عُقدت الأسبوع
الماضي في العاصمة
الإيرانية طهران قمة ثلاثية ضمّت الرؤساء التركي
رجب طيب
أردوغان والروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي. وبينما جاءت القمة التي خُصصت للقضية السورية تقليدية، وكررت نفس المواقف المعتادة أو نقاط توافق الحد الأدنى.
حضر العمل الجدي ثنائياً عبر ثلاث قمم منفصلة؛ جمعت الرئيس التركي إلى نظيريه الإيراني
والروسي ثم قمة ثنائية بين هذين الأخيرين.
كان من المفترض أن
يسافر الرئيس أردوغان إلى طهران في زيارة مقررة مسبقاً
منذ عام تقريباً، ثم جرى التوافق النهائي عليها بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني
حسين أمير عبد اللهيان إلى أنقرة أواخر حزيران/ يونيو الماضي، والتي جاءت بعد إفشال
تركيا هجمات إرهابية لمجموعات إيرانية في إسطنبول. وفقط بعد تحديد موعد الزيارة، جرى
الإعلان عن زيارة للرئيس الروسي بوتين إلى طهران في نفس التوقيت لعقد قمة ثلاثية لأطراف
مجموعة أو آلية أستانا المعنية بالقضية السورية.
جاءت القمة الثلاثية تقليدية وكررت المواقف المعروفة ونقاط توافق الحد الأدنى
المتضمنة دعم العملية السياسية ووحدة الأراضي السورية، ورفض الخطط والمشاريع
الانفصالية، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، لكن في المؤتمر الصحفي للرؤساء الثلاثة تباينت
المواقف وظهرت الخلافات جلية بين الأطراف، وكما العادة أيضاً بدت تركيا القوية والواثقة
والداعمة للشعب السوري وثورته العادلة في مواجهة
روسيا وإيران الداعمتين لنظام
الأسد الاستبدادي الفاسد والساقط.
في المؤتمر الصحفي للرؤساء الثلاثة تباينت المواقف وظهرت الخلافات جلية بين الأطراف، وكما العادة أيضاً بدت تركيا القوية والواثقة والداعمة للشعب السوري وثورته العادلة في مواجهة روسيا وإيران الداعمتين لنظام الأسد الاستبدادي الفاسد والساقط
بغض النظر عن
القمة الثلاثية التي بدت بروتوكولية وعامة، جرى العمل الأهم في القمم الثنائية
التي حضرت القضية السورية فيها فقط من جانب تركيا، ولجهة الإصرار على دعم محاربة الإرهاب
جدياً، ورفض المواقف المائعة أو ازدواجية المعايير في محاربة التنظيمات الإرهابية.
فاللقاء التركي الإيراني مثلاً انصب أساساً على العلاقات الثنائية من زاوية حسن الجوار
والمصالح المشتركة، والسعي لرفع التبادل التجاري إلى ثلاثة أضعاف حجمه حالياً ليصل
إلى 30 مليار دولار، مع التعاون الجدي في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، واستياء
أو تحفظ تركي تجاه التساهل الإيراني المتعمد، وغضّ النظر عن تدفق اللاجئين الأفغان
والباكستانيين إلى تركيا عبر الأراضي الإيرانية.
وفيما يخص العملية
العسكرية في سوريا، بدا الموقف التركي ثابتاً ومحقاً طبعاً في مقابل تغير غير
مستغرب في موقف إيران، فبعدما أعلن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان أثناء
زيارته لأنقرة أواخر حزيران/ يونيو الماضي عن تفهم بلاده للعملية التركية ودوافعها،
حاول التذاكي بعد ذلك وإعطاء انطباع بقيامه بوساطة وهمية لمنعها، في محاولة يائسة
ومفضوحة لإعادة نظام الأسد المهمش والساقط إلى الصورة.
وفي المقابل، أعلن
المرشد علي خامنئي الممسك الفعلي بالسلطة بل السلطات كلها في إيران؛ مواقف متشددة
مغايرة حتى لو حاول تغليفها بإطار بلاغي عن الحرص على أمن تركيا الذي هو في مرتبة أمن
إيران حسب زعمه، بينما لا تتوقف الآلة الإعلامية الدعائية التابعة له مباشرة عن
شيطنة تركيا وسياستها الداخلية صُبحاً ومساءً.
وبالعموم وللدقة
أيضاً، لم يذهب الرئيس أردوغان أصلاً إلى طهران للحصول على ضوء أخصر للعملية؛ لا
من إيران الأضعف من مواجهة الموقف التركي ولا حتى من روسيا نفسها، بينما حاولت
طهران التذاكي عبر الاستقواء والتنسيق مع موسكو التي لا تبدو أيضاً في وضع يسمح
لها بعرقلة العملية كون الموقف الروسي الحقيقي عبّرت عنه وزارة الخارجية في إعلان
رسمي خجول؛ تمنّت فيه فقط على تركيا عدم تنفيذ العملية، بينما أعطى وزير الخارجية
سيرغي لافروف موافقة أو تفهما ضمنيا للعملية ودوافعها أثناء زيارة رسمية إلى أنقرة
أوائل حزيران/ يونيو الماضي.
