هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "هآرتس" العبرية، إن مسيرة الأعلام عادت بكل ما فيها من قبح إلى باب العامود في القدس وإلى الحي الإسلامي، بعد بضع سنين من الهدوء النسبي، حيث تم إلغاؤها بسبب جائحة كورونا، أو تحويل مسارها بسبب التوترات الأمنية.
وذكرت هآرتس أنه في الأعوام التي سبقت 2020، وتحت ضغط من القضاء ومن وسائل الإعلام ومن شرطة الاحتلال، سعى منظمو المسيرة بكل ما أوتوا من قوة إلى الحد من وتيرة الهتافات العنصرية والعنيفة التي تصدر عن المشاركين، ويبدو أنهم نجحوا في ذلك.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا العام انقلبت الأمور رأساً على عقب، فمنذ ساعات الصباح الباكر، بدأ مئات المتظاهرين والمحتفلين بالتدفق على شوارع البلدة القديمة.
وعند بوابة المغاربة، حشدت منظمات "جبل الهيكل" أكبر عدد من اليهود المستوطنين منذ عام 1967، حيث وصل ما يقرب من 2600 منهم إلى المجمع بعضهم ركع وبعضهم رفع الأعلام، وفقا للصحيفة.
وتابعت الصحيفة بالقول إن ضباط الشرطة أخلوا الطرقات من الفلسطينيين، حيث وجدت المجموعات أزقة خالية من الشرطة فدخلوها واقتحموا الساحات الخاصة وهم يلعنون العرب ويتحدونهم.
وبحلول الظهيرة بدأت مجموعات أخرى من اليهود تتدفق على البلدة القديمة، حيث تزايدت الأعداد حتى انطلقت المسيرة، ليمر آلاف الناس عبر باب العامود وهم يرددون على شفاههم أشهر أغنية دينية متطرفة.
وكانت هناك مجموعات أشد تطرفاً، انطلقت عبر البوابة وهي تغني "الموت للعرب" و"لعل قريتكم تحترق" و"محمد مات" و"شعفاط تحترق" وغير ذلك، فيما كانت هناك مجموعات أقل تشدداً، تردد أغاني أقل تحريضاً، ولكنها لم تتمكن من السير دون أن تطرق على أبواب المحلات المغلقة.
ولا يملك المرء إلا أن يتخيل كيف بدا ذلك بالنسبة لمئات العائلات الفلسطينية التي حبست داخل بيوتها لساعات، علق كاتب المقال.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشرطة فقدت السيطرة نسبيا على الأوضاع، ففي إحدى الحالات، رفعت امرأة فلسطينية مسنة يدها رداً على الشتم واللعن فبث المحتفلون الفلفل الأسود في وجهها وعاجلوها بالركل، وعندما أخليت من المكان على ظهر حمالة رشقوها بزجاجات المياه، فرد الفلسطينيون بإلقاء الكراسي وغير ذلك من الأشياء، ليستخدم اليهود الغاز المسيل للدموع.
أما في حالة أخرى، فقد هوجم صحفي فلسطيني، وفي حالة ثالثة، أخرج أحد المتظاهرين بندقية وهدد بها الفلسطينيين داخل الساحة المطلة على باب العامود.
واندلعت المواجهات في الشوارع المجاورة، كما وردت أنباء عن وقوع جرحى بعد أن تبادل الطرفان إلقاء الحجارة، وفي نهاية المسيرة، هاجم عشرات اليهود منازل وسيارات الفلسطينيين في الشيخ جراح، فرد الفلسطينيون بإلقاء الحجارة، حيث جرح في تلك الأثناء يهودي واحد.
وقالت "هآرتس" إن الإجابة على سؤال "لماذا عادت المسيرة إلى شكلها السابق هذا العام" تكمن في تفسيرين اثنين، أما الأول فهو الحملة المتطرفة التي يقوم عليها أتباع بيبي (نتنياهو)، والتي ما فتئت تكتسح التيار اليميني على مدى العام الماضي، حيث وجدت ضمن الأعلام الإسرائيلية ثلاثة أعلام أخرى في المسيرة، أعلام الليكود، وأعلام تحمل صور وجه بنيامين نتنياهو، وأعلام منظمة ليهافا التي تؤمن بالتفوق العرقي اليهودي.
