هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ما تشهده الضفة
الغربية المحتلة من مواجهات، وبالأخص المواجهات الدائرة في مدينة نابلس، واعتداء
الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على المواطنين الفلسطينيين، على إثر اعتقال السلطة
لمقاومين فلسطينيين مطلوبين للاحتلال الإسرائيلي، أسفرت عن مقتل المواطن فراس يعيش
برصاص الأجهزة الأمنية، وعشرات الاعتقالات والإصابات في صفوف المنتفضين ضد سياسة
السلطة وأجهزتها في اعتقال المقاومين في إطار التنسيق الأمني مع الاحتلال.
هذا التصعيد في
نابلس على وجه الخصوص، لا يمكن أن يكون منفصلا عن الوضع بشكل عام في الضفة
الغربية، في ظل التصعيد الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني من خلال الاقتحامات اليومية
لمختلف المدن الفلسطينية في الضفة، وشن حملات المداهمة والاعتقالات، والمواجهة
المسلحة مع المطاردين الفلسطينيين.
كذلك المواجهات
بين الأجهزة الأمنية والمواطنين الفلسطينيين، تأتي في ظل حالة تعاظم العمل
الفلسطيني المقاوم في الضفة والقدس ضد الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على
شعبنا.
السؤال المهم في
هذا التوقيت بالذات: ما هو السر وراء اعتقال السلطة للمقاومين مصعب اشتيه وعميد
طبيلة، هذا الاعتقال الذي يأتي في ظل التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة
والقدس، وتصاعد العمل الفلسطيني المقاوم؟
الاحتلال
الإسرائيلي يرى أن تصاعد العمل الفلسطيني المقاوم في الضفة والقدس، من أهم أسبابه
ضعف السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية عن التصدي لأي فكر مقاوم في مناطق سيطرتها
الشكلية.
وهنا جاءت
تهديدات الاحتلال للسلطة بأنه سيقوم باتخاذ إجراءات لمواجهة المقاومة الفلسطينية
والعمليات الفردية ضد جنود الاحتلال وحواجزه العسكرية ومستوطنيه، بحيث تزيد هذه
الإجراءات من ضعف السلطة وتهميشها في مناطقها، والتي هي أساسا لا تملك سلطة حقيقية
فيها على الأرض.
لذلك فإن اعتقال
السلطة للمقاومين اشتيه وطبيلة قبل أيام، جاء في إطار أن السلطة والأجهزة الأمنية
قادرة على الوفاء بالتزاماتها مع الاحتلال في منع أي عمليات للمقاومة تجاه
الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذه السلطة ملتزمة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال وباتفاق
أوسلو، على الرغم من تصريحاتها المتواصلة بأنها ستتوقف عن التنسيق مع الاحتلال
والتهديد الكلامي الفارغ في هذا الإطار.
بالتالي فالسلطة
تستشعر التهديد الذي يستهدف استمراريتها في ظل تصاعد المقاومة الفلسطينية في الضفة
والقدس، وهي لا تزال ترى أن التنسيق الأمني مع الاحتلال سيزيد من فرص بقاء هذه
السلطة، وأن استهداف المقاومة ورقة قوة ترفعها في وجه الإجراءات الإسرائيلية،
وتعطي هذه السلطة غير الشرعية مزيدا من السنوات في وجودها.
إن الأحداث
الجارية في مدينة نابلس، هي تعبير حقيقي عن إرادة الشعب الفلسطيني، في مواصلة
المقاومة بكافة أشكالها وضمان سلامة المقاومين، ورفض سياسة السلطة في استهداف
مقاومة الشعب الفلسطيني، والتصدي للتنسيق الأمني مع الاحتلال، والتنديد بسياسة
الأجهزة الأمنية بقمع الحريات في الضفة الغربية.
لذلك فإن الواقع
السياسي المأزوم الذي يعيشه اليوم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، بحاجة إلى
انتفاضة فلسطينية داخلية وربيع فلسطيني، قادر على إنهاء السلطة الديكتاتورية
الحاكمة بشكل صوري في الضفة الغربية المحتلة.
نحن أمام سلطة
فاقدة للشرعية منذ سنوات طويلة، وهي بعيدة كل البعد عن خيارات الشعب الفلسطيني في
المقاومة ومواجهة الاحتلال واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وهي تقف على الضفة
المقابلة لشعبنا.
وعندما أتحدث عن
ربيع فلسطيني، فنحن نتحدث عن حالة نضالية فلسطينية واعية وسياسية، تستفيد من مختلف
الإمكانيات المتاحة لإحداث تغيير ديمقراطي في الحالة السياسية الفلسطينية.
نحن لا نتحدث عن
مواجهة فلسطينية فلسطينية مسلحة، كما جرى ويجري في مدينة نابلس، وإنما عن حالة
نضالية تستخدم الأدوات القانونية والسياسية في إسقاط هذه السلطة غير الشرعية وهذا
النظام الفلسطيني القمعي الديكتاتوري.
هذه الحالة
النضالية تستوجب توحيد الجهود الفلسطينية في الداخل والخارج، على أسس رفض أوسلو
والتنسيق الأمني وإنهاء السلطة، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس
وطنية تقوم على التمسك بكافة حقوق شعبنا وفي مقدمتها حق العودة للاجئين
الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم في أراضي 1948، وأن تكون القدس واحدة موحدة عاصمة
فلسطين.
في هذه الحالة
فإن الدور الأكبر على شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية وبالأخص في مدن الضفة
الغربية المحتلة، والذين هم على تماس مباشر مع السلطة وأجهزتها الأمنية.
