مع وجود مؤيدين لخطوة الرئيس الأمريكي جو بايدن بلقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
بذريعة الواقعية السياسية، يكثف الرافضون لها من ضغوطهم لانتزاع إدانة علنية لوضع
حقوق الإنسان في المملكة.
على
خطى تلك الجهود؛ كشفت صحيفة "
واشنطن بوست" عن تفاصيل قصة هروب رجل أعمال
سعودي وولده الذي يحمل الجنسية الأمريكية من قبضة ولي العهد
ابن سلمان، ونجاحهما في الوصول
إلى الولايات المتحدة.
يصف
الصحفي المعروف ديفيد إغناتيوس قصة الهروب بـ"الملحمة". ويشير إلى أنها فصل
صغير لا يوصف في قائمة انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية
السعودية.
وهي
برأيه سبب كاف لتفسير لماذا يجب على الرئيس بايدن أن يطالب بمزيد من المساءلة عندما
يلتقي هذا الشهر مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وتتلخص
القصة التي بطلها راكان الدوسري، 14 عاما، ووالده نادر، في تجشمهما مخاطر اجتياز
صحراء الربع الخالي القاحلة للهروب من السعودية حيث ممنوع عليهما السفر.
بدأت
القصة بعد أن انضم راكان إلى والده نادر في مقاضاة المملكة في عام 2020، لتأكيد مطالباتهم
الوراثية في نزاع حول صفقة مصفاة عام 1995 في سانت لوسيا.
كانت
مسألة قانونية مملة، باستثناء أن أحد المتهمين المذكورين في الدعوى التجارية كان محمد
بن سلمان، الذي يُعرف بولي العهد.
سعت
المملكة إلى عزل محمد بن سلمان من الدعوى على أساس أنه يتمتع بالحصانة السيادية -وهو
سؤال صعب لشخص ليس رئيسًا رسميًا للدولة، وهو سؤال لم تحله المحاكم الأمريكية أبدًا.
ثم بدأت تحدث أشياء سيئة.
في
20 أيار/ مايو 2021، خطط راكان ووالده للسفر من الرياض إلى واشنطن، تاركين وراءهم
أفرادًا آخرين من العائلة.
تم للتو
رفع حظر السفر المتعلق بفيروس كورونا في المملكة؛ كان الأب والابن يحملان تذاكر صعود
للطائرة إلى مطار دالاس الدولي، لكن تم توقيفهما عند مراقبة الجوازات، وبعد تأخير لمدة
ساعة، أبلغا أنهما لا يستطيعان الصعود إلى الطائرة.
وقال
نادر الدوسري في دعوى قضائية العام الماضي: "قيل لنا: كان هناك حظر على قدرتنا
على مغادرة البلاد.. علمت لاحقًا أن قيود السفر فرضها الديوان الملكي".
خوفا
من الحادث، أرسل راكان نداءً بالفيديو في 9 حزيران/ يونيو إلى السفارة الأمريكية في
الرياض. وقال في نص الفيديو: "عزيزي الرئيس بايدن. أنا وعائلتي رهائن الآن داخل
المملكة العربية السعودية بأوامر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.. كمواطن ملتزم
بالقانون، لم أفعل شيئًا خاطئًا والشيء الوحيد الذي كنت أركز عليه هو الحصول على درجات
جيدة في المدرسة.. أعتقد أن محمد بن سلمان يعاقبني أنا وعائلتي على المطالبة بحقوقنا
في محكمة فيدرالية أمريكية".
ومستشهدا
بتعهد إدارة بايدن بإطلاق سراح جميع الرهائن الأمريكيين، ناشد راكان بايدن: "أرجوك
حررني أنا وعائلتي.. من فضلك احمنا من محمد بن سلمان.. من فضلك أعدنا إلى الوطن".
تلقى
نادر الدوسري رسالة من موظف في وزارة الخارجية في الرياض في نفس اليوم الذي وصل فيه
الفيديو. قال: "سوف أشارك [الفيديو] مع السفارة ومع واشنطن".
وبعد
أن فقد الأب وابنه الأمل في المساعدة الأمريكية، فإنهما خططا للفرار من المملكة.
