هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكد أحدث تقرير لمؤشر "بيغ ماك إندكس"، العالمي، أن السعر العادل للدولار الأمريكي أمام الجنيه المصري عن شهر تموز/ يوليو الماضي، هو 8.93 جنيه، ما يعني أنه مقوم بأكثر من نصف قيمته، وأن مدخرات ورواتب المصريين تتآكل بشكل مخيف، وفق تقدير مراقبين.
و"بيغ ماك إندكس"، هو مؤشر عالمي يقيس القيمة العادلة للعملات أمام الدولار الأمريكي، بناء على معيار "تعادل القوة الشرائية" بين الدول باستخدام سعر ساندويتش بيغ ماك من ماكدونالدز، ومقارنته بسعره في أمريكا.
وتعادل القوة الشرائية، هي نظرية اقتصادية تنص على أن أسعار الصرف بمرور الوقت يجب أن تكون متساوية في السعر الذي يتم تحصيله مقابل سلة متطابقة من السلع بين البلدان المختلفة (في هذا المؤشر سلة البضائع هي بيغ ماك).
ووفقا لمؤشر "بيغ ماك إندكس"، فإن العملة المحلية المصرية يتم تداولها بأقل من قيمتها العادلة بـ 52.9 بالمئة، وأن الجنيه تم تداوله بنهاية تموز/ يوليو الماضي عند 18.95 جنيه، في حين أن القيمة العادلة للدولار أمامه لا تتعدى الـ8.93 جنيه.
وأوضح التقرير، في طريقة حسابه لقيمة الجنيه وفقا لمعيار تعادل القوة الشرائية أن سعر ساندويتش بيغ ماك في مصر يبلغ 46 جنيها في حين أن سعره بأمريكا 5.15 دولار، وذلك بعد ارتفاع معدلات التضخم هناك مؤخرا.
اقرأ أيضا: بنك عالمي يتوقع انهيار الجنيه المصري قريباً.. الدولار بـ22
"أكذوبة وتضليل"
وفي رؤيته، لحقيقة هذا المؤشر ومطابقته للواقع المصري، قال الخبير الاقتصادي الدكتور إبراهيم نوار، إن "مصر لا تدفع ثمن وارداتها، ولا تسدد مقابل ديونها بشطائر ماكدونالد، وهي لا تتلقى ثمن صادراتها من النفط والغاز بالقمح أو البطاطس".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أن "حكاية تقرير (big mac index) كلام (فارغ)، وهذا اختراع لمحاولة تغطية اللامساواة الحادة لتوزيع الدخل في العالم وطريقة خادعة لحساب قيمة الإنفاق".
وأكد أنه "سوف تصبح لهذا المقياس مصداقية عندما تقبل البنوك المركزية في العالم تسوية حساباتها بـ(بيغ ماك) أو يقبل مجلس الاحتياطي الهيدروليكي الأمريكي ودائع من الدول الأخرى بالبيغ ماك".
وختم بالقول: "هو أكذوبة مصنوعة لغرض التضليل الاقتصادي والاجتماعي".
تقليل نوار، من قيمة تقرير "بيغ ماك إندكس"، يتطابق مع حديث الأكاديمية المصرية وأستاذة الاقتصاد الدكتورة علياء المهدي، لـ"عربي21"، وقولها إن "(بيغ ماك) ليس مؤشرا كافيا أبدا لقياس قيمة الجنيه المصري".
وفي نفس السياق، قال المصرفي عبدالمنعم بدوي، إن "هذا المؤشر لتقييم العملات غير علمي أو اقتصادي، هو من قبيل الاجتهادات، مثال ذلك أن: الفريق المصري تعادل مع الفريق التركي، والفريق التركي هزم ريال مدريد، إذن الفريق المصري يهزم فريق ريال مدريد".
وأكد لـ"عربي21"، أن "هذه المؤشرات لا تعبر عن القيمة الحقيقية للجنيه، والقيمة الحقيقة للدولار أمام الجنيه ما بين 21 و23 جنيها للدولار، وهو ما سيكون سعر التعامل نهاية هذا العام".
وبمقارنة المعدل الذي ذكره تقرير "بيغ ماك إندكس"، لانخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار بـ52.9 بالمئة بتقديرات وكالات اقتصادية عالمية فإن الرقم يبدو كبيرا ومبالغا فيه.
وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، كشفت الثلاثاء الماضي 9 آب/ أغسطس الجاري، عن توقعات خبراء اقتصاديين بشأن الجنيه المصري، حيث قالوا إن العملة المصرية مقوَّمة بأعلى من قيمتها بنسبة 10 بالمئة، كما أنه تم قياسها من خلال سعر الصرف الفعلي الحقيقي.
ومطلع آب/ أغسطس الجاري، كسر الجنيه حاجز الـ 19 جنيها أمام الدولار للمرة الأولى منذ كانون الأول/ ديسمبر 2016، حيث انخفض الجنيه مجددا بأكثر من 20 بالمئة من قيمته منذ آذار/ مارس الماضي عندما خفض البنك المركزي المصري قيمته بنحو 14 بالمئة.
خلال تعاملات الاثنين، وصل سعر صرف الجنيه إلى 19.13 جنيه أمام الدولار، لكنه سجل في السوق الموازية نحو 20.50 جنيه مقابل الدولار.
اقرأ أيضا: مصر تفرض قيودا جديدة على عمليات الاستيراد من الخارج
"علة الجنيه ودواؤه"
وفي تعليقه قال الباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، مصطفى يوسف: "هذا المؤشر غير دقيق لأسباب، منها أن مدخلات الوجبة التي يقيس من خلالها تختلف من بلد لآخر، بجانب اختلاف تكلفة العمالة والإيجار وشراء المحلات وقيمة العلامة التجارية، وكلها تدخل بتسعير الوجبة".
ويرى في حديثه لـ"عربي21"، أنه "مؤشر أرادت أمريكا أن تفرض هيمنتها به، ولا يؤخذ على علاته وتؤخذ نتائجه في تقرير بمجلة أو جامعة ليثير حديث الناس، ولكن لا يؤخذ على أساسه أي قرارات اقتصادية".
وأضاف: "عندما يقول إن الدولار سعره 8.93 جنيه فهذا غير حقيقي، لأن هناك محددات كثيرة جدا لقيمة أي عملة، منها مثلا الفرق بين الصادرات والواردات، وقدرة البلاد على اجتذاب استثمارات أجنبية".
ويعتقد الخبير الاقتصادي، أن "انهيار قيمة الجنيه من 6 جنيهات قبيل انقلاب 2013، ما كان ليحدث بهذا الشكل لولا التعويم الأول تشرين الأول/ نوفمبر 2016، وهو من إرهاصات تفريعة قناة السويس التي استهلكت كل الاحتياطي النقدي، وذلك بجانب كلفة الفساد الرهيبة".
ولفت إلى أن "من أسباب انهيار أي عملة نظرة المستثمرين للاستثمار في البلاد، وطريقة إدارة الأموال بها، والتنمية الحقيقية، ومعدلات الادخار الحقيقية، وقوة الطبقة المتوسطة والطبقة الفقيرة".
يوسف، أوضح أن "كل هذا يُخرج مؤشرات للمستثمر الأجنبي حول وضع الاقتصاد، أضف إليها منح التصدير الحكومية، وهي جميعها نقاط قوة وضعف لأي عملة".
وأشار إلى مشكلات أخرى تتسبب في تدهور العملة منها "سوء استخدام الحصيلة الدولارية، وفوضى الاستيراد، وعدم مساعدة المصدرين، وعدم وجود تشريعات تساعد المستثمرين الأجانب، وتغول الحكومة والقوات المسلحة على الاقتصاد، وزيادة معدلات الفساد"، مؤكدا أنها جميعا "تضعف العملة".
وأكد الخبير المصري، أنه لكي لا تنهار العملة والاقتصاد لابد من التخلص من مشكلات "إساءة استخدام الاحتياطي النقدي، وإساءة استخدام الموارد، وزيادة الصادرات وتقليل الواردات، وإنهاء فوضى الاستيراد، وتشجيع الاستثمار الأجنبي".
وأضاف: "لكي تقوي عملتك وتجعل اقتصادك سليم، لابد من وجود بيئة مشجعة للاستثمار الأجنبي، ويكون لديك خطط تنموية، وخطط تعليم تجعل لديك شباب مؤهل للعمل في شركات ومصانع يفتتحها المستثمرون، وتشريعات تساعد على ذلك".
