ما زال التوتر
الإسرائيلي الأمريكي يشهد مدّا وجزرا بشأن
استثمارات
الصين المتصاعدة في دولة الاحتلال، لا سيما في مشاريع البنية التحتية، التي
تستهلك من بكين مئات مليارات الدولارات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ما يدفع الولايات
المتحدة التي تتابع عن كثب تصاعد النفوذ الصيني لمحاولة كبح جماحها، وتتوقع أن أصدقاءها،
بما في ذلك إسرائيل، ستحشد لمحاربة الصين، وهذا ما ليس مؤكدا، لاسيما أن الصين باتت
ترى في الشرق الأوسط ساحة مهمة لها أبعد من النفط.
مع العلم أن الخطوات الأمريكية الأخيرة بالتخلي التدريجي
عن الشرق الأوسط، وتقليل اعتمادها على النفط المنتج في المنطقة، دفعت الصين إلى المسارعة
لملء الفراغ في مختلف مناطق التنافس، ومنها دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى وصلت تل
أبيب وبكين إلى نقطة تحول مفصلية بإقامتهما نوعا من الشراكة في مختلف المجالات الاقتصادية، ما زاد من ضغوط واشنطن على تل أبيب للتوقف عن هذا المسار المعارض لمصالحها في المنطقة.
تومي شتاينر مدير السياسة في مجموعة "SIGNAL" للعلاقات الإسرائيلية الصينية،
ذكر أن "وجهة النظر الأمريكية تعتبر إسرائيل ذات دور مركزي في الشرق الأوسط لتصدّر
الحملة ضد الصين، لا سيما في مجال التكنولوجيا، بعد أن حلت الحرب التقنية محل الحرب
التجارية منذ زمن بعيد، وأدركت شركة "آبل" من تلقاء نفسها أنه لا يمكن استخدام
الصين كقاعدة وحيدة لتجميع منتجات "آيفون"، ولذلك بدأت في نسخ خط التجميع
إلى الهند، وبعد أن فكرت شركة "إنتل" ببناء مصنع جديد لتصنيع الرقائق في
الصين، فإنها سرعان ما تخلت عن الفكرة".
وأضاف في مقال نشره موقع "
القناة 13"، وترجمته
"عربي21" أن "جزءًا من الجهود الأمريكية لوقف توجه إسرائيل نحو الصين
ما أعلنتاه مؤخرا عن إقامة حوار استراتيجي حول التكنولوجيا لتعزيز التعاون بينهما في
مجال البحث والتطوير التكنولوجي على أعلى مستوى، فالولايات المتحدة تبدي رغبة بتعبئة
إسرائيل للمساعدة في ترجيح كفتها خلال تنافسها مع الصين، ويشمل الحوار "إدارة
المخاطر في أنظمة الابتكار"، وهي صيغة دبلوماسية لمنع تسرب التكنولوجيا الإسرائيلية
إلى الصين".
وأكد أن "الإعلان الأمريكي الإسرائيلي المشترك يضع الأساس
لاحتمال أن يُطلب من إسرائيل فرض قيود على صادراتها إلى الصين، وهي فرصة لتعميق المشاركة
الأمريكية، والاستثمارات في الابتكار الإسرائيلي، وهذا لن يكفّ أيدي الصينيين عن مواصلة
التوجه نحو منطقة الشرق الأوسط، التي باتت بالنسبة لها ساحة مهمة أبعد من النفط، ولذلك
فقد أتبعت الصين زيارة بايدن للمنطقة، وأرسلت رسالة حادة ومباشرة لإسرائيل بعدم السماح
للضغط الأمريكي للإضرار بالعلاقات بينهما".
ليس سرّا أن اتفاقيات التطبيع عملت على تحسين الموقف الصيني
تجاه دولة الاحتلال، لأن علاقاتهما مهمة للأخيرة، خاصة عندما يزداد تفاهمهما تجاه ضرورة
إدارة المخاطر في
العلاقات المتبادلة، مع أن استمرار التنافس الصيني الأمريكي سيظل
يطرح معضلات لصناع القرار في تل أبيب، وسيواجه شركاؤها الجدد في أي معاهدة تساؤلات
مماثلة، سواء مع واشنطن أو بكين.
في الوقت ذاته، فقد يكون هناك رضا أمريكي عن نتيجة الضغط
على حلفائها، بما في ذلك إسرائيل، لتجنب الاستثمارات الصينية، ولعل ذلك تمثل أخيرا
بإعلان السعودية والولايات المتحدة عن مشروع مشترك لتطوير تقنيات اتصالات من الجيلين
الخامس والسادس، بهدف إضعاف سيطرة شركة هواوي الصينية، وقبل بضعة أسابيع وقع الرئيس
بايدن قانونًا يخصص 280 مليار دولار لتعزيز صناعة الرقائق والبحث التكنولوجي والتطوير
في الولايات المتحدة.
القناعة الإسرائيلية أن الصين أقامت وجودًا استراتيجيًا في
الشرق الأوسط من خلال استثمارات تصل إلى مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية
التقليدية، كالموانئ على سبيل المثال، والمعلومات والتكنولوجيا بدءًا بشبكات الاتصالات،
إلى كابلات الاتصالات البحرية، وانتهاءً بمشاريع المدن الذكية، وغيرها، ما قد يعيق
الجهود الأمريكية على دولة الاحتلال لمنعها من الانخراط في هذه المشاريع الصينية التي
تدرّ عليها أرباحا مالية هائلة.