قضايا وآراء

صديقي المسيحي القاضي رؤوف منير.. وشيرين أبو عاقلة

محمد الغزلاني
1300x600
1300x600
هاجت عليّ الذكريات لكي أعيش كل المواقف التي مرت بي مع صديقي القديم الراحل القاضي رؤوف منير، القيادي في النشاط الثوري للجان الشعبية بمنطقة كرداسة في محافظة الجيزة المصرية، والدور البطولي الذي قام به.

فحادثة اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، المسيحية الديانة، وصاحبة الأثر الكبير والدور البطولي في فضح جرائم الاحتلال، ذكّرني بصديقي المسيحي رؤوف منير صاحب المواقف المميزة والجهد الوافر في عمل اللجان الشعبية بكرداسة.

فكلاهما (شيرين ورؤوف) أدى دورا كبيرا في عمل وطني عظيم يخدم به بلاده وأهله مهما كانت المخاطر ومهما كانت العوائق، يحركهما في ذلك جملة من المبادئ والقيم والأفكار التي سكنت في وجدانهما.

فكلاهما استحق وبجدارة لقب شهيد الوطن، واستحق أرفع الأوسمة والشهادات التي يمكن أن تعطى لأصحاب الهمم والمبادئ.

الجدير بالذكر أن حالة اللغط التي أعقبت وفاة شهيدة الوطن شيرين أبو عاقلة حول مآلاتها في الآخرة لم تثر عند وفاة المستشار رؤوف، وكانت واضحة تماما في ذهن قيادات اللجان، وحتى عند المستشار رؤوف نفسه. كنا دائما نعمل في مساحات الالتقاء والاتفاق، ويعرف كل منا مناطق الاختلاف وحجم المسكوت عنه.

يدلل على ذلك واقعة شهيرة؛ إذ كنا في نوبات الحراسة الليلية لمداخل البلد وكانت ليلة متوترة أطلق فيها بعض البلطجية طلقات الخرطوش والأعيرة النارية على أفراد اللجنة، وكان يخيم صمت وترقب على الجميع وأراد الشيخ مهدي (رئيس اللجنة) أن يخفف من هذا التوتر فقال: يا دكتور لو قُتلنا كلنا الآن سنكون شهداء الوطن ونظر إلى  المستشار رؤوف وضحك؛ فضحك رؤوف وفهم قصده فبادره بالقول: بس ده في الدنيا، لكن مش هاخدكوا معي في الآخرة في "ملكوت المسيح المخلص"، وضحك فقال له الشيخ مهدي: نحن أصلا مش رايحين (لن نذهب) معك في الملكوت الخاص بكم فنحن لنا ملكوت آخر، وعلت الضحكات بين الجميع؛ فالكل كان يفهم مغزى الكلام ولا يتحدث في المسكوت عنه.

كان المستشار رؤوف مثقفا ويقرأ كل ما يصله من كتب، وقد فوجئنا به وهو يتابع كل لقاءات الشيخ حازم أبو إسماعيل، وكان يشترك معنا في النقاشات في شئون الجماعات الاسلامية المشتغلة بالسياسة، حتى إن كثيرين ممن كان يحضر معنا تلك النقاشات لم يدر بديانة المستشار رؤوف المسيحية.

وقد حضر معنا صديقي العزيز المستشار رؤوف كل الأحداث الخاصة بعمل اللجنة الشعبية، سواءً الحراسة ليلا أو المرور على مستودعات أنابيب البوتجاز أو أفران الخبز، كما حضر معظم اللقاءات معنا مع المسؤولين سواء المحافظ أو مدير الأمن أو رئيس المدينة أو مأمور القسم، كما حضرنا سويا العديد من اللقاءات الإعلامية.

وقد كانت كنيسة كرداسة من ضمن الأماكن التي نضع لها الحراسات كل ليلة، بجانب مبنى المدينة وقسم الشرطة والمستشفى.

وقد بلغت ثقة المستشار رؤوف فينا درجة عظيمة، حتى إنه كان في الليالي التي يتركنا فيها ليلا كان يترك سلاحه الميري معنا وكنت أرجعه له فجرا.

وفي إحدى المرات شكرته على ذلك الموقف النبيل فكلانا رجل قانون ويعرف مدى المسؤولية في مثل هذا الأمر، فأقسم المستشار رؤوف أنه لا يعمل مثل هذا الموقف مع أي أحد أبدا حتى أشقائه.

وقد وافت المستشار المنية قبل الانقلاب بأشهر، وسرنا في جنازته، وقد كنا نحن قبل أسرته من نتلقى واجب العزاء في وفاته.

وقد أثنينا عليه في كلمات الرثاء بما هو أهله، وأثنينا على مجهوده الكبير في خدمة وطنه وأهله وذكرنا العديد من مآثره.

وبعد أن انفض العزاء سألني أحد المقربين عن مآل المستشار الأخروي (كما يسأل الناس عن شيرين أبو عاقلة)، فذكّرته بما دار من نقاش في ليلة الحراسة، وقول المستشار نفسه إننا لن نكون معه في "ملكوت المسيح المخلص"، وردنا عليه أنه أيضا لن يكون معنا؛ فالعمل للوطن قد جمعنا ومآلات الآخرة قد فرقتنا.
التعليقات (0)