قضايا وآراء

اللاجئون السوريون.. هل يعودون؟

غازي دحمان
1300x600
1300x600
لم يغب موضوع اللاجئين عن ساحات التفاعل السياسي والإعلامي منذ بداية الحرب السورية، وذلك بالنظر للتداعيات التي أنتجتها حالة اللجوء السوري وتحوّلها إلى مادة ديناميكية سياسية مؤثرة، وقد عاد موضوع اللجوء بقوّة بعد طرح تركيا لمشروع إعادة مليون لاجئ، الأمر الذي ينذر بالتأثير على سياسات اللجوء لدى العديد من الدول التي تحتضن اللاجئين.

ويعيش اللاجئون السوريون ظروفا مختلفة، وتواجههم أوضاع مستقبلية ليست واحدة تبعا للبلدان التي يعيشون بها. ويمكن التمييز بين نوعين من اللاجئين حسب البلدان التي وصلوا إليها:

لاجئو الجوار الإقليمي: وهم اللاجئون الذين استقروا في بلدان الأردن ولبنان والعراق وتركيا ومصر، وهذه الفئة تشكّل النسبة الأكبر من اللاجئين السوريين عموماً، وثمة سمات معينة لهؤلاء اللاجئين من شأنها الإضاءة ليس على أوضاعهم فحسب، ولكن فيما يخص إمكانية عودتهم إلى سوريا أو بقائهم في تلك البلدان:

أولاً: النسبة الأكبر من هؤلاء اللاجئين متقاربون اجتماعيا وثقافيا مع البلدان التي لجأوا لها، أو المناطق التي يقيمون فيها، دون أن يعني ذلك أن اللاجئين هم مجموعة موحدة ذات أيديولوجيات وأصول ومعتقدات مشتركة بناءً على المكان الذي ذهبوا إليه، بل هذا التقارب ناتج عن القرب الجغرافي والتأثيرات التي يفرضها هذا القرب عبر الصيرورة التاريخية.

ثانياً: تتكوّن التركيبة السكانية للاجئي دول الجوار من كافة الأعمار، حيث أن اللجوء في الغالب كان عائلياً، وخاصة في لبنان والأردن، نظراً لقرب مناطق اللجوء وطبيعة المخاطر التي واجهها السوريون في مناطقهم الأصلية.
بالنسبة لهذه الفئة، تبدو احتمالات العودة إلى سوريا ممكنة بالنسبة لشرائح عديدة منهم، في حال توفرت الظروف المناسبة، وخاصة بالنسبة لمن لديهم ممتلكات وأراض لم يجر تدميرها أو مصادرتها، وسيفضلون العودة للحياة التي اعتادوا عليها، وخاصة الآباء والأمهات الكبار في السن، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة في الدول التي لجأوا إليها

ثالثاً: تغلب على اللاجئين السوريين لهذه الدول صفة الريفيين، فأغلبهم لجأوا من الأرياف، باستثناء اللاجئين من حلب الشرقية في تركيا، وهم أبناء أحياء شعبية وتعود أصولهم إلى أرياف حلب وإدلب، وكذلك الدمشقيون الذين استقروا في مصر وإسطنبول وأسسوا شركات وورشا صغيرة، مثل المطاعم ومحلات الحلويات وورش الخياطة.

بالنسبة لهذه الفئة، تبدو احتمالات العودة إلى سوريا ممكنة بالنسبة لشرائح عديدة منهم، في حال توفرت الظروف المناسبة، وخاصة بالنسبة لمن لديهم ممتلكات وأراض لم يجر تدميرها أو مصادرتها، وسيفضلون العودة للحياة التي اعتادوا عليها، وخاصة الآباء والأمهات الكبار في السن، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية الصعبة في الدول التي لجأوا إليها.

