مر حتى الآن أكثر من شهر على انتقال السلطة إلى مجلس القيادة الرئاسي برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، الذي تجلى في أكثر نتائجه إيجابية في عودة السلطة الشرعية إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وهو إنجاز تحقق بعد سلسلة من العمليات الممنهجة التي اكتسبت طابعاً انقلابياً واستهدفت السلطة الشرعية بهياكلها المختلفة خلال عامي 2018 و2019، مخلفة آنذاك غياباً كارثياً للدولة اليمنية، لحساب جماعات مسلحة مدعومة بالكامل من التحالف.
ومن المؤكد أن أجندة مجلس القيادة الرئاسي ستتأثر، بانتقال السلطة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا ندري في أي اتجاه، وإن كان الطابع التشاؤمي يغلب على معظم التوقعات، التي تنبني على تقدير سلوك رئيس الإمارات الجديد الذي لعب دور الرئيس الفعلي في ظل أخيه؛ الذي أصابه مرض عضال شل قدراته على العمل وإدارة شؤون الدولة، والذي قد يدفع بقوة باتجاه تحقيق تطلعات أبو ظبي لممارسة نفوذ خارج حدود أراضيها، إذ ستبدو اليمن مساحة مرشحة وجاهزة لتحقيق ذلك النفوذ.
وعودة إلى مجلس القيادة الرئاسي، حيث تتبدى جردةُ الحساب عن الشهر الأول من حكم المجلس مخيبةً للآمال، إذ لم نجد سوى عودة هذا المجلس إلى عدن وممارسة مهامه منها، وانعقاد دورة استثنائية لمجلس النواب، أدى خلالها رئيس وأعضاء المجلس القسم، ومنحت الحكومة ثقة متأخرة لأشهر.
من المؤكد أن أجندة مجلس القيادة الرئاسي ستتأثر، بانتقال السلطة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا ندري في أي اتجاه، وإن كان الطابع التشاؤمي يغلب على معظم التوقعات، التي تنبني على تقدير سلوك رئيس الإمارات الجديد الذي لعب دور الرئيس الفعلي في ظل أخيه
وإلى جانب هذه الإنجازات ذات الطابع الإجرائي المحض ثمة زيارة خارجية لمجلس القيادة الرئاسي إلى كل من السعودية والإمارات، أطلقت خلالها وعودا بدعم مختلف للسلطة الشرعية الجديدة لم تدخل بعد حيز التنفيذ، بانتظار زيارات من المقرر أن تقوم بها فرق حكومية من البلدين إلى عدن لتدارس أولويات السلطة الشرعية، ونقل التعهدات السعودية الإماراتية إلى تخصيص مباشر للدعم المادي.
عدا ذلك يبدو مجلس القيادة الرئاسي أسير الأولويات المفروضة من الخارج، والتي تكاد تحصر اهتمامه في تثبيت
الهدنة التي لم يكن طرفاً فيها، بل ورثها من عهد الرئيس السابق هادي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المفاوضات مع
الحوثيين تتصدر اهتمامات هذا المجلس وفقاً لصيغة الإعلان الدستوري لانتقال السلطة،
ودولتي التحالف اللتين فرضتا هذا الانتقال، مما يعني أن استحقاق المحادثات والسلام سيرتبط عضوياً بتمديد هدنة الشهرين التي ستنتهي بحلول شهر حزيران/ يونيو المقبل وبتثبيتها، مما يُبقي المجلس مجرداً من الخيارات البديلة ومن أي هامش للمناورات.
ومن الجدير بالتنويه هنا أنه خلال السنوات الماضية من زمن الحرب، أثبتت مجريات الأحداث أن أكثر الخيارات الكارثية التي ذهبت إليها الحكومة الشرعية كانت تحت ضغط شديد وقهري من دولتي التحالف والولايات المتحدة وبريطانيا، ومنها على سبيل المثال، اضطرار الشرعية إلى وقف معركة استعادة الحديدة والذهاب إلى استوكهولم للتوقيع على اتفاق الحديدة والاتفاقات والتفاهمات الملحقة به.
وقد أضفت تلك الخطوة، للأسف الشديد، مشروعية غر مستحقة لطرف مسلح انقلابي ومتمرد، ونقلته إلى مرحلة الشريك السياسي المكافئ للسلطة الشرعية المعترف بها دولياً، من حيث القوة القانونية، ضمن مسار جديد وبآلية أممية جديدة واستحقاقات كرست نفوذ الحوثيين وآلت في نهاية المطاف إلى تمكينهم المجاني من السيطرة على الجزء الأكبر من ساحل البحر الأحمر وأهم مدنه الرئيسة، وفي مقدمتها الحديدة وميناؤها الكبير.
