هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن تداعيات تراجع قيمة الجنيه الإسترليني إلى مستوى قياسي مقابل الدولار بعد أن أعلنت الحكومة البريطانية عن تخفيضات ضريبية شاملة في ميزانية مصغرة يوم الجمعة الماضي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الهبوط الأخير في قيمة الجنيه الإسترليني كان بسبب خيبة الأمل التي اجتاحت الأسواق من الإدارة الجديدة لرئيسة الوزراء المعينة حديثًا ليز تروس التي بادرت بسياسة اقتصادية توسعية تستند إلى تخفيضات ضريبية واسعة النطاق.
وذكرت الصحيفة أن وزير المالية في الحكومة الجديدة كواسي كوارتنج متّهم بتجاهل معدل التضخم البالغ 9.9 في المئة حيث قال الاقتصاديون إنه سيزداد سوءًا، وبدلاً من ذلك اختار في الميزانية المصغرة صباح الجمعة ضخ المزيد من الأموال في الاقتصاد. وقد انخفض الجنيه من 1.20 دولار تقريبًا إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 1.03 دولار قبل أن ينتعش جزئيًا إلى 1.06 دولار.
أدى الانخفاض المفاجئ والحاد في الجنيه الإسترليني إلى حالة من عدم الاستقرار، مما أدى إلى وضع خطط الشركات البريطانية التي تستورد السلع وتصدّرها في حالة من الفوضى. تتوقع الشركات دفع مبلغ محدد مقابل الواردات والحصول على سعر معين للسلع والخدمات التي يبيعونها في الخارج. كل ذلك يتغير عندما تنخفض العملة. وإذا كانت قيمة الجنيه أقل، فإن تكلفة استيراد البضائع من الخارج ترتفع.
اقرأ أيضا: الجنيه الاسترليني يلامس أكبر انخفاض في 37 عاما.. ما السبب؟
ماذا يعني ذلك بالنسبة للمملكة المتحدة؟
أوضحت الصحيفة أن ضعف الجنيه يعني ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين في المملكة المتحدة الذين يشترون السلع الأجنبية، وهذا يعني أن أموالهم لن يكون لها قيمة إذا سافروا إلى الولايات المتحدة أو البلدان التي تتعامل بالدولار الأمريكي.
ويعتبر النفط أحد السلع الأساسية التي تستوردها بريطانيا والذي يتم تسعيره في أسواق السلع الدولية بالدولار. وضعف الجنيه يعني أن ملء السيارة بالديزل أو البنزين سيصبح أكثر تكلفة، علما بأنه يتم تسعير الغاز أيضًا بالدولار. كما تستورد المملكة المتحدة أيضًا أكثر من 50 في المئة من سلعها الغذائية، وبالتالي سترتفع تكلفة كل شيء.
لماذا يحدث هذا؟
حسب الصحيفة، تريد تروس المضي قدمًا في التخفيضات الضريبية في السنة الجديدة المدفوعة من خلال زيادة الاقتراض الحكومي، معتقدة أنه سيتم استخدام الأموال الإضافية لتمويل الاستثمار وتحسين إنتاجية المملكة المتحدة. لكن المشككين في سياستها يقولون إن وضع المزيد من الأموال في أيدي الأفراد سيزيد الطلب ويتسبب في ارتفاع معدلات التضخم أكثر.
يشعر المستثمرون بالقلق من أن الاقتراض الإضافي لن يتم تعويضه من خلال النمو المرتفع وتحسين الإيرادات الضريبية، مما يترك المملكة المتحدة وسط أزمة ديون متفاقمة على المدى الطويل. ويكمن جزء من ضعف الجنيه أيضًا في قوة الدولار الذي ترتفع قيمته مع قيام البنك المركزي الأمريكي والاحتياطي الفيدرالي بالترفيع في أسعار الفائدة بقوة. ومع ذلك، تسارعت عمليات بيع الجنيه بشكل ملحوظ بعد إعلان التخفيضات الضريبية.
كيف سيؤثر هذا على البلدان الأخرى؟
قد يذهب المستثمرون الأجانب في فورة إنفاق لجمع الأصول التي كانت ستكلف أكثر بكثير عند شرائها وسيكون لدى السياح الذين يزورون المملكة المتحدة أيضًا المزيد من الأموال لإنفاقها ويمكنهم الاستفادة من سعر الصرف المحسن. وسيشهد المستثمرون الذين اشتروا أصولًا بريطانية سابقًا انخفاضا في القيمة وسيبيع الآخرون الأصول، خاصةً إذا كانوا يعتقدون أن العملة من المرجح أن تنخفض أكثر.
ماذا تفعل حكومة المملكة المتحدة حيال ذلك؟
من المحتمل أن يرفع بنك إنجلترا أسعار الفائدة بأكثر مما كان متوقعًا في السابق ومن المحتمل أن يعلن البنك عن زيادة طارئة قبل قرار سياسته القادمة في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر.
