هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة
الخارجية المصرية، الدكتور عبد النبي عبد المطلب، إن "قيمة الجنيه المصري أمام الدولار
ستصل إلى ما يقرب من 25 جنيها، وذلك بعدما يتم الإعلام الرسمي عن التعويم الثاني
للجنيه خلال الفترة التي ستعقب إعلان الاتفاق الجديد بين القاهرة وصندوق النقد
الدولي".
وأكد الخبير الاقتصادي، في مقابلة خاصة مع
"عربي21"، أن "قيمة الديون الخارجية التي ينبغي على مصر تسديدها
قبل نهاية 30 حزيران/ يونيو 2023، تصل إلى نحو 35 مليار دولار، وهذا انطلاقا من
الأرقام الرسمية الواردة في الموازنة العامة للدولة".
وأرجع الخبير جزءا كبيرا من تفاقم الأزمة الاقتصادية
إلى "قيام الحكومة في السابق بتشجيع الأموال الساخنة التي دخلت الاقتصاد
المصري للاستفادة من الأرباح، إلا أن كميات هائلة من تلك الأموال الساخنة خرجت من
مصر في أعقاب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بعدما رأت أن الاقتصادات العالمية
أكثر جاذبية لها".
وكشف عبد المطلب، وهو أستاذ العلوم الاقتصادية
في عدد من الجامعات المصرية، أن "هناك ما يزيد على الـ20 مليار دولار من الأموال
الساخنة خرجت من مصر خلال أشهر قليلة"، وهو ما اعتبره "ضربة قاسية لن
يتحملها أي اقتصاد في العالم".
وفي ما يأتي نص المقابلة الخاصة مع
"عربي21":
هناك جدل بشأن قيمة الديون الخارجية التي ينبغي على مصر تسديدها خلال العام الجاري.. فكم تبلغ قيمة هذه الديون تحديدا؟
مسألة تحديد قيمة حقيقية ومؤكدة لحجم الديون
سواء من فوائد أو أقساط يجب على مصر تسديدها خلال فترة معينة هي موجودة كرقم مجمل
في الموازنة العامة للدولة. وطبقا لما هو منشور من التزامات مصر الخارجية حتى
نهاية 30 حزيران/ يونيو 2023، فإن المطلوب تسديده يصل إلى نحو 35 مليار دولار.
والمشكلة في اختلاف أو تضارب الأرقام سببها
قيام مصر بوضع هذه الأرقام في موازنتها العامة بالجنيه المصري، وبالتالي فقيمة هذه
المبالغ تختلف كلما اختلف سعر صرف الجنيه مقابل الدولار. وعندما يتحدث البعض عن
آجال استحقاق لديون معينة فإنه ربما يتحدث عن شهر أو 3 أشهر أو 6 أشهر على سبيل المثال.
لكن أفضل مصدر نستطيع الحصول منه على الأرقام
الدقيقة هو بيان الموازنة العامة للدولة، والذي حدد بتفصيلات كاملة حجم الالتزامات
من الأقساط والفوائد للديون الخارجية خلال الفترة من 1 تموز/ يوليو 2022 وحتى
نهاية 30 حزيران/ يونيو 2023، وهي كما جاءت في مصادر وزارة المالية 35 مليار
دولار.
إلى أي مدى اقترب موعد التعويم الثاني للجنيه المصري؟
موعد التعويم مرتبط بالاتفاق مع صندوق النقد
الدولي، ولن تُقدم الإدارة الاقتصادية المصرية المُتمثلة في وزارة المالية أو
البنك المركزي في الوقت الحالي على اتخاذ أي قرارات تمس العملة المصرية، سواء من
حيث تخفيض قيمة الجنيه أو تثبيته أو رفع سعر الفائدة من عدمه، لأن كل الأمور
المتعلقة بالسياسات المالية والنقدية ترتبط ارتباطا وثيق الصلة بحجم التقدم أو
التقهقر في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، والتي قال رئيس الوزراء إنها
في مراحلها الأخيرة.
لذلك، لن يكون هناك إعلان عن تعويم جديد للجنيه
المصري -سواء تعويما جزئيا مُدارا أو تعويما كاملا- قبل الوصول إلى اتفاق حقيقي مُعلن
مع صندوق النقد الدولي يتم الإعلان عنه خلال مؤتمر صحفي، وتعلن الحكومة المصرية
التزامها بهذا الاتفاق. أما قبل ذلك فأعتقد أن مسألة تحريك سعر الصرف ما بين
الانخفاض والارتفاع ستكون بنسب قليلة تتراوح ما بين 1% إلى 2% حتى يتم الاتفاق
بشكل نهائي مع الصندوق.
