هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة بوليتيكو الأمريكية تقريرًا قالت فيه إن البنوك المركزية تحاول عرقلة جهود ومحاولات الدول الفقيرة لاستخدام العملة الرقمية لتغيير المعايير النقدية.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21" إن الحكومة الأرجنتينية قامت مؤخرًا باتخاذ إجراءات صارمة ضد العملات المشفرة كجزء من مفاوضات الإنقاذ المالي مع صندوق النقد الدولي بعد أن أصدر البنك المركزي الأرجنتيني حظرًا فعليًا على تداول الأصول الرقمية.
وبحسب الصحيفة؛ يواصل المستثمرون الغربيون وقادة العالم النامي إطلاق مبادرات جديدة تشجع البلدان على تبني عملة البيتكوين كعملة رسمية؛ حيث انضمت جمهورية أفريقيا الوسطى إلى السلفادور في القيام بذلك، مضيفة بأن مسؤولين من الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية يقولون إن اعتماد العملات المشفرة يمكّن الدول من تسهيل غسيل الأموال وتقوض ضوابط رأس المال بينما تعرض مواطنيها لتقلبات شديدة في الأسعار.
وصرح نائب مدير إدارة أسواق النقد ورأس المال بصندوق النقد الدولي بأن احتمال حدوث انخفاض مفاجئ في سعر البيتكوين - التي فقدت أكثر من نصف قيمتها منذ تشرين الثاني/ نوفمبر يجعلها غير صالحة لتكون عملة وطنية، فيما يقول النشطاء والمستثمرون الذين يدعمون مثل هذه التجارب بأن العملات المشفرة مثل بيتكوين توفر ملاذًا آمنًا من العملات المتضخمة بسرعة في أماكن مثل الأرجنتين ونيجيريا.
ونقلت الصحيفة عن أليكس جلادستين؛ كبير المسؤولين الإستراتيجيين في مؤسسة حقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية تدعم تبني البيتكوين: "بيتكوين تقف ضد كل ما يمثله صندوق النقد الدولي"، فيما أفادت الصحيفة بأن جمهورية أفريقيا الوسطى أصدرت قانونًا في نيسان/أبريل يجعلها ثاني دولة في العالم تتبنى البيتكوين كعملة قانونية؛ وهي الخطوة التي أثارت معارضة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك المركزي الإقليمي الذي يشرف على العملة الحالية للبلاد المرتبطة باليورو، والذي دعا جمهورية أفريقيا الوسطى إلى إلغاء قانون البيتكوين الخاص بها كما اتخذ إجراءات صارمة ضد العملات المشفرة بشكل عام.
وبحسب الصحيفة؛ تواصل المبادرة توسيع الخلاف بين القوى الغربية وأول دولة تتبنى البيتكوين كعملة؛ وهي السلفادور التي يقودها الرئيس الاستبدادي ذو الشعبية نجيب بوكيلة؛ والذي أصبح مشروع بيتكوين رمزًا يتحدى به المؤسسات الدولية؛ ففي بيان صادر عن متحدث أشار فيه إلى أن وزارة الخارجية لم ترد على استفسار حول السلفادور على وجه التحديد، لكنها حثت على توخي الحذر بشأن الدول التي تسعى إلى تبني العملة المشفرة.
وفي شباط/ فبراير قدم رئيس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والعضو البارز جيم ريش؛ مشروع قانون يطلب من وزارة الخارجية إتمام تقرير بشأن تأثير قانون البيتكوين الخاص بالمقاطعة على النظام المالي الأمريكي، لكن بوكيلة ومستثمري بيتكوين الذين يحثونه على ذلك ما زالوا دون رادع.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في نيسان/ أبريل، أعلن سامسون ماو، رائد الأعمال الكندي المشارك في تجربة السلفادور، أنه جمع 21 مليون دولار لتمويل شركة جديدة - تسمى "جان 3" - تكريمًا لتاريخ إطلاق بيتكوين بهدف استبدال العملات الوطنية الحالية ببيتكوين. وبعد بضعة أسابيع؛ استغل بوكيلة تجمعًا مقررًا مسبقًا لتحالف الشمول المالي في سان سلفادور لعرض تجربة البيتكوين في البلاد، وحث الدول الأخرى على أن تحذو حذوها.