ويبدو أن الكراهية تجاه أي شيء يعتقد أنه عربي أو يساري أو مرتبط بوسائل الإعلام ظل يرشح لشهور عديدة في أذهان المتظاهرين حتى إذا ما تجاوزوا باب العامود أو مروا بأي فلسطيني يسير في الطريق راحوا يصبون جام حقدهم.
أما التفسير الآخر فهو ما حدث للمسيرة في العام الماضي، فحقيقة أنه بعد ثلاثين عاماً لم يتسن للمسيرة أن تخترق البوابة والحي الإسلامي بات ينظر إلى الأمر باعتباره انكساراً لا بد من جبره من خلال تنظيم مسيرة أضخم وأكثر تطرفاً هذا العام، وفقا للصحيفة العبرية.
ونوهت "هآرتس" إلى أن هناك من الناس من حاول إسكات الصيحات العنصرية وتهدئة الأمور، ولكن تلك المساعي كانت تواجه بالازدراء إن لم يكن بالشيطنة، وأحد هؤلاء الأشخاص كان ياكي سآدا من قرية غيفات واشنطن المتدينة، الذي تجادل مع العشرات من الفتيان سعياً منه لوقف الهتافات العنصرية، والذي قال: "إنهم يصيبونني بالجنون.. آتي إلى هنا كل عام، ومن المهم بالنسبة لي أن أحتفل دون أن أستفز الناس. هؤلاء فتية صغار بلا راع، ليست هذه هي اليهودية."
ولكن صوته، وكل الأصوات التي مثل صوته، غرقت وتلاشت وسط ضجيج الطرق على الأبواب والهتافات العنصرية، تضيف الصحيفة.
اقرأ أيضا: اقتحام جديد لـ"الأقصى".. ومسيرة "استفزازية" بالخليل (شاهد)
وذكّرت الصحيفة بأن الأيام التي سبقت يوم القدس، نشبت معركة أعلام في القدس حيث بدأ ذلك بجنازة الصحفية شيرين أبو عاقلة، والتي شهدت رفع الأعلام الفلسطينية فرد اليهود على ذلك برفع آلاف الأعلام أثناء المسيرة، ولكن كذلك برفع أعلام ضخمة ترفرف فوق البلدية القديمة وفوق جسر الحبال عند المدخل إلى القدس.
وبدا كما لو أن الإسرائيليين يكسبون هذه الحرب، إلا أن النشطاء الفلسطينيين تمكنوا من تحليق طائرة مسيرة تحمل العلم الفلسطيني فوق المتظاهرين في باب العامود، فلم يكن ذلك إنجازاً بسيطاً، بل تطلب الأمر الإفلات من رصد ومراقبة الشرطة.
وتمكنت الشرطة من إسقاطها مستخدمة في ذلك أساليب تكنولوجية، ولكنها مع ذلك شكلت نصراً فلسطينياً، ولو ضئيلاً.
وانتهى يوم القدس بشكل هادئ نسبياً، ولربما من المبكر الاحتفال بذلك، لأنه بناء على ما مضى من تجارب قد يجوب الرعاع شوارع القدس ليلاً بحثاً عن ضحايا من الفلسطينيين.
وكما هو متوقع، لم تطلق حماس رشقة جديدة من الصواريخ، فيما تمكنت الشرطة من السيطرة على معظم الحوادث بدون إصابات بليغة.
وسيعود المتظاهرون إلى بيوتهم وسوف ننتقل إلى حدث آخر. فقريباً ستحل مناسبة شافوت، وسنشهد مزيدا من التوتر.
ولكن ما هي التداعيات الحقيقية لمثل هذه المسيرة؟
وما هو الانطباع الذي ستتركه في أذهان آلاف الفتيان الذين تم شحنهم بالكراهية العنصرية وعقيدة التفوق العرقي؟
وختمت الصحيفة بالقول إن المشهد عند الساعة الثامنة والنصف مساء، وعلى مشارف باب العامود، حيث الأرض مغطاة بالعبوات البلاستيكية، وبالملصقات، وبصواري الأعلام المكسرة، مع خروج آخر متظاهر من المكان، يشير إلى أن المستقبل كئيب بالفعل.