ويكون دور شعبنا
الفلسطيني في أراضي 48 والقدس وقطاع غزة المحاصر والخارج في مخيمات الشتات ودول
اللجوء؛ دورا مساندا للحراك الفلسطيني في الضفة.
ينطلق هذا الحراك
بجملة من التحركات المتنوعة منها التظاهرات الاحتجاجية في مختلف مدن الضفة، والتي ترفع
مطالب محددة بإنهاء حكم الرئيس محمود عباس وإقالة الحكومة الفلسطينية، وإنهاء عمل
الأجهزة الأمنية، وإنهاء أوسلو ووقف التنسيق الأمني، وتحقيق الوحدة الوطنية
الفلسطينية.
ومن ضمن الخطوات
إعلان الإضراب العام في مدن الضفة المحتلة، والعصيان المدني، ومقاطعة القضاء،
والاعتصامات أمام المقرات الحكومية، وإغلاق المؤسسات التابعة للسلطة، وغيرها من
الوسائل التي تصب في هذا الإطار.
هذا الحراك من مهمته
أن يحدث إرباكا داخل السلطة وأجهزتها المختلفة، ويترافق مع شلل في مفاصل عملها،
والذي سينعكس على التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي ربما سيمد طوق
النجاة لهذه السلطة، من خلال رفع وتيرة اقتحامه للمدن في الضفة والاعتداء على
الشعب الفلسطيني.
من المهم أن
تتشكل لجنة خاصة من الكفاءات الفلسطينية في الضفة المحتلة لقيادة هذا الحراك
النضالي ضد السلطة، ومن المهم أن يحظى الحراك بمواكبة إعلامية من مختلف وسائل
الإعلام، وهنا سيكون للناشطين في الضفة دور مهم جدا في نقل ما يجري.
الفصائل
الفلسطينية التي ترفض نهج أوسلو والتنسيق الأمني، هي الأخرى مطالبة بدور سياسي
وطني في ممارسة الضغوط على السلطة للاستجابة لمطالب الحراك، كذلك حشد الدعم على
الصعيد الوطني الفلسطيني والعربي والإسلامي وحتى الدولي تجاه الحراك.
والفصائل التي لن
تكون مساندة لحراك الشارع الفلسطيني، ستجد نفسها معزولة عن أية نتائج مستقبلية
لهذا الحراك.
شعبنا الفلسطيني
في الداخل المحتل 48 وقطاع غزة المحاصر، مطالب بتحرك داعم ومساند لانتفاضة أهلنا
في مدن الضفة الغربية المحتلة، وفق الأدوات السياسية والقانونية والإعلامية.
شعبنا الفلسطيني
في الخارج ومؤسساته وهيئاته وشخصياته الوطنية، له دور أيضا مهم في دعم الحراك
الفلسطيني في الضفة ضد السلطة، من خلال العديد من الأدوات السياسية والإعلامية
والقانونية.
الشعب الفلسطيني
في الخارج قادر على تنظيم التحركات السياسية المساندة من التظاهرات والندوات
والمؤتمرات، وحشد الدعم القانوني ضد أية انتهاكات سترتكبها السلطة بحق الحراك.
التظاهرات أمام
سفارات منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، هو شكل من أشكال دعم الحراك في
الداخل، من خلال التأكيد على مطالب الحراك الوطني الفلسطيني ضد السلطة.
كذلك توفير
التغطيات الإعلامية للحراك ونقل الأحداث لحظة بلحظة إلى الخارج، وإقامة الحملات
الرقمية المساندة، حتى لا تستفرد السلطة بأبناء شعبنا المنتفضين.
أيضا التواصل مع
الحكومات والمؤسسات والهيئات الدولية لتوفير الحماية القانونية للمتظاهرين السلميين
في الضفة، وحشد الدعم السياسي والمواقف الدولية الداعمة لهذا الحراك.
ربما يقول البعض إن
هذا السيناريو لا يمكن أن يحدث في الوضع الفلسطيني، خاصة أن الشعب الفلسطيني يخضع
لأقدم احتلال في التاريخ، وأن هذا السيناريو أقرب إلى الشعوب التي تعيش تحت سقف
حكومات وأنظمة ديكتاتورية وليس حكما ديكتاتوريا واحتلالا في آن معا.
وربما أيضا تلقي
تجارب الربيع العربي التي فشلت إلى حد ما في تحقيق طموحات الشعوب العربية في
الحرية، تلقي بظلالها على الوضع الفلسطيني في أن يتردد شعبنا بإعلان ربيعه.
لكن المواجهة
السياسية مع هذه السلطة غير الشرعية لا تقل أهمية عن المواجهة العسكرية والسياسية
والقانونية مع الاحتلال الإسرائيلي، فالعلاقة بين السلطة والاحتلال علاقة تكاملية
الخاسر فيها هو الشعب الفلسطيني.
لذلك نحن بحاجة
إلى قيادة فلسطينية بحجم التضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني، وتكون العلاقة بين
هذه القيادة والشعب علاقة تكاملية في إطار التحرير والعودة وبناء الدولة
الفلسطينية.
خلاصة القول،
نتحدث عن ربيع فلسطيني يقوده الشعب الفلسطيني في الضفة ضد سلطة أوسلو، مدعوم بحراك
فلسطيني في بقية المناطق بالداخل والخارج، ضمن منظومة سياسية وقانونية وإعلامية،
تفضي إلى إنهاء السلطة واتفاق أوسلو، والدعوة إلى انتخابات فلسطينية للمجلس الوطني
يشمل الجميع في الداخل والخارج، وإعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها على أسس
وطنية وبرنامج موحد قائم على مواجهة الاحتلال.