وأوضحت الصحيفة أن النكسات التي شابت المراحل الأولى من تجربته لم تثبطه؛ فقد أبدى بوكيلة الكثير من الاهتمام بالتجمع؛ حيث تفاخر على موقع تويتر بأنه جمع 44 دولة، وهو نفس الرقم الذي عقدته الولايات المتحدة لإصلاح النظام المالي العالمي في مؤتمر بريتون وودز سنة 1944.
ولفتت الصحيفة إلى أن موقف بوكيلة جريء بشكل استثنائي بسبب الوضع المالي غير المستقر لبلاده؛ حيث تسعى بلاده منذ السنة الماضية للحصول على قرض بقيمة 1.3 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، والذي دعا بدوره السلفادور إلى تجريد البيتكوين من وضع العملة القانونية، كما خفضت في الشهر الماضي وكالة التصنيف "موديز" تقييم الديون السيادية للبلاد مع تزايد مخاطر التخلف عن السداد، مبينة أنه غالبًا ما تجبر مثل هذه الضغوط المالية البلدان على طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، لكن تجربة السلفادور تشكل عقبة محتملة.
وأوردت الصحيفة ما قاله جوش ليبسكي، مدير مركز الجغرافيا الاقتصادية في المجلس الأطلسي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن: "هذه مقامرة لا تصدق بأموال أمة، ولا يمكنك في نفس الوقت المجيء إلى صندوق النقد الدولي والقول 'نحن بحاجة إلى دعمكم'؛ حيث يمكنك القيام بأحدهما لكن لا يمكنك فعل الأمرين معًا".
اقرأ أيضا: "بيتكوين" تتراجع إلى أدنى مستوياتها في 18 شهرا
وحذّر بأنه حتى بعض أكثر دعاة البيتكوين صراحةً في العالم قلقون من أن الاندفاع لجعل البيتكوين تعمل كعملة وطنية قد يأتي بنتائج عكسية. ففي السنوات الأخيرة؛ أصبح الرئيس التنفيذي لشركة "مايكرو إستراتيجي"، مايكل سايلور، متصدرًا لظاهرة البيتكوين بعد شرائه ما قيمته مليارات الدولارات لخزينة شركته البرمجية المتداولة علنًا، كما التقى - في أبريل/ نيسان، بالرئيس الأرجنتيني السابق ماوريسيو ماكري، للحديث حول العملة المشفرة.
وذكرت الصحيفة أنه في مقابلة؛ قال سايلور إن القادة الوطنيين الذين أرادوا تشجيع الظاهرة سيواجهون ردود فعل أقل إذا روجوا لها كوسيلة للادخار، وليس كبديل للعملات الحالية، قائلًا: "لن أحاول تغيير وسيلة التبادل الخاصة بي؛ بل سأحاول تقديم بيتكوين كمخزن للقيمة"، مضيفًا واصفًا النهج الأخير بأنه: "إستراتيجية التطوير الأفضل التي قد تكون أقل احتمالًا لإزعاج الآخرين".
وحسب الصحيفة فقد كان اعتماد العملة المشفرة أكثر جاذبية للبلدان التي تفتقر إلى عملاتها السيادية أو التي تعاني من تضخم جامح؛ حيث تخلت السلفادور عن عملتها السيادية "الكولون" في سنة 2000، واعتمدت الدولار الأمريكي، وفقدت قدرتها على اتباع سياسة مالية مستقلة في هذه العملية.
وجاء في تقرير الصحيفة كذلك أن معدل التضخم المرتفع في الأرجنتين الذي يقترب الآن من 60 بالمئة قد أدى إلى اعتماد المواطنين للعملات المشفرة. كما أدى ذلك أيضًا إلى قيام الرئيس ألبرتو فرنانديز بالتلاعب علنًا بجعل البيتكوين عملة قانونية قبل التزام الحكومة الأخير تجاه صندوق النقد الدولي بقمع العملة المشفرة.
