في المقالات السابقة ذكرنا أن الهدف الرئيس من
إصدار
الصكوك هو الحصول على
التمويل وليس لها هدف آخر، وعرضنا الخطوط العريضة لمشكلات
مصر الاقتصادية
وأسبابها، وقد تبين لنا أن نقص التمويل هو أحد أسباب المشكلات الاقتصادية، لكنه
ليس السبب الأكبر أو الأهم الذي يمكن بإزالته أو التخفيف من حدته يتحقق ضبط لتدهور
الاقتصاد المصري أو على الأقل تخف حدته.
لكنْ للتمويل دور في إصلاح حالة الاقتصاد المصري
وإن كان يسيرا، ولعملية التصكيك وإصدار الصكوك الإسلامية أيضا دور في تحقيق هذا
الجزء اليسير من الإصلاح الاقتصادي أو المساهمة في حل المشكلات الاقتصادية
المصرية.
لكن كيف؟
أولا: ضبط الخلل في قانون الصكوك السيادية رقم 138
لسنة 2021 الذي أصدرته الحكومة، وذلك بإضافة مادة للقانون تلزم الجهات مصدرة
الصكوك بالالتزام بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية، ولا يجب أن تحال هذه النقطة
لنشرة الإصدار، بل يجب أن تكون نشرة الإصدار متوافقة مع هذا الضابط الشرعي المهم
الواضح في القانون.
استكمالا للضبط من الجانب الشرعي يجب أن تنشئ وزارة المالية وحدة ذات طابع خاص لغرض تنظيم وإدارة إصدارات الصكوك الحكومية، تعتبر الوحدة المركزية لإصدارات الصكوك الحكومية
وكذلك إضافة الضابط الشرعي الأساس والخاص بعدم استرداد قيمة الصك
بالقيمة الإسمية، لأنه يعتبر أحد الضوابط الشرعية للتفريق بين معاملة اقتصادية
حقيقية تخضع فيها المعاملة لقاعدة الغنم بالغرم، وعملية ربوية تضمن رأس المال مع
العوائد المحددة في عقد الصك (نشرة الإصدار).
ثم استكمالا للضبط من الجانب الشرعي يجب أن تنشئ
وزارة المالية وحدة ذات طابع خاص لغرض تنظيم وإدارة إصدارات الصكوك الحكومية،
تعتبر الوحدة المركزية لإصدارات الصكوك الحكومية، يصدر بتشكيلها وتعيين مجلس
إدارتها قرار من وزير المالية، وتحدد اللائحة التنفيذية لقانون الصكوك السيادية
علاقاتها بأجهزة الدولة وهيكلها الإداري والمالي. وتقوم هذه الوحدة المركزية بكافة
المهام التي تقوم بها الشركة ذات الغرض الخاص التي تمتلكها كل جهة تريد إصدار صكوك،
عدا الوكالة عن حملة الصكوك. وبهذا تصبح هذه الوحدة مستقلة تماما عن الجهات طالبة
التمويل بالصكوك السيادية.
أيضا إضافة في القانون تسمح بأن ينشئ مجموعة مشترين للصكوك السيادية
شركة مساهمة ذات غرض خاص تبدأ بعدد مشترين متوافقين، ينضم إليها كل حَمَلة الصكوك،
وبالتالي ستكون مملوكة بالكامل لحملة الصكوك، وتنقل إليها حقوق منافع الأصول التي
أصدرت الصكوك على أساسها، وتنتهي هذه الشركة بانتهاء مدة الصكوك الخاصة بها.
ثانيا: يضاف لصلاحيات الهيئة العامة للرقابة
المالية مهمة الإشراف على الوحدة المركزية لإدارة وإصدار الصكوك بإنشاء إدارة خاصة
لهذا الغرض، تكون مهمتها التأكد من عدة أمور؛ أهمها، مدى حاجة الجهة طالبة التمويل
لإصدار الصكوك، وكم قدر التمويل الذي يغطي احتياجاتها الحقيقية، ومدى استخدام التمويل
الناتج عن إصدار الصكوك في الغرض الذي تم من أجله، ومدى تطبيق قانون الصكوك وعدم
الانحراف عنه، ومدى دقة تقييم الأصول التي ستصدر الصكوك وفقا لها، والتأكد من
مطابقة نشرة الإصدار للقانون خاصة الجانب الشرعي منه، والعلاقات والارتباطات بين
الجهة طالبة التمويل وأي جهة أخرى ذات علاقة بعملية إصدار الصكوك، ومدى أثر كون
حملة الصكوك من غير المواطنين (حَمَلة الصكوك الأجانب) على الجوانب السياسية
والاقتصادية والاجتماعية للوطن.
تحديد دقيق للاحتياجات المالية للجهة طالبة التمويل، بحيث لا تصدر صكوكا إلا قدر الاحتياجات اللازمة والضرورية لتوفير متطلب لازم وضروري لزيادة إنتاج أو لتطوير منتج أو لتطوير أداء الموارد البشرية، أو غيرها
ثالثا: تحديد دقيق للاحتياجات المالية للجهة طالبة
التمويل، بحيث لا تصدر صكوكا إلا قدر الاحتياجات اللازمة والضرورية لتوفير متطلب
لازم وضروري لزيادة إنتاج أو لتطوير منتج أو لتطوير أداء الموارد البشرية، أو
غيرها مما يحقق رؤية للجهة طالبة التمويل تم إعدادها وإقرارها واعتمادها من صاحب
الاعتماد، بحيث تحقق عملية التصكيك أهدافا إنمائية وتطويرية حقيقية للجهة طالبة التمويل،
يمكنها قبل نهاية مدة الصكوك أن تحقق أهدافها وتكتفي ذاتيا ولا تضطر لطلب تمويل
مرة أخرى.