لكن لا توجد مؤشرات على احتمال تغير الأوضاع في مناطقهم، وخاصة على المستويين الأمني والاقتصادي، حيث تشهد درعا انفلاتا أمنياً ملحوظاً، كما أن أغلب مهجري حمص هم من سكان مناطق التماس الطائفي "تتجاور قراهم ومدنهم مع أبناء الطائفتين العلوية والشيعية"، حيث يسود التوتر والكراهية في العلاقة بينهم.

لاجئو أمريكا وأوروبا: قبلت الولايات المتحدة الأمريكية وكندا لجوء حوالي خمسين ألف سوري، وأغلب هؤلاء من اللاجئين في الأردن ولبنان وتركيا، كما أن جميعهم تم اختيارهم عن طريق المفوضية العليا للاجئين، ويشكّل هؤلاء عوائل بكاملها، حيث يوجد في العائلة جيلان أو ثلاثة أجيال، ويقيمون في مراكز المدن الكبرى.
بالنسبة لهذه الفئة من اللاجئين في أمريكا وأوروبا، فإن العودة إلى سوريا غير واردة، بعد أن اندمجوا في ثقافة هذه المجتمعات إلى حد بعيد، وحتى لو تحسنت الظروف في سوريا يصعب تصوّر عودة هؤلاء إليها بعد أن باع الكثير منهم ممتلكاتهم ليؤمنوا طريق الوصول إلى أوروبا

أما اللاجئون إلى أوروبا، فهم ينقسمون إلى قسمين: قسم وصل إلى أوروبا عن طريق مفوضية اللاجئين، وهؤلاء النسبة الأقل، وقد تم اختيارهم على أساس ظروف اقتصادية وصحية، والقسم الثاني، وهم الأكثرية، وصلوا إلى أوروبا عن طريق التهريب، وخاصة الموجة الكبيرة التي دخلت أوروبا سنة 2015. ويتجاوز عدد السوريين في أوروبا المليون ونصف المليون، ويتوزعون حسب أعدادهم على ألمانيا والسويد وهولندا والنمسا وفرنسا والدنمارك وبلجيكيا وبريطانيا والنرويج، ويتميز هؤلاء بالتالي:

- القسم الأكبر منهم من سكان المدن، دمشق وحلب وحمص وحماة، والمدن الصغيرة، كالسويداء ودرعا وإدلب.

- ينتمي أغلبهم إلى الطبقة المتوسطة، وغالبيتهم من المتعلمين وأصحاب المهن، بدليل قدرتهم على دفع تكاليف الوصول إلى أوروبا.

- تتكون التركيبة العمرية لهذه الفئة من الشباب ومتوسطي الأعمار، تشكّل نسبة الكبار في العمر عدداً محدوداً.

- تنضوي داخل هذه الفئة جميع الطوائف والقوميات، مسلمون ومسيحيون وعرب وأكراد وتركمان.
المرجح استمرار أزمة اللاجئين في سوريا، وخاصة أن السلام لم يحل بعد في سوريا، ولا توجد مؤشرات على تغيرات محتملة على المستويين السياسي والاقتصادي، ولا يزال الملايين من السوريين يعيشون في دائرة الخطر وخاصة أولئك الذين يعيشون في شمال البلاد

بالنسبة لهذه الفئة من اللاجئين في أمريكا وأوروبا، فإن العودة إلى سوريا غير واردة، بعد أن اندمجوا في ثقافة هذه المجتمعات إلى حد بعيد، وحتى لو تحسنت الظروف في سوريا يصعب تصوّر عودة هؤلاء إليها بعد أن باع الكثير منهم ممتلكاتهم ليؤمنوا طريق الوصول إلى أوروبا.

المشكلة، أن سوريا لا تمتلك مقومات جاذبة لعودة اللاجئين، كما أن نظام الحكم يعتبر اللاجئين خَونة وبالتالي حياتهم مهددة بالخطر في حال عودتهم، وأكثر من ذلك، يغادر سوريا بشكل يومي أعداد كبيرة من السوريين بحثاً عن ملجأ آمن وحياة آدمية محترمة.