كم ستبلغ قيمة الجنيه المصري بعد التعويم الثاني وفق تقديركم؟
قيمة الدولار مقابل الجنيه في ظل الظروف
الحالية لن تقل بأي حال من الأحوال عن 22 جنيها، وربما قد تصل الأمور إلى أكثر من
ذلك، وهذا مرتبط بالفترة الزمنية للتفاوض مع صندوق النقد الدولي؛ فكلما
طالت هذه الفترة كلما كانت احتمالات ارتفاع الدولار أو تخفيض قيمة الجنيه أكبر،
وكلما قلت وتم الوصول لاتفاق مريح إلى حد ما للاقتصاد المصري سوف تكون الزيادة في
سعر الدولار قليلة، لكن في تقديري حتى الآن سوف يكون الدولار مقوما ما بين 22 إلى
25 جنيها خلال الفترة التي ستلي إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
برأيكم، ما الانعكاسات المحتملة للتعويم الثاني للجنيه؟
التعويم يعني انخفاض قيمة الجنيه أمام العملات
الأجنبية، وخاصة الدولار، وهذا بالتأكيد سوف يؤدي إلى ارتفاع أسعار جميع السلع
والخدمات. ولقد تابعنا جميعا ما حدث خلال التعويم الأول في العام 2016، وربما لن
تكون حدة الارتفاعات المقبلة بنفس قسوة ارتفاعات الأسعار التي حدثت في 2016. لكن
المشكلة أن المواطن المصري يعاني حاليا من مشاكل كبيرة جراء ارتفاع أسعار الوقود،
والغذاء، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وانتشار وباء كورونا، وبالتالي فهناك
مشاكل يعاني منها العالم وبالتبعية المجتمع المصري، وبالتالي عندما يتم إضافة أعباء
جديدة من خلال ارتفاع أسعار الدولار وتخفيض قيمة الجنيه، فإن معاناة المواطن
المصري سوف تزيد بكل تأكيد، وسوف ترتفع جميع أسعار السلع والخدمات الموجودة في
مصر، وسوف يؤدي هذا إلى سقوط عدد غير قليل ممن نسميهم الطبقة الوسطى أو الطبقة
الغنية في براثن الفقر، إذ سوف تنخفض إمكانياتهم ودخولهم، الأمر الذي يعني زيادة
عدد الفقراء ونسبة الفقر في البلاد.
وسائل إعلام أعلنت أن قيمة القرض الجديد من صندوق النقد الدولي ستصل إلى 3 مليارات دولار بعدما قيل سابقا إن قيمته ربما تصل إلى نحو 10 مليارات دولار.. فما الأسباب التي أدت لهذا التراجع الكبير في قيمة القرض؟ وما التبعات المرتقبة لهذا القرض؟
تحديد قيمة القرض من صندوق النقد الدولي للدول
المتفاوضة مع الصندوق يخضع لمجموعة عوامل، جزء أساسي منها هو حصة هذه الدولة لدى
الصندوق، والمؤشرات الاقتصادية لهذه الدولة ومدى التزامها بمنهج وإجراءات
وقرارات صندوق النقد الدولي. وهناك جزء مهم جدا ينظر إليه خبراء الصندوق هو وضع
المديونية الخارجية للدولة التي يتفاوضون معها.
إلا أنني أعتقد أن الثلاثة مليارات دولار تعتبر
مبلغا معقولا، لأننا لو افترضنا أن مصر سوف تحصل من الصندوق على 100 مليار دولار -وهو
رقم خيالي بالطبع- فلن يتم إرسال هذا المبلغ دفعة واحدة، ولا خلال عام واحد، لأنه
مهما كانت قيمة القرض فسوف يتم تقسيمه على عدد سنوات كشرائح، والشريحة السنوية
ستكون من 3 إلى 5 مليارات دولار، أي أنه مهما كانت قيمة القرض فلن تحصل مصر منه
على أكثر من 5 مليارات دولار، ولذلك فإن إدارة الصندوق ومصر اختارا الخيار الأفضل
والمناسب الذي يتماشى مع حصة القاهرة وإمكانياتها حاليا.
بالإضافة إلى ذلك، هناك بعض الأصوات المصرية
الرافضة لزيادة قيمة القروض، خاصة بعدما شهدنا ما يعانيه الاقتصاد المصري حاليا
جراء ارتفاع القروض، خاصة القروض الخارجية، وزيادة نسبة استحواذها على مدخولات
النقد الأجنبي في مصر لسداد الفوائد والالتزامات، وبالتالي فإن هذه المسألة كان
حولها توافق داخل الإدارة المصرية، وأيضا كانت استجابة لرغبة صندوق النقد الدولي
لعدم توسيع الائتمان الممنوح لجمهورية مصر العربية في ظل ظروف ارتفاع القروض
وزيادة نسبة الأقساط والفوائد في الموازنة العامة للدولة.
وكيف ترى الشروط الجديدة لصندوق النقد الدولي؟ وهل ستستجيب الإدارة المصرية لها؟
مصر حصلت على قرض من الصندوق خلال الفترة 2016
و2019، بينما لم تنفذ توصيات الصندوق كاملة، لكن ذلك كان بسبب جائحة كورونا. وأخشى
أن تشدّد الصندوق حاليا هدفه كسر الإرادة المصرية، كنوع من الثأر لخسارة إدارة
الصندوق كافة جولات المفاوضات التي خاضها الصندوق مع الإدارة المصرية.
