قضايا وآراء

بوتين لبايدن: الشرق الأوسط لي أيضاً

غازي دحمان
1300x600
1300x600
ليس مصادفة أن يصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران بعد ثمان وأربعين على مغادرة الرئيس الأمريكي للمنطقة، ورغم محاولة بعض الإعلام الإيحاء بأن التطورات السورية استدعت قمة رؤساء روسيا وإيران وتركيا، إلا أنه من غير المرجح أن يكون مصير منبج وتل رفعت له هذا الحجم من التأثير في عالم بات يقف على حافة حروب كبرى.

اللافت أن مخرجات قمة طهران قد ركزت بالدرجة الأساسية على الوضع السوري، لكن أي عقل يمكن أن يتصوّر أن بوتين الغارق في الحرب الأوكرانية، ولا وقت لديه حتى لمتابعة بعض شؤون روسيا الداخلية، باستثناء متابعة عمليات ضبط المجتمع الروسي وضمان عدم خروجه عن السيطرة، لديه مساحات فارغة في عقله يُشغلها بقضايا تتعلق بسيطرة تركيا على مساحة صغيرة في سوريا؛ لا تقع بالأصل ضمن مناطق سيطرة القوات الروسية، وليست مناطق ذات طبيعة استراتيجية حاكمة يمكنها التأثير على خريطة السيطرة في سوريا؟

الأرجح أن أجندة القمّة قد تغيّرت، أو أن ما جرى نقاشه والتركيز عليه في الغرف المغلقة، وخاصة بين إيران وروسيا، لم يتم الكشف عنه لوسائل الإعلام، ولا في التصريحات الصحافية، وتم التلطي خلف الموضوع السوري لإيجاد مبرر منطقي للاجتماع.
مخرجات قمة طهران قد ركزت بالدرجة الأساسية على الوضع السوري، لكن أي عقل يمكن أن يتصوّر أن بوتين الغارق في الحرب الأوكرانية، ولا وقت لديه حتى لمتابعة بعض شؤون روسيا الداخلية، باستثناء متابعة عمليات ضبط المجتمع الروسي وضمان عدم خروجه عن السيطرة، لديه مساحات فارغة في عقله يُشغلها بقضايا تتعلق بسيطرة تركيا على مساحة صغيرة في سوريا

من المؤكد أن بوتين عندما قرّر المجيء لطهران كان يعتقد أن زيارة بايدن ستنتج تحولات فارقة في معادلات العلاقات الدولية في الشرق الأوسط، والأمر ليس سراً، فقد أبدت صحف موسكو تخوفّها من هذه الزيارة، وقد تلاقت هذه المخاوف مع قلق إيراني من تشكيل ديناميات جديدة في المنطقة تعمل لغير صالحها وتضعف موقعها الاستراتيجي، وتعلن الحرب عليها في مناطق نفوذها في الشرق الأوسط.

غير أن النتائج الهزيلة التي حققتها زيارة بايدن، والتي كانت نتيجة عاملين: الأول، أن بايدن نفسه لم يكن متحمساً لصناعة أحلاف جديدة في المنطقة، وأنه لم يرغب سوى بـ"قرصة أذن لإيران" وبالتالي لم تضع واشنطن ثقلها في هذا الملف، بل هناك مراهنة أمريكية على إنجاز الاتفاق في الملف النووي والاستفادة من عودة النفط الإيراني للسوق الدولية، والثاني: أن الأطراف الإقليمية التي لم تعد تثق بالسياسات الأمريكية لم تكن متحمسة لتخريب علاقاتها مع روسيا أو توتيرها مع إيران، وبالتالي لم يكن بالإمكان أفضل من التوافقات التي حصلت في قمّة جدة دون انحياز ضد أحد أو استعداء أحد..

هذا الواقع يبدو أنه فاجأ صناع القرار في موسكو وإيران، ويبدو أنهم وقعوا ضحية تقديرات غير دقيقة، وبكل الأحوال، فإن أجهزة الاستخبارات الروسية والإيرانية، وبالتبعية دوائر المستشارين، أثبتت في الآونة الأخيرة ضعفاً كبيراً، ما دفع كلا من بوتين ورئيسي إلى إجراء تغييرات في هذه الأجهزة.

لكن بكل الأحوال، ما أراد بوتين قوله للرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، قاله من خلال زيارته لطهران وعقده قمة ثلاثية تضم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أراد أن يقول إن الشرق الأوسط لي أيضاً؛ بل إنني أملك مفاتيحه ومفاصله.. إيران التي تسيطر على أجزاء واسعة منه، وتركيا، التي ورغم الخلافات الكثيرة، بات ميزان علاقاتها مع روسيا أثقل بكثير من علاقاتها مع الغرب، بحكم شبكة العلاقات والمصالح الواسعة، أما الخلافات فالطرفان يملكان آليات دائمة لتسويتها.
لا بد للسياسة العربية في العلاقات الدولية أن تصل إلى حد أدنى من الرشد، وفهم أن السياسة هي أوراق قوّة، وليست مجاملات و"تبويس لحى"

بالنسبة للدول العربية ماذا يعني ذلك؟ من الواضح أن حسابات الدول العربية قد تغيّرت كثيراً عن المرحلة السابقة، كما أن طرائق إدارتها لعلاقاتها الدولية باتت مختلفة، وصار لديها هامش مناورة أوسع في خياراتها. هذا الوضع لا يمكن نكران حقيقة أن واشنطن ساهمت بدرجة كبيرة في صناعته، وخاصة في عهود إدارات باراك أوباما ودونالد ترامب، فالأول عامل القادة العرب بازدراء، والثاني تعامل معهم بأسلوب الابتراز والنهب العلني. كما أن روسيا، ورغم ادعاءاتها باحترامهم، إلا أنها فعلياً عاملتهم كأعداء في سوريا عندما قامت بتدمير الهياكل التي دعموها، وخاصة الفصائل التي دعمتها.

أمام هذه المعطيات، كان لا بد للسياسة العربية في العلاقات الدولية أن تصل إلى حد أدنى من الرشد، وفهم أن السياسة هي أوراق قوّة، وليست مجاملات و"تبويس لحى". كما أن الضعيف في العلاقات الدولية هو من لا يملك إرادة لاستخدام أوراق قوته، فهل بالفعل وصلنا إلى الحد الذي يُجبَر فيه اللاعبون الإقليميون والدوليون على تغيير حساباتهم لدى التعاطي مع قضايانا، أم أن الأمر لا يعدو حماوة رأس، وما زلنا أتباع هذه الدولة وتلك؟

التعليقات (0)