هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يفتح إصرار حكومة الاحتلال برئاسة نفتالي بينيت، على عدم تعديل مسار "مسيرة الأعلام" التهويدية، الباب أمام السؤال عن الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذا الموقف الإسرائيلي.
وسبق أن قامت حكومات إسرائيلية سابقة بإلغاء مسار المسيرة المعلن عنه وتعديله خوفا من تفجر الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة بعد تهديدات المقاومة.
ورفضت حكومة الاحتلال مطالبات أمريكية ومصرية وقطرية بتعديل مسار المسيرة الاستفزازية، حيث تستعد سلطات الاحتلال لتنظيم "مسيرة الأعلام" في مدينة القدس المحتلة عصر اليوم، وذلك في الذكرى العبرية للسيطرة على الشطر الشرقي من مدينة القدس المحتلة واستكمال احتلال القدس، وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث إنها ستنطلق من ساحة باب العمود وتخترق الحي الإسلامية بالبلدة القديمة وصولا إلى ساحة البراق الإسلامية.
استعدادات خاصة
أكد عضو لجنة الدفاع عن حي البستان وسلوان والباحث المختص بشؤون القدس، فخري أبو دياب، أن "الأجواء متوترة جدا جدا، وهناك استنفار غير مسبوق لقوات الاحتلال، ربما لم نرى منذ عشرات السنوات هذه المتاريس العسكرية والقوات الكبيرة من قوات الاحتلال".
وأكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الاحتلال حول القدس لثكنة عسكرية بمعنى الكلمة؛ فالحواجز العسكرية في كل مداخل المدنية وفي محيط المسجد الأقصى، وفي البلدة القديمة وعلى مداخل الأحياء وفي كل الطرق التي تؤدي إلى المسجد الأقصى".
وأوضح أبو دياب، أن "العديد من مجموعات من المستوطنين وبحماية شرطة الاحتلال، حاولوا استفزاز مشاعر المقدسيين داخل البلدة القديمة"، مؤكدا أن "هذا اليوم لن يكون سهلا" على المستوطنين.
ولفت إلى أن "أهل القدس ينظرون باستفزاز لهذه المسيرة، ومحاولة استعادة السيادة الاحتلالية على القدس، وهي جزء من محاولات فرض الهيمنة ووقائع جديدة على القدس المحتلة، ومحاولة استباحة القدس والعربدة من قبل المستوطنين".
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أنه استجاب "بشكل جزئي لطلب جهاز الشرطة لاستقبال أربعة وحدات من "حرس الحدود" خشية وقوع تصعيد أمني استعدادا لـ"مسيرة الأعلام" وفعاليات "يوم القدس" العبري".
وأوضح موقع "I24" الإسرائيلي أن "الموافقة التي تم الحصول عليها من الجيش، هي لنشر وحدتين لمساندة الشرطة في إطار الاهتمام بالأحداث، وبداية توجهت الشرطة بطلب للحصول على أربعة وحدات تعمل في الضفة الغربية، اضافة إلى الوحدات الاحتياط الثلاثة الأخرى لحرس الحدود التي جندت منذ الخميس الماضي".
معارك وهمية
وعن قراءته إصرار حكومة الاحتلال على عدم تعديل مسار "مسيرة الأعلام"، أكد المختص في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن "إصرار حكومة بينيت على عدم تعديل مسار المسيرة (حتى اللحظة) نابع من عدة إشكاليات في مقدمتها إشكاليات سياسية داخل إسرائيل وأخرى ميدانية ودوافع عامة مرتبطة بإدارة الصراع مع الطرف الفلسطيني بشكل عام".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن "المشكلة السياسية الداخلية في إسرائيل، وهي مرتبطة بحالة التنافس بين أجنحة اليمين المختلفة، ورئيس وزراء الاحتلال اليميني بينيت، ورغم وجوده على رأس ائتلاف حكومي معظمه من اليسار والوسط إضافة إلى حزب عربي، إلا أنه ينافس على مكانته في اليمين الإسرائيلي، وبالتالي فهو يريد أن يثبت أنه لا يقل يمينية وتشددا عن اليمين الذي يقوده بنيامين نتنياهو (الرئيس السابق لحكومة الاحتلال وزعيم الليكود)".
وأضاف أبو عامر: "بينيت دخل في مزايدة سياسية مع نتنياهو الذي سبق وأن قرر في 2021 في معركة "سيف القدس" تغيير مسار المسيرة، وبالتالي فهو يريد أن يرسل رسالة للجمهور الإسرائيلي أنه لا يخشى الحرب بخلاف نتنياهو ولا يخاف من تهديدات حماس".
وفي جانب آخر، "بدأت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تشعر بالضعف أمام الجمهور الإسرائيلي، وبناء على ذلك، فقد بدأت تسير تحت حالة الضغط الشعبوية للشارع الإسرائيلي وليس لأغراض مهنية أو لتحقيق هدف سياسي في خدمة الصراع مع الجانب الفلسطيني".