على ذلك، فالمرجح استمرار أزمة اللاجئين في سوريا، وخاصة أن السلام لم يحل بعد في سوريا، ولا توجد مؤشرات على تغيرات محتملة على المستويين السياسي والاقتصادي، ولا يزال الملايين من السوريين يعيشون في دائرة الخطر وخاصة أولئك الذين يعيشون في شمال البلاد، وأغلبهم نزحوا من مناطق إدلب وحماة وحمص، ويحلمون بالخروج من هذه الأوضاع الكارثية.

twitter.com/ghazidahman1
التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
السبت، 28-05-2022 01:50 م
تعاني عصابة الأذناب المتحكمة في سوريا و من تتبع لهم و تسير بحسب أوامرهم من انخفاض في مستوى التفكير و تدهور في الفهم السياسي و من ثم ضعف في القدرة على استشراف الواقع المستقبلي . أريد لسوريا من الماكرين : 1) أن يتحكم فيها تحالف أقليات و 2) أن يكون فيها تفريغ من غالبية أهلها المسلمين لصناعة " مجتمع متجانس" كما سماه معتوه دمشق و لقد تدفق على سوريا مستوطنون لهذا الغرض و 3) إلقاء عبء على أوروبا " و من ضمنها تركيا " من حيث توافد أعداد كبيرة من اللاجئين على القارة بما يضعفها . حقيقة الأمر أنه (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه) فمكر الماكرين على سوريا سوف يرتدَ إلى نحورهم في العاجل أو في الآجل و هذه إضاءة جزئية على أسباب ذلك : لا يمكن أن تبقى سوريا تحت تحكم أقليات بسبب البيئة الجيو سياسية الواسعة من حولها و القابلة للتغيير . معلوم من هو أول من اقترح إقامة منطقة آمنة للمدنيين في داخل سوريا - التي كانت ستقلل كثيراً من اللجوء السوري للخارج - و معلوم أيضاً أن أول و أكبر الرافضين للمنطقة الآمنة هو "الاستعمار الفرعوني" أي اللاعب الأكبر في سوريا و لذلك أتى بقواته إلى شمال شرق سوريا . ما غاب عن بال هذا الاستعمار الغبي أن سوريا من دون أهلها "اللاجئين المسلمين" لن تكون فيها الطاقات الفعالة المبدعة في الإنتاج على كافة الأصعدة و أن من يتبقى في سوريا –بعد التهجير- كائنات طفيلية اعتادت على الكسب من الآخرين بطرق منحطة و على الكسل و على الخمور و المخدرات و على أمور أخرى أستحي من ذكرها و مثل هذه الكائنات لن تبني مجتمعاً فيه حيوية و دينامكية بعد إتلاف النسيج المجتمعي . أما من ذهبوا إلى أوروبا فلسوف تستفيد منهم القارة العجوز "رغم حملات التحريض من عناصر يمينية متطرفة موجَهة من خارج القارة" حيث أن بين اللاجئين طاقات شبابية قابلة للاندماج في عجلة الإنتاج و التطوير في مجالات كثيرة و بنشاط فائق دءوب إلى درجة أن هنالك من يتوقع أن تتشبث بهم أوروبا و تغريهم على البقاء فيها و عدم العودة إلى سوريا حتى لو حصل فيها تغيير جذري . ربما يتبين قريباً أن عناد الاستعمار الفرعوني الصبياني على بقاء معتوه دمشق و عصاباته الطائفية و استخباراته و المليشيات الداعمة سيكون عناد مأزق و طريق مسدود و سينطبق عليه قوله تعالى (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا...) و من سينال الخير أولئك الذين توجَهت لهم سهام المكر . أرجو المعذرة على الإطالة في الجواب عن سؤالك يا أخي أستاذ غازي .