وأشار إلى "ضرورة استلهام العديد من التجارب الاقتصادية الناجحة في أوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا وحتى أفريقيا، ضاربا المثل بالتجربة الصينية والبرازيلية والتركية والماليزية كنماذج تنموية ناجحة".
ووتابع: "المشكلة في الفساد، وفي فوضى الاستيراد، وفي الطبقة الموجودة مع كل حكم فاسد أو ديكتاتوري أو سلطوي أو حكم عسكر".
اقرأ أيضا: جاويش يحذر من خطورة ما كشفته "عربي21" عن ديون مصر المخفية
"الدائرة الجهنمية"
وبشأن مدى حقيقة ذلك التقرير ومدى مطابقته للواقع في مصر، قال الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم، إن "علاقة الدولار بالجنيه في مصر لها عدة محاور وطرق لحساب القيمة الحقيقية، وهى متحركة وليست ثابتة".
وأشار في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن أحد هذه المحاور هي "الفارق بين الصادرات والواردات"، موضحا أن "هذا الفرق الذي يصل في أدنى تقدير إلى 40 مليار دولار عجز يؤدي إلى تحول الدولار إلى سلعة وليس إلى عملة يتم الاحتياج لها، والمضاربة عليه".
ولفت خزيم إلى أن "كل 10 بالمئة انخفاض في قيمة الجنيه يؤدى إلى ارتفاع التضخم 2 بالمئة، ويؤدى علاج ذلك التضخم برفع أسعار الفائدة في المركزي المصري إلى انكماش الأسواق وزيادة العجز الكلي".
وأضاف: "يؤدي ذلك إلى التعويض بالاقتراض، الذي يؤدى بدوره إلى زيادة فوائد الديون بالدولار، وزيادة الاحتياج له، وبالتالي تفقد العملة المحلية القدرة الشرائية للجنيه، وتقل قيمتها أمام باقي العملات".
الخبير المصري أوضح أن "هذا ما أطلق عليه الدائرة الجهنمية، التي أوصلت القيمة حاليا للدولار أمام الجنيه بفرق عن السعر المعلن 25 بالمئة، وهو ما يعني توافر الدولار عند 24 أو 25 جنيها مؤقتا".
وعن مدى خسارة المصريين من تقويم الجنيه بأقل من قيمته بمقابل العملات الأجنبية، بين أن "الحال يتدهور طالما لم يتم ارتفاع قيمة الصادرات، وتضييق الفجوة بينها وبين الواردات، وتواجد مصادر دولار من إنتاج حقيقي أو خدمي لسداد فؤائد القروض الخارجية".
وتابع: "وطالما يتم استبدال القروض بقروض وسداد القروض بقروض سيستمر انهيار قيمة العملة المحلية".
"آثار كارثية"
والأحد، ساق الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي إبراهيم نوار، بعض النتائج المترتبة على تقويم الجنيه بأقل من قيمته وهبوط سعره مقابل العملات الأجنبية، مبينا أن ذلك يزيد من خدمة الديون بمقدار الثلث.
وكتب عبر صفحته بـ"فيسبوك": "طبقا لتقديرات (بلومبيرغ)، تحتاج مصر إلى توفير 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري وخدمة الديون المستحقة بحلول نهاية العام المقبل، وبحساب سعر الدولار قبل قرارات آذار/ مارس الماضي، فإن هذا المبلغ كان يعادل 656 مليار جنيه مصري على أساس سعر صرف يبلغ 16 جنيها للدولار".
وتابع: "وبافتراض أن متوسط سعر الصرف في الفترة منذ بداية السنة المالية حتى نهايتها يبلغ حوالي 21 جنيها فإن احتياجات تمويل خدمة الدين وعجز الحساب الجاري ترتفع إلى 861 مليار جنيه مصري".
وأضاف أن "هذا المبلغ يزيد بمقدار 205 مليارات جنيه، أي بنسبة زيادة في الأعباء تصل إلى 31.2 بالمئة، أي بمقدار الثلث تقريبا بسبب هبوط الجنيه"، موضحا أن "خدمة الديون الخارجية فقط وتمويل عجز الحساب الجاري تعادل 9.5 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي".