد بشكل شبه دائم قصفاً من قبل قوات النظام والمليشيات الروسية
والإيرانية، مؤكداً أن الفصائل ترد باستهداف ثكنات قوات النظام ومصادر النيران.
وأضاف مصطفى، أن الجبهات تشهد فترات هدوء متقطعة، وسرعان
ما تعاود قوات النظام والمليشيات استهداف المدنيين مجدداً.
ولم يقتصر تسخين الجبهات على إدلب ومحيطها، بل انتقل إلى
منطقة عمليات "درع الفرات" حيث ازدادت وتيرة العمليات الميدانية بين
فصائل الجيش الوطني والجيش التركي من جانب، وقوات سوريا الديمقراطية
"قسد" من جانب آخر.
ورد الجيش التركي على استهداف آليات عسكرية له في محيط
مدينة مارع، باستهداف مواقع "قسد" في منطقة تل رفعت، بالمدفعية
والمسيرات، وأوضحت مصادر أن مسيرة تركية "انتحارية" استهدفت منزل قيادي
من "قسد" في مدينة تل رفعت، الثلاثاء.
ومساء الثلاثاء، استهدف "قسد" بقذائف الهاون
مدينة مارع، ما أسفر عن إصابات في صفوف المدنيين.
وبحسب تقديرات عسكرية، فإن تحركات "قسد"
تأتي بالتنسيق مع روسيا، التي لا تبدو متشجعة لحديث تركيا عن مخطط لإعادة اللاجئين
السوريين إلى الشمال السوري، أو ما تطلق عليه تركيا "مناطق آمنة".
وعقب التوتر
الميداني، فقد أعلنت تركيا عن إغلاق مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية المدنية
الروسية التي تحمل جنودا إلى سوريا.
ويرى الكاتب والباحث ساجد الحموي، أن روسيا تريد تمرير
رسائل سياسية لتركيا عبر التصعيد الجزئي الأخير، مبيناً أن "التصعيد الروسي
امتد على مناطق انتشار القوات التركية شمال سوريا في إدلب وريف عفرين".
وأضاف لـ"عربي21" أن التصعيد من
"قسد" يأتي بإيعاز روسي على خلفية التقارب التركي-الأمريكي، ومحاولة
ترميم العلاقات بينهما.
وبحسب الحموي، ردت تركيا على هذا التصعيد عبر إعلانها قبل
أيام فرض حظر على الطيران الحربي الروسي وحتى المدني الذي يحمل جنوداً وعتاداً من
روسيا لسوريا، مشيراً إلى أنه "سبق ذلك تضييق على السفن الحربية
الروسية".
ونوه الباحث إلى أن التصعيد الروسي قد يكون أيضا رسائل
روسية مبكرة لأنقرة التي ربما تفكر باستثمار الانشغال الروسي في أوكرانيا لإطلاق
عملية عسكرية جديدة قد تشمل مدينة منبج في شرق حلب ومدينة عين العرب لوصل مناطق
العمليات التركية شمال سوريا ببعضها البعض من رأس العين إلى عفرين.
ورغم كل ما سبق، يرى الحموي، أن روسيا وتركيا تحتاجان
للتنسيق معا، منعا للاحتكاك الخشن، معتبرا أن روسيا اليوم بحاجة تركيا أكثر من أي
وقت مضى بعد تعرضها لعزلة دولية غير مسبوقة عقب غزوها لأوكرانيا، ما يعني أن
"التصعيد سيبقى تحت السيطرة ضمن دائرة الرسائل المتبادلة بين الدولتين فقط
دون دفعه للانزلاق نحو احتكاك مباشر".
من جانبه، يفسر القيادي في الجيش السوري الحر، النقيب
عبد السلام عبد الرزاق أن التصعيد الروسي المحدود، برغبة موسكو التأكيد على وجودها
العسكري رغم سحبها لجزء من قواتها من سوريا.
ويستدرك في حديثه لـ"عربي21" بقوله: "لا
توجد خلافات استراتيجية بين تركيا وروسيا في سوريا، لكن أحيانا هناك تعارض في
التكتيكات، وهو ما يستوجب الرسائل، أي التصعيد المحدود".
اقرأ أيضا: مسؤولان أمميان يحذران من تحول سوريا إلى "أزمة منسية"
دوافع روسية
وفي السياق ذاته، تحدث مركز "جسور للدراسات"
عن دوافع عديدة لدى روسيا، وراء التصعيد، منها رغبة روسيا بالتأكيد على أنها لا
تزال الفاعل الرئيسي المؤثر في سوريا، رغم انشغالها بالدرجة الأولى بالصراع في
أوكرانيا.
وأضاف أنه "يبدو أن موسكو لا تنظر بارتياح إلى
ارتفاع وتيرة العمليات الجوية التركية ضد كوادر حزب العمال الكردستاني والمجالس
العسكرية التابعة لقسد شمال شرق سوريا، والتي تتم غالبا بمجرد الإخطار، أي دون
تنسيق كاف معها، حيث تحاول أنقرة استثمار الظروف السياسية الراهنة لتحقيق جملة من
الأهداف الأمنية".
وبحسب "جسور" فإن روسيا تحرص على عدم فقدان
"قسد" الثقة بها، وإظهار قدرتها على توفير ضمانات تحول دون تنفيذ تركيا
عمليات عسكرية جديدة ضدها.
ومن الدوافع الروسية الأخرى بحسب المركز، محاولة روسيا
التأثير على مسار الآلية الاستراتيجية التركية – الأمريكية، التي انطلقت مطلع
نيسان/ إبريل 2022، والمباحثات بين الطرفين حول الملفات العسكرية والأمنية
والاقتصادية، والتي كانت آخِر محطاتها في العاصمة أنقرة في 23 نيسان/ إبريل.
وقال "جسور" إن "من المحتمل أن روسيا
تنتهج أسلوب الضغط العسكري في محافظة إدلب التي تنتشر فيها القوات التركية، بهدف
التأثير على قرارات أنقرة السياسية، عبر إعادة التأكيد على قدرتها على تهديد الأمن
القومي التركي في حال كان لديها رغبة بتعزيز التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة
على حساب روسيا".
وأخيرا، فإن التصعيد يُعبر عن استياء روسيا ورفضها لإعلان
الحكومة التركية عن وجود خطة لديها لإعادة اللاجئين السوريين باتجاه "المناطق
الآمنة"، كونه تم من جانب واحد ودون تنسيق وتفاهم معها حول القضايا الخلافية
التي لا تزال عالقة بين الطرفين، وفق المركز.