وأكد المختص، أن "ضعف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ناتج عن فشل كبير في حسم المعارك مع الطرف الفلسطيني أو فرض حالة الردع، وبالتالي فهي تبحث عن معارك إثبات وجود، ومن هنا كانت توصية تلك الأجهزة بتنظيم هذه المسيرة الرمزية لإثبات السيادة الإسرائيلية على مدينة القدس المحتلة".
ونوه إلى أن "هذه الأجهزة، تريد أن تثبت أنها تحمي سيادة القدس ووحدتها وسيطرة الجانب الإسرائيلي على كامل القدس وخاصة الشطر الشرقي منها، الذي يضم الحي الإسلامي الذي من المخطط أن تمر المسيرة من خلاله"، منوها إلى أن "هناك جانبا إضافيا لهذا الإصرار، وهو الرمزية السياسية؛ خاصة بعد عجز إسرائيل التام عن حسم المعركة مع الطرف الفلسطيني في الميدان".
اقرأ أيضا: مستوطنون يقتحمون الأقصى وتكبير المرابطين يهز باحاته (مباشر)
معادلات مستقبلة
ونبه إلى أن "الاحتلال وأجهزته الأمنية، يبحثون عن معارك وهمية للتغطية على فشلهم، وهذا ما كان واضحا أيضا في الاعتداء على جنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة، وهذا دليل على العجز والتخبط السياسي الإسرائيلي، وهذا مؤشر على حجم المشكلة الإسرائيلية الداخلية؛ فالقيادة السياسية في حالة تنافس سياسي والأجهزة الأمنية مضغوطة شعبويا، لذا فإننا نرى تخبط الاحتلال في القرار الإسرائيلي مع غياب الرؤية الواضحة لهذه الأجهزة بشأن إدارة الصراع، وإنما تحركه دوافع لحظية بعيدا عن الاستراتيجية".
وقال: "لذا فإنها عندما حاولت الإدارة الأمريكية الضغط على الاحتلال وإقناعه بتغيير مسار المسيرة، أصبح الأمر بالنسبة له معركة وجود ومصير، وهذا يؤكد أن مسألة السيادة سقطت وأصبحت رمزية، وفي هذا مؤشر على الوهن والضعف الإسرائيلي وخاصة لدى صانع القرار، الذي يعاني من الفوضى والتخبط".
من جانبه، أوضح الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي إبراهيم خطيب، أن "إقدام السلطات الإسرائيلية على عدم تغيير مسار مسيرة الأعلام التهويدية نابع من ثلاثة أسباب رئيسية؛ الأول، مرتبط بالسياسية الداخلية الإسرائيلية، بينيت وحلفاؤه لا يريدون أن يظهروا أمام المعارضة على أنهم خضعوا لإرادة الفلسطينيين؛ بأن تكون هذه المسيرة بعيدة عن المناطق العربية بالقدس".
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن "استمرار المسيرة التهويدية، هو إشارة إلى أن هذه الحكومة يمينية ولن تخضع في الشؤون المرتبطة بالقدس ولا في مشوار تهويدها المستمر على مدار سنوات".
وأما السبب الثاني بحسب خطيب، فهو "مرتبط بالموقف الأمني الإسرائيلي، وهنا تجد أن الوحدات الأمنية أكدت على أهمية أن تسير المسيرة في مسارها الاعتيادي التهويدي، كي لا يظهر تعديل المسار كضعف أمام الحركات الفلسطينية والفلسطينيين ككل، وبالتالي يظهر الإسرائيلي في موقف الضعيف الخاضع، ما قد يؤثر على أي معادلات أخرى لاحقا في ما يخص القدس".
وبين أن "السبب الثالث متربط أيضا بالحالة الإسرائيلية العامة التي باتت ترى أن الوضع في القدس من الممكن أن يتأثر بشكل كبير في حال قررت الحكومة الإسرائيلية تغيير مسار المسيرة، وهذا من الممكن أن يؤثر على المزاج الشعبي الإسرائيلي الذي بات أكثر يمينية، لذا فإن حكومة بينيت تريد أن ترضي أصحاب هذا المزاج الذي لا يريد أن يظهر أنه خاضع أمام الفلسطينيين والعرب، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن هناك أصواتا داخل الحكومة ترى أن هذه المسيرة استفزازية ويمكن أن تؤثر على الوضع داخل القدس وتفجر الأوضاع من جديد".
وفي ختام حديثه، قال الباحث: "السياسة الإسرائيلية تحكمها متغيرات كثيرة؛ داخلية وخارجية، ويبدو أن القدس ستستمر في كونها عنوان المرحلة وعنوان تفجير أي موقف في منطقتنا وفي مجمل القضية الفلسطينية".