انشغل الكثيرون بما جاء في مسلسل
الاختيار (3 ) من
تسريبات قام جهاز المخابرات الحربية
المصري بتسجيلها لرموز الحكم والمعارضة بعد ثورة يناير 2011م. ولن أتطرق إلى موضوع تلك التسريبات، فقد تولى العديد من أصحاب الشأن الرد عليها وتوضيح كيف أنها تمت بطريق القص واللصق لتدعيم الفكرة ووجهة النظر لمن قام بعرضها في حلقات المسلسل، وبقي البُعد الآخر للموضوع الذي أراه أشد خطورة وأثرا على
المؤسسة العسكرية في مصر من التسريبات ذاتها، مما يثير العجب من صمت المؤسسة العسكرية عن نشر تلك التسريبات التي تفقدها المصداقية وتسيء إليها إساءة بالغة، مما كان يوجب عليها التدخل بحزم لوقف تلك المهزلة، التي تنم عن مراهقة سياسية وتصرفات بالغة الخطورة على دور المؤسسة العسكرية في المستقبل، لأكثر من سبب:
أولا؛ أنه لا خلاف بين جميع الفرقاء على أن التسجيلات قد تمت لرموز المعارضة والحكم في ذلك الوقت داخل مباني خاضعة للمؤسسة العسكرية، وأن التسجيل كان يتم بمعرفة وعلم المخابرات الحربية وبتخطيط وعلم وتدبير من رئيس جهاز المخابرات الحربية، الذي أصبح هو نفسه يشغل منصبا سياسيا كرئيس للبلاد.
ما يثير العجب من صمت المؤسسة العسكرية عن نشر تلك التسريبات التي تفقدها المصداقية وتسيء إليها إساءة بالغة، مما كان يوجب عليها التدخل بحزم لوقف تلك المهزلة التي تنم عن مراهقة سياسية وتصرفات بالغة الخطورة على دور المؤسسة العسكرية في المستقبل
ثانيا؛ أن هذه التسريبات تؤكد أن من قام بتسجيلها كان يهدف إلى استغلالها لبث الخلاف بين الفرقاء السياسين في أعقاب ثورة 25 يناير، والمحافظة على استمرار استحواذ المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة السياسية.
ثالثا؛ أن نشر اللقاءات الخاصة التي تمت لرموز الحكم والمعارضة في مقار المؤسسات العسكرية بهذه الطريقة، يؤكد عدم أمانة تلك المؤسسة على سرية المعلومات وما لديها من وثائق، كما يعزز في المقابل عدم ثقة الأطراف كافة مستقبلا في القائمين عليها في الداخل والخارج.
رابعا؛ أن استغلال تلك التسجيلات التي لها الصفة الرسمية بالغة السرية في أعمال فنية لتحسين الصورة الذهنية أو التدشين لفكرة بعينها لصالح رأس السلطة السياسية؛ هي مراهقة سياسية أساءت إساءة بالغة للدولة وللمؤسسة العسكرية، وأعادت إلى الكثيرين الصورة البغيضة لدور أجهزة المخابرات في الستينيات، التي عانت منها المؤسسة العسكرية وحاولت تصحيحها بشتى الطرق، رغم عدم تسريبها لمثل تلك التسجيلات أو نشرها بهذه الطريقة الفجة التي تثير الدهشة والتساؤلات العديدة حول المسؤول عن ذلك والهدف منها، وأثرها على الدولة والمؤسسة العسكرية على الصعيدين الداخلي والخارجي.
خامسا؛ أن استخدام تلك التسجيلات في أعمال فنية تعرض على عموم أبناء الشعب، يُمثل انحرافا بالغ الخطورة في دور المؤسسة العسكرية، كما يشير إلى هيمنة رأس السلطة السياسية على المؤسسة العسكرية في توقيت غير مناسب، في ظل تذمر شعبي عارم من ممارستها، وازدياد حالات القمع بعد أن فشلت في تلبية المطالب الأساسية لعموم أبناء الشعب، مع عدم وجود خطة واضحة للخروج من هذا النفق المظلم بسبب ممارسات القيادة السياسية.
نشر التسجيلات وما تضمنته من معلومات وربطها بأحداث المسلسل قد أساء إلى المؤسسة القضائية، ووضع النائب العام في حرج بالغ حيال واجبه القانوني في التحقيق عن جرائم جنائية، وردت في أحداث عمل فني أقرت المؤسسة العسكرية أنه عمل وثائقي تم بمعرفتها وإشرافها في العديد من الأحداث
سادسا؛ أن ما ورد في التسجيلات كان له آثار عكسية وسلبية تتناقض مع الهدف المقصود منها، حيث بدا التناقض واضحا بين شخصية الرئيس مرسي الحقيقية في التسجيلات، والشخصية المهزوزة الضعيفة التي أراد القائم على العمل تقديمها في المسلسل، حيث بدا الرئيس مرسي (رحمه الله) في التسجيل المسرب مع المشير طنطاوى، رغم أن التسجيل قد تم قبل إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية، شخصية ثورية قوية حاسمة صلبة، تحذر من مغبة تغيير نتيجة الانتخابات، بينما ظهرت شخصية
السيسي ضعيفة مهزوزة تتسم بالنفاق والتملق، مما أفقد العمل برمته المصداقية والأثر المطلوب.
سابعا؛ أن نشر التسجيلات وما تضمنته من معلومات وربطها بأحداث المسلسل قد أساء إلى المؤسسة القضائية، ووضع النائب العام في حرج بالغ حيال واجبه القانوني في التحقيق عن جرائم جنائية، وردت في أحداث عمل فني أقرت المؤسسة العسكرية أنه عمل وثائقي تم بمعرفتها وإشرافها في العديد من الأحداث، مثل واقعة مقتل الجنود في سيناء واتهام المهندس خيرت الشاطر بتدبيرها على خلاف الثابت بالتحقيقات، فضلا عن تأكيد ارتكاب البعض لجرائم بعينها موضوعها محل نظر أمام القضاء، مما يفقد تلك الجهة المصداقية ويضع القضاء والنيابة العامة في مأزق كبير وحرج بالغ.
فهل ستصمت المؤسسة العسكرية في مصر على هذا التخريب المتعمد وتلك المراهقة السياسية التي باتت عبئا على مؤسساتها؟