يبدو مجلس القيادة الرئاسي أسير الأولويات المفروضة من الخارج، والتي تكاد تحصر اهتمامه في تثبيت الهدنة التي لم يكن طرفاً فيها، بل ورثها من عهد الرئيس السابق هادي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المفاوضات مع الحوثيين تتصدر اهتمامات هذا المجلس وفقاً لصيغة الإعلان الدستوري لانتقال السلطة، ودولتي التحالف اللتين فرضتا هذا الانتقال
والأمر ذاته ينطبق على اتفاق الرياض الذي انتجته الهزيمة المذلة التي لحقت بالسلطة الشرعية في عدن وخروجها المهين من المدينة، تحت وقع الضربات العسكرية للمليشيات الانفصالية المدعومة من التحالف، وكيف أن هذا الاتفاق ثبت مساراً تفاوضياً منفصلاً لا يقل خطورة وعبثية عن مسار واتفاقات ستوكهولم، فقد أنتج سلطة هجينة فرضت الطرف الانفصالي طرفاً متحكماً من داخل السلطة الشرعية دون أي تنازل واضح لصالح وحدة الدولة وتماسكها.
وها نحن اليوم أمام منعطف خطير للغاية، إذ ضغط الوسطاء الدوليون ومن بينهم مبعوثا الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وبإسناد من مسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى، على السلطة الشرعية في عدن للقبول بصيغة لإعادة تشغيل مطار صنعاء الدولي؛ تتضمن تنازل الشرعية عن شرطها الجوهري المتمثل في ضرورة حصول المسافرين عبر المطار على وثائق سفر صادرة عن السلطة الشرعية.
واستناداً إلى المراسلات التي جرت بين المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبيرغ ووزير الخارجية الدكتور أحمد عوض بن مبارك، فقد رضخت السلطة الشرعية لمقترح أممي يقضي بالسماح بتنقل المسافرين عبر مطار صنعاء
بجوازات صادرة عن الحوثيين، خلال فترة الهدنة، دون أن يؤثر ذلك على المركز القانوني للحكومة أو يشكل سابقة.
إنه لمن المؤسف أن تتنازل السلطة الشرعية عن صلاحياتها استناداً إلى ضمانات من طرف خارجي مثل الأمم المتحدة التي تفتقد القدرة من حيث المبدأ على تنفيذ تعهداتها تجاه طرف مسلح، في وقت يبدو الأمر كما لو كان مقايضة عادلة مع مطلبين حيويين آخرين من المفترض أن ينفذهما الحوثيون، وهما رفع الحصار عن مدينة تعز، وتوريد العائدات الجمركية إلى خزينة البنك المركزي وإعادة توجيهها لصرف المرتبات لموظفي الدوائر الحكومية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين أنفسهم، في وقت لم تقدم فيه الأمم المتحدة والوسطاء الدوليون الآخرون أي تعهد بشأن تنفيد ما يخص الحوثيين من تعهدات تخص تعز والعائدات المالية لميناء الحديدة.
سيبقى المجلس الرئاسي فاقداً لمصداقيته كسلطة عليا تمثل اليمنيين بالنظر إلى خضوعه لقيود موضوعية؛ أهمها أنه يقع تحت تأثير مليشيا لا تزال تعتقد أنها قاب قوسين أو أدنى من الانفصال
لن ينسى القادة اليمنيون ما لحق بهم من إهانة جراء التدابير القسرية التي أنتجت مجلس القيادة الرئاسي، وسيتعمق هذا الشعور بصورة أكبر إذا ذهبت الأحداث باتجاه تفكيك الدولة اليمنية وفرض تسويات تعمق خطوط الانقسام الكارثية التي فُرضت طيلة فترة الحرب، حيث تُهيمن جماعات مسلحة ومشاريعُ سياسيةٌ مهددة للكيان القانوني للدولة اليمنية، وتضع البلاد برمتها في مسار لا ينتهي من العنف والفوضى والخراب والانقسام.
لذلك سيبقى
المجلس الرئاسي فاقداً لمصداقيته كسلطة عليا تمثل اليمنيين بالنظر إلى خضوعه لقيود موضوعية؛ أهمها أنه يقع تحت تأثير مليشيا لا تزال تعتقد أنها قاب قوسين أو أدنى من الانفصال، ولأنه لم يخط خطوة واحدة باتجاه توحيد القرار العسكري والأمني، ولم يمتلك بعد أجندة وطنية محددة، وآليات واضحة وإمكانيات مستقلة للتعاطي مع تحديات المرحلة المقبلة التي قد تضطره لقيادة عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين.
twitter.com/yaseentamimi68