يهدد انعدام الاستقرار في سوق
الأسمدة عالميا
بحدوث أزمة في الغذاء، فضلا عن ارتفاع أسعارها على مستوى العالم، بحسب تحذيرات
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الثلاثاء، التي أطلقها في كلمته أمام
الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقررت الحكومة
المصرية، قبل أيام، زيادة أسعار
الغاز الطبيعي المورد لمصانع الأسمدة الآزوتية، وألا يقل الحد الأدنى لسعر البيع
عن 4.5 دولار لمليون وحدة حرارية، وتم تحديد آلية التسعير وفقا لمعادلة سعرية
جديدة تأخذ في الحسبان سعر طن اليوريا الموردة للحكومة وسعر تصديرها، على أن يتم تحديث
هذه الآلية شهريا.
في كانون الثاني/ يناير الماضي، ألغى مجلس
الوزراء قرارا سابقا يسمح للمنتجين بتصدير 35% من إجمالي الإنتاج، وألزمهم بتوريد
10% من الإنتاج إلى السوق المحلي الحر، و55% إلى منظومة الأسمدة المُدعمة، لكن
قرار إلغاء الحصص لم يُعلن عنه بشكل رسمي بعد، وفق صحف محلية.
الأسمدة الآزوتية التي ستخضع لأسعار الغاز
الجديدة في القرار هي "اليوريا والنترات"، والتي يستخدمها المزارعون
بشكل واسع لزيادة إنتاجية المحصول، وتوفرها الدولة بسعر مدعم، وهو سعر التكلفة،
وبالتالي فإن زيادة سعر التكلفة سوف يؤدي إلى زيادة السعر المدعم.
تضاعف أسعار الأسمدة
ويبلغ سعر الطن من الأسمدة المدعم 4500 جنيه،
ويمكن للمنتجين أن يطلبوا من الحكومة السماح لهم برفع أسعار الأسمدة المدعومة مع
ارتفاع التكاليف، وسمحت الحكومة بالفعل للشركات برفع الأسعار بنسبة 50% في كانون
الأول/ ديسمبر، بعد الزيادة الأخيرة في أسعار الغاز الطبيعي.
وكانت الحكومة المصرية رفعت أسعار الغاز في
تشرين الأول/ أكتوبر 2021، ليصبح عند 5.75 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية
لصناعة الأسمنت والحديد والصلب والأسمدة والبتروكيماويات، أو طبقا للمعادلة
السعرية الواردة في العقود، كما يحدد سعر مليون وحدة حرارية بريطانية لكافة
الأنشطة الصناعية الأخرى عند 4.75 دولار.
وتنتج مصر نحو 10 ملايين طن سنويا من النترات
والأسمدة الآزوتية وغير الآزوتية، وهي ضعف ما تحتاجه البلاد من الاستهلاك المحلي،
فيما بلغت قيمة صادرات قطاع الأسمدة نحو 2.3 مليار دولار في 2021.
الأسمدة عصب الزراعة
عن أهمية الأسمدة للفلاح والزراعة، يقول نقيب
الفلاحين
المصريين، حسين أبو صدام، إن "الأسمدة تعد الغذاء الرئيسي للمحاصيل الزراعية،
ولا توجد زراعة من دون أسمدة، وفي الماضي كان الناس يعتمدون على خصوبة التربة، وكان
عدد السكان قليلا، ولكن مع دخول الميكنة يمكن زراعة الأرض ثلاث مرات في العام،
ونحن في احتياج دائم للأسمدة".
وفي تصريحات لـ"عربي21"، قلل أبو
صدام من تأثير ارتفاع أسعار الأسمدة على الفلاحين في مصر "لأن الحكومة
المصرية تلزم
مصانع الأسمدة بتوريد 45% من إنتاجها أو حوالي 4500 طن سنويا بسعر
التكلفة إلى وزارة الزراعة، وهو أقل من سعر السوق الحر بنحو 50%، وأي زيادة جديدة لن تكون كبيرة وستكون غير مؤثرة".