وأضافت الصحيفة أن صندوق النقد الدولي، الذي يعمل في مواجهة العملات المشفرة، وتضمنت مشاوراته الأخيرة مع الهند بشأن الإطار السياسي المقبل للبلاد الحديث عن العملات الرقمية؛ دعا إلى استجابة حكومية دولية منسقة لصعود العملة المشفرة، وعلى الرغم من أن الصندوق لم يشجع استخدام شبكة تشفير مثل البيتكوين كعملة؛ إلا أنه شجع البنوك المركزية الوطنية على استكشاف ميزة استخدام تقنية سلسلة الكتل أو "بلاك تشين" الأساسية الخاصة بالبيتكوين للترقيات الرقمية لعملاتها السيادية.
وأفادت الصحيفة أنه سيكون الانتقال إلى العملات الرقمية للبنك المركزي، والمعروفة باسم عملات البنوك المركزية الرقمية، أقل تعطيلًا للاستعدادات النقدية الحالية من التغييرات التي يسعى إليها داعمو العملات المشفرة.
وأوردت الصحيفة أنه في يوم الثلاثاء، قام بنك التسويات الدولية؛ وهو هيئة دولية مملوكة للبنوك المركزية في العالم، بإطلاق أحدث قنبلة خاصة به ضد العملة المشفرة مع تقرير جديد يدعي بأن التجزئة في عالم العملات المشفرة تعني أنه "لا يمكن للعملات المشفرة أن تحقق الدور الاجتماعي للنقود".
وبدلًا من ذلك؛ دعت الصحيفة إلى تحديث العملات الوطنية وفوق الوطنية التي يشرف عليها الأعضاء؛ فيما تنص الوثيقة على أن "هناك المزيد من الأمل في الابتكارات التي تبني الثقة في العملات السيادية".
وفي غضون ذلك، فإن الصراعات التي تتزايد بين البلدان النامية والقوى المالية العالمية على النقود الرقمية تكشف أيضًا عن الانقسامات داخل كل منها.
وحسب الصحيفة؛ فقد قوبل طرح عملة البيتكوين في الخريف الماضي في السلفادور باحتجاجات في الشوارع، وانتقد قادة المعارضة في جمهورية أفريقيا الوسطى القانون الجديد للبلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أن هناك أيضًا خلافا داخل القوى المالية الحاكمة في العالم حول الدور المناسب للعملات المشفرة إن وجدت في النظام النقدي، فيما لا تزال القيادة العالمية للولايات المتحدة حول هذا الموضوع تجريبية بينما يستمر النقاش الحيوي حول التكنولوجيا للعب في السياسة الداخلية.
وذكرت الصحيفة أنه في آذار/ مارس؛ قالت لها نائبة المدير العام لصندوق النقد الدولي "جيتا جوبيناث" كبيرة الاقتصاديين في الصندوق سابقًا، إن العقوبات الغربية المفروضة ردًّا على غزو روسيا لأوكرانيا من المحتمل أن تؤدي إلى اعتماد أوسع للعملات المشفرة؛ حيث تسعى الجهات الفاعلة في جميع أنحاء العالم إلى إيجاد بدائل للأنظمة المالية القائمة. لكن في الشهر الماضي؛ اعتبرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد، وهي ذاتها المديرة السابقة لصندوق النقد الدولي، أن العملات المشفرة "لا تساوي شيئًا".
وبيّنت الصحيفة أنه في داخل المؤسسات الفردية مثل صندوق النقد الدولي؛ لا توجد مدرسة فكرية واحدة سائدة، موضحة أن تصريحات "كبار الشخصيات" لا تعكس دائمًا آراء الموظفين العاديين، الذين اعتنق الكثير منهم العملات المشفرة بكل إخلاص، وفقًا "لجون كيف" الذي ترك وظيفته كخبير في القطاع المالي في صندوق النقد الدولي العام الماضي، ويعمل الآن كمدير عام للمركز الفكري للعملة الرقمية للبنك المركزي "سي بي دي سي" الذي تم تشكيله حديثًا.
وقال "كيف": "فيما يتعلق بما يخرج علنًا تحت شعار صندوق النقد الدولي، يجب أن يمر عبر إدارة صندوق النقد الدولي ولا يتجاوز لمواجهة مجلس الإدارة، الذي يتكون من الدول الأعضاء، حتى لو كان الصندوق إلى حد ما مضادًا للتشفير، فهناك أشخاص في الداخل مثلي يشترون ويبيعون العملات المشفرة".