لم يذهب الرئيس أردوغان أصلاً إلى طهران للحصول على ضوء أخصر للعملية؛ لا من إيران الأضعف من مواجهة الموقف التركي ولا حتى من روسيا نفسها، بينما حاولت طهران التذاكي عبر الاستقواء والتنسيق مع موسكو
في السياق
الثنائي كانت القمة التركية والروسية هي الأهم ولم تتعلق بسوريا أساساً وإنما بالعلاقات
الثنائية وتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والموقف التركي المحق والحكيم منه بشكل
عام، وتحديداً اتفاق تصدير الحبوب والزيوت والمواد الغذائية الأوكرانية والروسية
عبر موانئ البحر الأسود، الذي ترعاه تركيا بشكل مباشر بانخراط ومساعدة من الأمم المتحدة.
وكانت قد حققت نجاحاً كبيراً في هذا الصدد بصفتها الوسيط الوحيد الموثوق من الجانبين،
عبر جمعهما في إسطنبول مباشرة قبل سفر الرئيس التركي إلى طهران. ولكن كانت ثمة
نقاط عالقة تحتاج إلى قرار سياسي من بوتين، وهو ما نجح الرئيس أردوغان في الحصول عليه،
وساهم في مشهد التوقيع الظافر بإسطنبول الجمعة الماضية، والذي أكد مكانة تركيا
الإقليمية والعالمية وحاجة روسيا إليها، ما يعني ببساطة أيضاً من جهة أخرى وضمن
الصورة الشاملة أن إيران أصغر من أن تعرقل أو تقف في طريق تركيا وحضورها الإقليمي
والدولي.
أما فيما يخص القمة
الروسية الإيرانية، فلا عنوان عريض لها أفضل من المثل الشعبي "التم المتعوس
على خايب الرجا"، كونها بدت تعبيرا واضحا عن مأزق الطرفين، حيث العزلة
الدولية الخانقة لروسيا- بوتين ولإيران- خامنئي بالطبع. أما التفكير الروسي في الحصول
على طائرات مسيّرة إيرانية غير فعّالة أو مجدية، ولم تختبر في أي حرب جدية وكبيرة،
كما هو الحال مع بيرقدار التركية "حديث العالم"، فبدا أيضاً تعبيراً عن الأزمة
لا الحل بالنسبة لموسكو وتآكل صورتها كقوة عظمى، خاصة بعد رفض الصين الانخراط الجدي
إلى جانبها في غزوها المجنون لأوكرانيا.
تركيا لم تكن طرفاً في الردّ على قمة جدة، ولا في تشكيل محور روسي إيراني مضاد لها، كونها تتصرف باستقلالية بناء على مصالحها واستقرار المنطقة، في ضوء علاقاتها الجيدة والمتنامية مع الدول العربية والإسلامية
إضافة إلى ما سبق،
سعت القمة الروسية الإيرانية بالطبع إلى الردّ ولو دعائياً على زيارة الرئيس الأمريكي
جو بايدن للمنطقة وتحديداً قمة جدة العربية الأمريكية، الأمر الذي قد يبعد بوتين
عن حلفائه الجدد في الخليج العربي. ويفسر من جهة أخرى ربما اتصاله الأخير المطمئن مع
حاكم السعودية الفعلي محمد بن سليمان، الذي يقف على نفس القاعدة الاستبدادية الأحادية
لفلاديمير بوتين.
وبالعموم؛ تركيا
لم تكن طرفاً في الردّ على قمة جدة، ولا في تشكيل محور روسي إيراني مضاد لها،
كونها تتصرف باستقلالية بناء على مصالحها واستقرار المنطقة، في ضوء علاقاتها الجيدة
والمتنامية مع الدول العربية والإسلامية. وكما العادة، فقد بدت الطرف الواثق العاقل
الجدي الحكيم والمسؤول في اللقاء الثلاثي بإيران كما القمم الثنائية الموازية. وعضويتها
في حلف الناتو لا ولم تمنعها من الانفتاح على المحيط والجوار العربي الإسلامي بناء
على تاريخ مشترك ومصالح راسخة، وهي بالتأكيد ليست عضواً في التحالف أو الهندسة
الإقليمية التي تنخرط فيها إسرائيل مع المطبّعين العرب القدامى والجدد؛ كونها
ببساطة أكبر من ذلك، وقبل ذلك وبعده لا يمكن منهجياً أن تنخرط في محور مأزوم
ومعزول يضم أنظمة مستبدة وفاسدة في إيران وروسيا وتابعهما بشار الأسد.