ورفض مصر لشروط صندوق النقد الدولي، مهما كانت
قسوتها، يعد أمرا مستحيلا، خاصة أن الدولة وقعت اتفاقا موازيا مع البنك الدولي
لتمويل عدة مشروعات في مجال التنمية المستدامة، ورفع كفاءة البنية التحتية في مصر،
وأرى أن عدم إتمام الاتفاق مع الصندوق وقبول شروطه، سيلغي الاتفاق مع البنك
الدولي، وهذا لن تحتمله الإدارة المصرية.
ولهذا، طالبت عشرات المرات، وما زلت أطالب،
بضرورة إشراك الكفاءات الاقتصادية المصرية من خارج الأجهزة الرسمية، في إدارة
المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى أفضل شروط ممكنة.
وليس هناك شك في أن مشكلة توافر العملات
الأجنبية يمثل ضغوطا كثيرة على الإدارة الاقتصادية في ظل المفاوضات الدائرة حاليا
مع صندوق النقد الدولي؛ فالدولة تحتاج إلى الحفاظ على الاحتياطي النقدي لدى البنك
المركزي المصري بما يحقق تغطية واردات الدولة لأكثر من ثلاثة أشهر، وفى ظل التزامات
مصر الخارجية خلال النصف الحالي من عام 2022 فإن قدرة البنك المركزي على توفير
التمويل اللازم للواردات سوف يكون في منتهى الصعوبة.
وبالتالي فالإدارة الاقتصادية المصرية في حاجة
إلى اتخاذ قرارات عاجلة تساهم في إعادة الحياة للسوق المصرية من جهة، وتحافظ على
مؤشرات الاقتصاد المصري من ناحية أخرى.
وماذا عن رؤيتكم للاستحواذات الخليجية على بعض الأصول المصرية؟
الاستحواذات أو مبادلة الديون بأصول أو زيادة
الاستثمار المباشر من خلال الخصخصة هي مناهج ومدارس فكرية كثيرة جدا في إدارة
الاقتصاد العالمي. وجزء مما يحدث حاليا بمصر هو محاولة للابتعاد عن مسألة الودائع
لدى البنك المركزي أو القروض التي ينتج عنها فوائد، ومن هنا فقد بدأت الإدارة المصرية بالاتجاه نحو أساليب مبادلة الديون بالأصول أو تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر
من خلال عرض مساهمات في بعض الشركات الناجحة أو حتى ببيع بعض الوحدات الإنتاجية
المصرية، وربما يكون ذلك مقبولا في النظريات الاقتصادية العالمية، لكن المهم أن
تتم إدارة تلك الخطوات بشكل كفء وجيد بحيث تحقق منفعة حقيقية للاقتصاد المصري، وكي
لا تكون المسألة مجرد مبادلة أصل بدين دون تحقيق منافع أو مكاسب للاقتصاد المصري.
ما الأسباب الحقيقية والرئيسية التي أدت إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية؟
جزء مهم جدا من تفاقم الأزمة كان بسبب تشجيع
الأموال الساخنة؛ ففي الوقت الذي بدأ فيه الخبراء المصريون يحذرون من خطورة
الأموال الساخنة التي سوف تدخل الاقتصاد المصري للاستفادة من الأرباح التي يتم
تقديمها في أدوات الدين المختلفة كانت الحكومة المصرية تعتقد وترى وتتفاخر بأن هذه
الأموال المتدفقة إلى الاقتصاد المصري سوف تؤدي إلى رفع قيمة الاحتياطي، وسوف تزيد
الثقة في الاقتصاد المصري، وستساهم بشكل كبير جدا في ضمان استقرار الأسعار وعدم
حدوث أي اختناقات في الواردات وعدم حدوث هزات في سعر الصرف.
لكن المشكلة أن الرياح جاءت بما لا تشتهي
السفن؛ فقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى ارتفاع أسعار الغذاء ثم التضخم الذي
بدأ يضرب الأرصدة العالمية، فضلا عن ما شهدناه من جفاف أثّر على المحاصيل في الكثير
من الدول الأوروبية وحتى في أمريكا وكندا. كل ذلك أدى إلى ارتفاع نسب معدلات
التضخم، قابلتها البنوك المركزية الأوروبية والأوروبية برفع أسعار الفائدة، ومن
هنا وجدت الأموال الساخنة التي كانت مُستثمرة في أدوات الدين المصري أن الاقتصادات
العالمية أكثر جاذبية لاستثمار أموالهم، فبدأت بالخروج بكميات كبيرة جدا. ولك أن
تتخيل أثر خروج ما يزيد على الـ20 مليار دولار خلال عدة أشهر قليلة. بالتأكيد هي ضربة
قاسية لن يتحملها أي اقتصاد في العالم.