وتوقع أن "تطلب المصانع زيادة سعر توريد
السماد المدعم بعد زيادة أسعار الغاز الطبيعي، وبالتالي زيادة قيمة التكلفة على
المصانع، خاصة أن الغاز الطبيعي هو أحد أهم مدخلات الإنتاج في صناعة الأسمدة بكل
أنواعها، وسيكون المتضرر هو الفلاح الذي يحتاج إلى كميات أسمدة أكبر بسبب نوع
المحصول أو نوع التربة، وسوف يحصل عليها بسعر حر".
مصر على مؤشر الغذاء والجوع
بحسب آخر بيانات مؤشر الأمن الغذائي العالمي
لعام 2021، التابع لـ"إيكونوميست إمباكت"، الذي يقيس القضايا الأساسية
للأمن الغذائي عبر 113 دولة، احتلت مصر المرتبة الـ11 عربيا والـ62 عالميا، وهي مرتبة
تعني أن وضع الأمن الغذائي رهن التطورات الخارجية.
وتعاني مصر من مستوى معتدل من الجوع، حيث تحتل
المرتبة الـ61 من أصل 117 دولة، وفقاً لمؤشر الجوع العالمي لعام 2019 لبرنامج الأغذية
العالمي، مشيرا إلى أن القدرة على تحمل تكاليف الغذاء ونوعيته وسلامته تظل من أكثر
التحديات إلحاحاً، حيث تواصل مصر الاعتماد على الأسواق العالمية لتوفير أكثر من نصف
سلعها الأساسية.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة
(الفاو) إن الجوع في العالم العربي مستمر في الارتفاع، ودعت في تقرير لها إلى
إحداث تغييرات جذرية في أنظمة الأغذية الزراعية في المنطقة العربية لتوفير الأمن
الغذائي والتغذية للجميع.
ويبلغ عدد الجياع في البلدان العربية 69 مليون
شخص في عام 2020، وبحسب تقرير منظمة الفاو، يستمر الجوع في العالم العربي
بالارتفاع، مع زيادة بنسبة 91.1 في المئة منذ عام 2000.
الاستفادة من ارتفاع الأسعار عالميا
أوضح أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة،
الدكتور جمال صيام، أن "السماد الآزوتي، خاصة اليوريا، مهم للغاية للفلاح
وللمحصول، ويستخدم ما بين 3 و5 شكائر (الشكارة تساوي 50 كجم) من الأسمدة لكل فدان،
عدم استخدام الأسمدة يفقد الفدان نحو 40% من إنتاجه".
فيما يتعلق بزيادة أسعار الغاز الطبيعي لمصانع
الأسمدة، أكد لـ"عربي21" أن "هناك أزمة مستمرة ما بين ثلاثة أطراف؛ الحكومة والمزارع وشركات الأسمدة، الأخيرة تريد تصدير إنتاجها بالدولار وتحقيق
أرباح، والحكومة تريد الاستفادة من ارتفاع أسعار الغاز وتلزم الشركات بتوريد 55%
من إنتاجها لوزارة الزراعة والسوق الحر، والباقي يمكن تصديره للخارج مع تحصيل رسوم
تصدير 2500 جنيه للطن؛ لأن أسعاره عالميا مرتفعة".
وأعرب صيام عن اعتقاده بأن "بيع طن السماد
عند 4500 جنيه للطن هو أقل من سعر التكلفة، وقد يتسبب في خسائر أو يقلل من أرباح
شركات الأسمدة، بالتالي فإن الشركات قد تطلب زيادة سعر طن الأسمدة المدعم أسوة
بارتفاع أسعار الغاز، وحتى الآن لم يصدر قرار حكومي بهذا الأمر، وهو ما حدث العام
الماضي بزيادة أسعار الأسمدة بعد زيادة أسعار الغاز".
وحث خبير الاقتصاد الزراعي "الحكومة
المصرية على شراء المحاصيل الزراعية الاستراتيجية مثل القمح والأرز بالسعر العالمي
إذا رغبت في زيادة سعر الأسمدة المدعمة؛ حتى لا يتأثر بتلك الزيادة"، مشيرا
إلى أن "الحكومة قامت بشراء بعض المحاصيل بأسعار منخفضة عن السعر العالمي،
وهددت بعدم صرف السماد، وفرض عقوبات في حال التخلف عن توريد الكميات المحددة".