لكن
إدارة بايدن كانت صامتة، وكان الدوسري الابن والأب يائسين. كانوا يعرفون ما حدث لجمال
خاشقجي. لعدم الرغبة في مواجهة مصير مماثل، واتخذا قرارًا جريئًا بالفرار.
كانت
خطتهم الأولى هي ركوب زلاجتين نفاثتين من طراز "سي دوو" عبر الخليج الذي يبلغ
طوله حوالي 40 ميلاً والذي يفصل البر السعودي الرئيسي عن جزيرة مملكة البحرين الصغيرة.
لكن آل الدوسري كانوا قلقين من تعرضهم للهجوم من قبل أسماك القرش أو اعتقالهم من قبل
خفر السواحل السعودي في الطريق، لذلك تخلوا عن الخطة.
كانت
خطة الهروب الثانية لعائلة الدوسري أكثر جرأة.
نادر
الدوسري تواصل مع مجموعة من المهربين. أخذوه هو وراكان إلى منطقة انطلاق في جنوب المملكة
العربية السعودية ونظموا رحلة صيد مزيفة في سيارات الدفع الرباعي الوعرة عبر
الصحراء.
اشتروا
الأغنام وغيرها من المؤن لتناول الطعام خلال الرحلة بينما ترك نادر الدوسري هاتفه الخلوي
في الرياض.
كانت
تكلفة المغامرة ما يقرب من 30 ألف دولار، لكن الاثنين شعرا بأنه ليس لديهما خيار آخر.
استغرقت
الرحلة عبر الكثبان الرملية المهجورة في الربع الخالي عدة أيام.
خلال
الرحلة أوقفت الشرطة السعودية الهاربين وحذرتهما من إطلاق النار على أي غزال أو حيوانات
محمية أخرى.
في أواخر
حزيران/ يونيو، عبرا إلى دولة مجاورة على الخليج العربي..
ومن هناك خططا
للسفر إلى مركز إقليمي، ثم إلى الولايات المتحدة؛ راكان باستخدام جواز سفره
الأمريكي ونادر باستخدام جواز سفر خليجي آخر كان قد حصل عليه قبل سنوات. لكن ضابط الجوازات
الدؤوب لاحظ أن اختبارات كورونا قبل السفر قد أجريت في المملكة العربية السعودية، وأوقفهم
لمزيد من الاستجواب. قال نادر الدوسري لـ إغناتيوس: "اعتقدت أن هذه هي النهاية".
في النهاية
برأت السلطات الأب والابن.
عندما
هبط الاثنان في نقطة العبور، اعتقدا مرة أخرى أنهما حُرّيْن. لكن هذه المرة، لاحظ ضابط
الجوازات أن تأشيرة نادر للولايات المتحدة بها بعض الترجمات الصوتية غير المتطابقة
مع اللغة العربية.
يتذكر
نادر الدوسري أنه التفت بحزن إلى راكان وقال له: "يا بني، هذا هو". لكن مرة
أخرى، سمحت السلطات لهما بالمرور.
وصلوا
إلى دالاس في أواخر حزيران/ يونيو، وهم أول سعوديين نجحوا في الهروب من حظر السفر الذي
فرضه محمد بن سلمان، على حد علمي، حسب اغناتيوس.
بعد
نجاح الأب والابن في الهروب، كانت الأولوية نقل والدة راكان وشقيقتها إلى بر الأمان
أيضًا. وصلا في تموز/ يوليو 2021. لكن في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد أن كشفت الأسرة
عن هروبهما، تم اعتقال شقيق نادر في المملكة واستجوابه لفترة وجيزة، ومنع أفراد الأسرة
الآخرون من السفر، ويقول نادر إن حساباته المصرفية تم تجميدها.
يقول
راكان، البالغ من العمر الآن 14 عامًا، إنه لم يسمع أي شيء حتى الآن من بايدن ردًا
على مناشدة الفيديو الخاصة به، والتي تم إرسالها منذ أكثر من عام. يود زيارة جدته وأقاربه
الآخرين، لكن والده يقول إن ذلك أمر خطير للغاية.
يختم إغناتيوس مقاله في الـ"واشنطن بوست" بالقول: "يجب أن يطلب بايدن من
محمد بن سلمان الالتزام بعدم تكرار هذه الانتهاكات لحقوق الإنسان مرة أخرى".