هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كشف القاضي مراد المسعودي رئيس منظمة القضاة الشبان في تونس في حديث لـ"عربي21" أن "كل هياكل المهنة في تونس قررت متابعة الإضراب العام" الذي بدأ الاثنين الماضي في كل محاكم البلاد وتسبب في شلها، حتى تتراجع الرئاسة التونسية عن قرارات النيل من استقلالية السلطة القضائية وبينها قرار طرد 57 قاضيا وقاضية "بسبب رفضهم أوامر بإبطال مؤتمر الاتحاد العام التونسي للشغل وبسجن برلمانيين وشخصيات سياسية ومضايقة قيادات اتحاد نقابات العمال" وامتناعهم عن "خرق القانون والدستور والإجراءات القضائية عند النظر في ملفات ذات صبغة سياسية أو أمنية أو اقتصادية تهم شخصيات عمومية..".
وكشف المسعودي أنه ونائبه رئيس جمعية القضاة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر ونخبة من نشطاء المجتمع المدني وحكام التحقيق وكبار مسؤولي النيابة العمومية ورؤساء المحاكم والقضاة المستقلين عزلوا بقرار رئاسي "غريب" بسبب مواقفهم "المعارضة للانقلاب على الدستور وعلى القانون منذ 25 يوليو الماضي" ومعارضتهم "تدخل السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية" في سير الملفات القضائية، وامتناعهم عن أوامر من وزيرة العدل ومن جهات أمنية وسياسية "بإصدار قرارات بالإيقاف والسجن والمداهمات غير القانونية والمضايقات تستهدف معارضين وسياسيين وزعماء النقابات والمجتمع المدني خارج ما يسمح به القانون..".
وأورد المسعودي أن كلمات رئيس الدولة أقرت أن من بين أسباب خلافه مع المجلس الأعلى للقضاء والقضاة المعزولين ملفات قضائية ذات صبغة سياسية بينها عدم سجن الـ 120 نائبا الذين عقدوا جلسة عامة عبر تطبيقة "الواب" بينما ينص الفصل 80 من الدستور الذي برر به الرئيس قرارات 25 يوليو بأن "البرلمان يبقى في حالة انعقاد دائم ولا يمكن حله في مرحلة الإجراءات الاستثنائية".. واعتبر أن "القضاة والمسؤولين في الإدارة الذين يخالفون الدستور سيحاكمون يوما"..
موقف الاتحاد العالمي للقضاة
واعتبر رئيس جمعية القضاة الشبان في حديثه لـ"عربي21" أن "الأزمة الحالية بين السلطتين التنفيذية والقضائية في تونس دفعت الاتحاد العالمي للقضاة إلى إعلان مساندته الكاملة لإضراب القضاة التونسيين وكل نضالاتهم من أجل استقلال القضاء ورفض هيمنة السلطة التنفيذية عليه".
وفسر المسعودي المساندة القوية التي لقيها تحرك القضاة من قبل هيئات أممية ودولية وقيادات الاتحاد العام التونسي للشغل والأطراف الحقوقية والسياسية في تونس بكونها جميعا "فهمت أن الأمر لا يتعلق بمجرد قرار سياسي غير قانوني تسبب في مظلمة بشعة شملت 57 قاضيا نزيها، بل لأن هذا القرار يندرج ضمن مسار شامل من انتهاك الدستور والقوانين والفصل بين السلطات بدأ عشية 25 يوليو الماضي بالإعلان عن إلحاق كل صلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية والقضائية وئاسة النيابة العمومية برئيس الدولة".
رئاسة النيابة العمومية؟
وذكر القاضي مراد المسعودي أن "الخطاب الذي ألقاء الرئيس قيس سعيد مساء 25 يوليو أورد أنه سيتولى بنفسه تشكيل حكومة جديدة ورئاستها ورئاسة النيابة العمومية والمؤسسة القضائية" ثم أسند صلاحيات السلطة التشريعية لـ"مجلس وزراء جديد" عينه وحده وأسند رئاسته لنفسه بعد حل البرلمان المنتخب في 2019 تحت إشراف نفس هيئة الانتخابات التي أشرفت على الانتخابات الرئاسية..".
في هذا السياق أورد المسعودي أن القضاة التونسيين يتمسكون بشرعية هيئة "المجلس الأعلى للقضاء المنتخب" ويطالبون الهيئة المؤقتة التي عينها ونصبها رئيس الدولة بالاستقالة فورا "احتجاجا على قرار طرد الـ57 قاضيا ممن رفضوا انتهاك القانون والدستور والنيل من استقلالية السلطة القضائية".
وأكد المسعودي أن "المجلس المؤقت للقضاء" الذي عينه قيس سعيد قبل أسابيع رفض طرد القضاة الـ57 فتجاهله رئيس الدولة وأصدر القرار باسمه وأورد في "المرسوم الرئاسي" أن هؤلاء القضاة لا يمكنهم الطعن، إلا بعد أن يصدر في شأنهم حكم بات من المحاكم، وهو ما قد يستوجب 5 أعوام. لذلك فقد كشف المسعودي أن القضاة الـ57 قد يلجأون إلى المحكمة الإدارية المختصة في النظر في تجاوزات القانون التي تتورط فيها السلطة التنفيذية والإدارة.
"التنظيم السري لحزب النهضة"؟
وماذا عن قضية "التنظيم السري" (أو "الجهاز السري") لحزب النهضة التي تعرض لها رئيس الدولة مرارا عند انتقاده لبعض القضاة؟ وهل صحيح أن مسؤولين كبارا في سلك القضاء بينهم وكيل الجمهورية السابق بتونس البشير العكرمي ووكيلا محكمتي تونس وأريانة متورطون في هذه القضية؟
رئيس جمعية القضاة الشبان أورد أن القضاء برأ القاضي البشير العكرمي في أعلى مستوى مثلما رفض التسرع في إدانة الرئيس الأول السابق لمحكمتي الاستئناف والتعقيب الطيب راشد ما لم تثبت المحكمة إدانته..
وبالنسبة لملف "الجهاز السري" فقد رفض وكيل الجمهورية الجديد القاضي المحترم محمد كمون التكفل به طالما أنه محل أنظار محكمة أخرى، هي محكمة أريانة، مثلما ينص على ذلك القانون، فوقع طرده بدوره.
وأدرج اسم وكيل جمهورية محكمة أريانة ضمن قائمة الـ57 قاضيا الذين تقرر عزلهم لأنه اكتفى بإصدار قرار تحجير سفر على المتهمين في قضية "الجهاز السري" ورفض اعتقالهم قبل النظر في الملف وإثبات شبهة التورط في جريمة ضدهم..
وعزل أحد القضاة لأنه رفض إصدار أمر بمداهمة قوات الأمن لمحل سكني لشخصية ليس لديها ملف قضائي يثبت وجود شبهات حقيقية تبرر المداهمة.
كيف الخروج من هذا المأزق؟
الحل يبدأ بحسب رئيس جمعية القضاة في تراجع رئاسة الجمهورية عن قرار عزل القضاة الـ57 واستقالة المجلس الأعلى "المؤقت" للقضاء .."لأن النيل من مؤسسة القضاء بعد الهيمنة على السلطتين التشريعية والتنفيذية سيتسبب في كوارث بالجملة للبلاد اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وقد يشرع لإيقافات تشمل قيادات نقابية وسياسية وحقوقية ومن المجتمع المدني" ..