رابعا: يجب عرض الصكوك للاكتتاب على الممولين
المصريين، سواء من المقيمين بمصر أو العاملين في الخارج، وسواء كان التمويل مطلوبا
بالعملة المصرية أو بإحدى العملات الأجنبية. يتم عرض الاكتتاب لفترة يحددها
القانون ولا يتيح عرض الصكوك على الممولين الأجانب قبلها، مع وضع ضوابط تحدد الجهات
التي لا يمكن أن يتاح للأجانب تملك الصكوك المصدرة على أصولها.
أما الجوانب التي يمكن أن يكون للصكوك أثر في حل
مشكلاتها التمويلية وتسهم في حل المشكلات الاقتصادية لمصر فهي:
يمكن أن تكون الصكوك مساهمة جيدة لتمويل إصلاح العملية التعليمية
لتوفير مدخلات العملية التعليمية، من توفير مبان تعليمية مناسبة مجهزة بتقنيات
حديثة للتعليم، ومن تأهيل الموارد البشرية بدءا من العاملين الإداريين مرورا
بالمعلمين انتهاء بالإدارة العليا. ويجب أن توضع رؤية حقيقية لتطوير التعليم
بتحديد صورة المخرج النهائي لها الذي يتناسب مع المواصفات العالمية لمخرجات
التعليم، ويجب أن تتم دراسة متخصصة في تطوير العملية التعليمية، وما الأصول التي
يمكن أن تصدر على أساسها الصكوك لتمويل تحقيق الرؤية الخاصة بالتعليم بكامل
مكوناته.
يمكن أن تكون الصكوك مساهمة في توفير التمويل اللازم لتحسين المناخ
الاجتماعي من خلال توفير أدوات ووسائل تحسين المناخ الاجتماعي؛ من تأهيل داخلي
وخارجي وتبادل الخبرات مع المجتمعات المتقدمة، مما يسهم في دعم سبل التنمية
الاقتصادية التي تساعد في معالجة المشكلات الاقتصادية على المدى الطويل. ويجب أن
تتم دراسة متخصصة في مكونات المناخ الاجتماعي التي يمكن أن يكون داعما للتنمية
الاقتصادية مستقبلا، وتحدد الدراسة أيضا الأصول التي يمكن أن تصدر الصكوك على
أساسها لتوفير هذا التمويل.
يمكن أن تكون الصكوك مساهمة جيدة في توفير التمويل اللازم للإصلاح
الإداري للدولة، من خلال إعادة هيكلة الجهاز الإداري وإعداد الوصف الوظيفي
المعياري، وتحديد الكفاءات والجدارات اللازمة لها لشغل الوظائف وأداء المهام
الإدارية المنوطة بالجهاز الإداري. ويجب أن تتم دراسة متخصصة لوصف الواقع وتحديد
متطلبات تطوير الإداري للدولة ومنها التمويل، أيضا دراسة الأصول التي يمكن أن تصدر
على أساسها الصكوك.
حلول أساسية تتمثل في إرادة وطنية حرة مستقلة غير تابعة أوخاضعة أو خانعة لأي قوى خارجية ولأي سبب، ولاؤها للوطن، تتحرى قيم العدل والصدق والأمانة والموضوعية وتسعى لإنقاذ الوطن من كبوته وقيادته لتحقيق نهضة حقيقية، تستلهم من تاريخ الأمة ومن تجارب الواقع الإقليمي والدولي ما يدعمها في تحقيق إرادتها
أما غير
ذلك من المشكلات الكبرى للاقتصاد المصري، مثل عجز الموازنة أو عجز ميزان المدفوعات
أو الديون العامة داخلية وخارجية أو التضخم أو الفقر والفقر المدقع، فأنا أعتقد
جازما أن مزيدا من إصدار الصكوك لعلاجها لن يكون إلا مزيدا من تراكم الديون
الداخلية والخارجية، إضافة إلى مزيد من التغول بل والتوحش للفساد المالي والإداري،
مع مزيد من بيع أصول مصر دون الحاجة لذلك ودون الاستفادة الحقيقية من عائدات بيعها
ولو وفق قانون الصكوك.
إذن ما الحل لمشكلات مصر الاقتصادية؟
حلول أساسية تتمثل في إرادة وطنية حرة مستقلة غير
تابعة أو خاضعة أو خانعة لأي قوى خارجية ولأي سبب، ولاؤها للوطن، تتحرى قيم العدل
والصدق والأمانة والموضوعية وتسعى لإنقاذ الوطن من كبوته وقيادته لتحقيق نهضة
حقيقية، تستلهم من تاريخ الأمة ومن تجارب الواقع الإقليمي والدولي ما يدعمها في
تحقيق إرادتها.. تقوم هذه الإرادة الحرة بالقضاء على أسباب المشكلات الاقتصادية
وفق أسس علمية وبالتدرج الذي هو من سنن الله في خلقه، ومن غير توفر هذه الإرادة
فنكون كالذي يحرث في الماء ويطحن في الهواء وقل على الوطن السلام.