هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"هحرق
(سأحرق) قلبك عليه، وأخليكي (أجعلك) تحزني عليه قريبا"، كانت تلك كلمات التهديد
التي أطلقها أحد ضباط الشرطة المصريين بمدينة الإسكندرية (شمالا) في وجه أم مصرية ذهبت
لقسم شرطة "الرمل ثان"، للسؤال عن نجلها المحبوس، لتتسلم جثته بعد أيام من
ذلك التهديد.
ورغم
تكرار جرائم تعذيب وقتل مواطنين مصريين جنائيين وسياسيين داخل أقسام الشرطة بالمدن
ومراكز الاحتجاز بجميع المحافظات عمدا بالتعذيب والإهمال الطبي، تتوالى البيانات الصادرة
من وزارة الداخلية المصرية النافية لجميع الجرائم المرتكبة، لكن منظمة حقوقية كذبت
آخر الروايات بشأن آخر تلك الجرائم.
ولقى
نحو 46 محتجزا حتفهم بالسجون وأماكن الاحتجاز في 2021، ونحو 73 عام 2020، وحوالي
40 في 2019، و36 عام 2018، و80 في 2017، و121 عام 2016، و185 في 2015، و166 عام
2014، و73 في 2013، بحسب "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، بسبب التعذيب الممنهج
والإهمال الطبي وظروف الاحتجاز القاسية.
"رواية
ديشة"
وفي
أحدث جرائم تلك السلسلة، نفت وزارة الداخلية المصرية الأربعاء 10 آب/ أغسطس الجاري، في صفحتها الرسمية على "فيسبوك" وفاة الشاب مصطفى نافع الشهير بمصطفى "ديشة"
(كهربائي سيارات- 19 عاما) نتيجة التعذيب المفضي إلى الموت داخل قسم "الرمل ثان"
بالإسكندرية.
وقال
الأمن المصري إن الوفاة حدثت نتيجة شجار بين "ديشة" ونزيل جنائي آخر، صفعه
الأخير على وجهه فوقع أرضا وأصيبت رأسه، ليتم نقله إلى مستشفى حكومي للعلاج، حيث لفظ أنفاسه
الأخيرة.
رواية
الداخلية، تخالف الرواية التي وثقتها "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، ومقرها
لندن، بأن وفاة "ديشة" نتيجة التعذيب والضرب المبرح الذي مارسه الرائد مصطفى
الشيوي بمعاونة المخبر الشهير بـ"الكابتن عشم"، وأمين شرطة آخر لم تتمكن
الشبكة من معرفة اسمه.
وكشفت
الشبكة، في بيان وصل "عربي21"، أن آثار الاعتداءات ظهرت بوضوح على جثمان
الشاب الضحية، ومنها كدمات كثيرة بجسده، وخاصة الرقبة والظهر وأسفل الذقن وبالأنف،
مع إصابة عميقة بالجانب الأيسر من الرأس يرجح أنها بسبب آلة حادة أو كعب مسدس.
قبض
على "ديشة" لمدة 15 يوما، منذ 23 تموز/ يوليو الماضي، حتى 6 آب/ أغسطس الجاري،
يوم استلام الجثمان من مشرحة كوم الدكة بالإسكندرية.
ونقلت
الشبكة عن مصادرها أن الضابط المذكور قبض على "ديشة" من مقهى بمنطقة سكنه، وسبه بوالديه
واعتدى عليه بالضرب أمام الأهالي، وحرر محضرا له بحيازة سلاح ناري، فقررت النيابة بعدها
حبسه 4 أيام، ليعود للقسم ويجري "الحط عليه" وتعذيبه بشكل ممنهج.
وأكدت
الشبكة أن الخوف على "ديشة" من بطش أجهزة الأمن، منع أسرته من تقديم شكوى
للنيابة العامة حول واقعة تعذيبه المتكرر، كما أن والدته تلقت تهديدات بقتل نجلها حال
إبلاغها النيابة، ناقلة عن الأم قول الضابط لها: "هحرق قلبك عليه وأخليكي تحزني
عليه قريبا".
"آخر
4 انتهاكات"
"عربي21"،
تفتح هذا الملف الشائك والذي يتكرر بشكل دائم وتنفي وزارة الداخلية في كل مرة حقيقة
القتل تحت التعذيب وتبقى تلك الجرائم دون عقاب، وطرحت التساؤل: ما الذي يجري داخل أقسام
الشرطة المصرية من عمليات توحش بحق المصريين، على الحقوقي المصري أحمد العطار.
العطار،
أكد لـ"عربي21"، أنه "خلال أقل من أسبوعين، رصدت الشبكة ووثقت وفاة
4 مصريين بأقسام الشرطة، في جرائم بات تكرارها أشبه بأخبار دورية يجري تداولها بطريقة
اعتيادية، دون الوقوف على أسبابها أو محاولة التحقيق فيها لمحاسبة المسؤولين عنها ومنع
تكرارها".
المدير
التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، قدم رصدا لجرائم الأمن المصري الأربعة الأخيرة،
داخل أقسام (الرمل ثان) و(المنتزه ثالث) بالاسكندرية، وكذلك قسم (شرطة ثان) الزقازيق
بمحافظة الشرقية.
وأوضح
أنه "في 27 تموز/ يوليو الماضي، توفي مصطفى منتصر حامد محمد البيجرمي، بقسم شرطة
(المنتزه ثالث) بالإسكندرية"، مشيرا إلى واقعة وفاة "الشاب مصطفى ديشة، نتيجة
التعذيب في 6 آب/ أغسطس الجاري، قسم شرطة (الرمل ثان) بالإسكندرية".
ولفت
إلى أنه "في 6 آب/ أغسطس الجاري، علمت أسرة المعتقل السياسي سامي محمد سليمان،
عميد متقاعد بالقوات المسلحة المصرية (57 عاما)، ومحبوس بقسم شرطة ثان الزقازيق بالشرقية،
بوفاته بمستشفى صيدناوي، بسبب ظروف الحبس المأساوية لـ6 سنوات".
وتابع:
"وفي 8 آب/ أغسطس الحالي، وبعد فترة اعتقال دامت أسبوعين فقط، توفي المعتقل أحمد
السيد علي جاب الله (42 عاما) مهندس برمجيات، بسبب ظروف الحبس غير الآدمية والتكدس
داخل حجز قسم شرطة ثان الزقازيق بمحافظة الشرقية".
"تستر
النيابة"
وقال
العطار: "رغم ذلك وحسب مصادرنا، فإنها لم تقم النيابة العامة بدورها المنوط بها دستوريا
وقانونيا، بحماية المعتقلين والمحبوسين من بطش وتغول الشرطة، وبتفتيش ومراقبة ما يحدث
بأقسام الشرطة، والوقوف على الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون الجنائيون والسياسيون".
وأعرب
عن أسفه من أن "دور النيابة اقتصر على التستر على جرائم ضباط وأفراد الشرطة، وعدم
استدعاء بعض المحتجزين إلى مقر النيابة لسؤالهم عن ظروف وفاة زملائهم، أو التحقيق مع
المتهمين المتسببين في وفاة المجني عليهم".
ودعا
إلى "ضرورة المراجعة الدورية، والمراقبة المستمرة من الجهات المختصة لتلك الحالات
المأساوية، للوقوف على أسبابها وملابساتها، وفتح تحقيق شفاف تمهيدا لمحاسبة المقصرين
أو المتسببين فيها، وإشهار سيف القانون لردع كل من تسول له نفسه تمرير تلك الخروقات".
"120
ألف سجين"
ويصل
عدد السجون الرئيسية بخلاف مراكز الاحتجاز والأقسام في مصر إلى نحو 88 سجنا، بينها
45 سجنا جرى بناؤها في عهد السيسي.
وفي
29 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، أكد رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية ضياء رشوان،
أن "مصر لديها 120 ألف سجين، وتحتل المرتبة 127 عالميا بأعداد السجناء، وبنسبة
36 سجينا بين كل 100 ألف مواطن".
وتقدر
منظمات حقوقية عدد السجناء بنحو 120 ألف سجين، منهم حوالي 65 ألف معتقل سياسي، و55
ألف جنائي، ينقسمون إلى نحو 82 ألف سجين ينفذون العقوبة، و37 ألف محبوس احتياطي.
"ضوء أخضر"
من جانبه
قال مدير "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" خلف بيومي، لـ"عربي21"،
إن "أقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز في مصر مقار للتعذيب وامتهان الكرامة وذلك منذ
سنوات، ولقد مات المئات من المواطنين داخل الأقسام ومقار الاحتجاز".
الحقوقي
المصري، أضاف أن "أشهرهم كان الشاب خالد سعيد بمنطقة سيدي جابر بالإسكندرية في
حزيران/ يونيو 2010، والشاب سيد بلال في 6 كانون الثاني/ يناير 2011 بالإسكندرية أيضا،
إلى جانب المحامي حمدي كريم بقسم شرطة المطرية بالقاهرة شباط/ فبراير 2015، وغيرهم".
ولفت
إلى موقف النيابة العامة المثير من تلك الجرائم، موضحا أنها "وقفت موقفا ضعيفا
أو متخاذلا تجاه التحقيق مع أفراد الشرطة وإحالتهم للمحاكمة، حتى ظهر مصطلح (مفيش
حاتم بيتحاكم)"، في إشارة إلى جملة في عمل فني إثر ثورة يناير 2011، تناول جرائم
الشرطة بحق المصريين.
ويرى
الحقوقي المصري أن "إصرار الداخلية على نفي ارتكاب تلك الجرائم بمعرفة رجالها
وتقاعس النيابة، أديا في النهاية إلى ارتفاع أعداد القتلى من المسجونين والمعتقلين،
وغياب العقاب لمرتكبي تلك الجرائم".
وأكد
على أن ما وضعه السيسي من قوانين لحماية الضباط كانت إحدى أسباب استمرار هذا المسلسل
من الجرائم وعدم محاكمة الجناة.
وختم
بالقول إن "النظام أعطى الضوء الأخضر لرجاله، وهو ما صرح به السيسي أمام رجال
الجيش والشرطة، وأصدر قانونا يحمي رجال الجيش من الملاحقة"، معتبرا أنها
"خطوات تعطي ضوءا أخضر لاستمرار القتل والتعذيب".
"تحصينات
السيسي"
واتخذ
السيسي قرارات، وعدل قوانين، ووضع أخرى، لحماية الضباط المتورطين في قتل المدنيين من
المحاكمة بل ومنحهم امتيازات وحصانة قانونية، تمنع عقاب الضباط والأفراد المتورطين
بهذه الجرائم.
في 8
حزيران/ يونيو 2015، قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش": "قام السيسي وحكومته
على مدار العام الماضي، ومن خلال إصدار المراسيم في غياب برلمان منتخب، بتقديم إفلات
شبه تام من العقاب على انتهاكات قوات الأمن".
السيسي،
وفي وقت مبكر من انقلابه وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، أعلن أنه لن تتم محاكمة ضابط
ضرب قنابل غاز وخرطوش وقتل متظاهرين.
وفي
تموز/ يوليو 2018، أصدر السيسي قانونا يمنح قادة الجيش وكبار الضباط حصانة مفتوحة،
ما اعتبره مراقبون تحصينا لضباط الجيش والشرطة وحماية لهم من المساءلة عن الجرائم التي
ارتكبوها منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013.
"موجود
ومستمر"
من جانبه،
قال رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، محمد زارع: "لا يوجد رصد كامل لحالات
التعذيب في السجون أو تلك التي قُتلت جراء هذا التعذيب".
وأضاف
في حديثه لـ"عربي21"، أن "كل المعلومات يجري تداولها من خلال النشر
ببعض الصفحات عبر الإنترنت والمواقع المعارضة التي تنقل بعض الوقائع، كما أن الرصد
الدقيق أمر صعب في ظل ما تعيشه مصر الآن من ضغوط أمنية".
وأكد
الحقوقي المصري، أن "التعذيب موجود في مصر، وسيستمر طالما أن هناك عدم مساءلة
ومحاسبة للضباط والأفراد، وأتوقع طوال الوقت حدوث تجاوزات نتيجة الحماية التي يتم إسباغها
عليهم سواء في القضايا الجنائية أو السياسية".