وأشارت الصحيفة إلى أن معدلات الفائدة المرتفعة ستجذب الودائع الادخارية إلى المملكة المتحدة وتميل إلى زيادة قيمة الجنيه الإسترليني. ومع ذلك، فإنها تزيد أيضًا من تكلفة الاقتراض للأسر والشركات. وفي الماضي، سعت الحكومات إلى طمأنة الأسواق من خلال الإعلان عن عزمها خفض ميزانيات الإنفاق العام لتحقيق التوازن في الحسابات.
اقرأ أيضا: ضربة كبيرة للجنيه الإسترليني.. هبط لأدنى مستوى بتاريخه
دعوات لتغيير السياسة المالية البريطانية
وفي سياق منفصل، قال كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) هوو بيل، الثلاثاء، إنه من المرجح أن يعلن البنك عن ارتفاع "كبير" في سعر الفائدة في اجتماعه المقبل في تشرين الثاني/نوفمبر بعد أن أطلقت خطة وزير المالية كواسي كوارتنج لخفض الضرائب العنان للاضطرابات في الأسواق المالية، وفقا لرويترز.
وبعد أن لامس الجنيه الإسترليني أدنى مستوى له على الإطلاق عند 1.0327 دولار أمس الاثنين، حذر كبار الاقتصاديين والمستثمرين والمسؤولين التنفيذيين في وقت سابق من أن ثقة المستثمرين المتدنية جدا في الأصول البريطانية لن تتعافى إلا إذا ألغى كوارتنج الخطة الاقتصادية التي أوضحها يوم الجمعة.
وبيعت سندات الحكومة البريطانية بوتيرة كبيرة للغاية منذ أن أثارت الخطط المالية أزمة ثقة في تعامل رئيسة الوزراء الجديدة ليز تروس مع الاقتصاد.
وقال بيل لمنتدى باركليز للسياسة النقدية، الذي ينظمه مركز أبحاث السياسات الاقتصادية: "من الصعب عدم الوصول إلى نتيجة مفادها أن هذا سيتطلب استجابة سياسية نقدية كبيرة".
ومع استمرار تكهن المحللين بشأن الاتجاه المالي المستقبلي لبريطانيا، وتقلب الأسواق، أوقف عدد متزايد من متعهدي الرهن العقاري، غير القادرين على تسعير القروض، المبيعات.
وقال الخبير الاقتصادي الأمريكي لاري سمرز، ووزير الخزانة الأمريكي الأسبق، إن تزايد أسعار الفائدة على الديون البريطانية الطويلة الأجل يشير إلى فقدان المصداقية، مضيفا أن قدرة لندن على البقاء كمركز مالي عالمي في خطر.
وقال بعد أن أشار كوارتنج إلى أنه يريد المزيد من التخفيضات الضريبية: "أعتقد أن الجنيه سيجد طريقه إلى ما دون التكافؤ مع كل من الدولار واليورو... الخطوة الأولى في استعادة المصداقية هي عدم التفوه بما لا يُصدق".
وحث رئيس شركة طيران فيرجن أتلانتيك، شاي ويس، الحكومة على تحقيق الاستقرار في الشؤون الاقتصادية للبلاد وتفهم أن التحرك لتمويل التخفيضات الضريبية الضخمة من خلال الاقتراض الحكومي الواسع النطاق قد ترك بريطانيا في موقف أضعف.
وقال في مؤتمر صحفي للإعلان عن الانضمام لتحالف "سكاي تيم" العالمي للطيران: "يجب أن يكون كل منا في هذه الغرفة متواضعا بما يكفي للقول إنه إذا قلت شيئا لم يؤت ثماره، فربما يجب أن أغير المسار، فهذا ليس بالأمر السيء".
واختيرت تروس رئيسة للحكومة هذا الشهر في تصويت لأعضاء حزب المحافظين -وليس الناخبين الأوسع نطاقا- بناء على تعهد بإخراج الاقتصاد من ركود النمو المستمر منذ سنوات عبر التخفيضات الضريبية الكبيرة وتيسير اللوائح.
لكن خطة كوارتنج الاقتصادية، التي تتطلب إصدار سندات حكومية إضافية بقيمة 72 مليار جنيه إسترليني في هذا العام المالي وحده، صدمت المستثمرين، مما أدى إلى ارتفاع أكبر لتكاليف هذا النوع من الاقتراض.
وفي حين أن العديد من نواب البرلمان رحبوا بالعودة إلى مناهج اتبعتها رئيسة الوزراء السابقة مارجريت ثاتشر وسياسات اقتصادية للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان في الثمانينات، بدأ البعض في التعبير عن قلقهم إزاء تأثير ذلك على الشؤون المالية للحكومة والشركات والأسر.
ومع بقاء عامين على موعد الانتخابات العامة، أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "يوجوف" بتكليف من صحيفة التايمز تقدم "حزب العمال" المعارض بفارق 17 نقطة على حزب تراس "المحافظين"، وهو مستوى لم نشهده منذ أكثر من عقدين.
وقال ميل سترايد، النائب المحافظ ورئيس لجنة الخزانة في البرلمان، لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي): "أعتقد أننا في وضع صعب للغاية".
وأضاف: "هناك الكثير من الحديث، لأسباب مفهومة، عن مكانة الجنيه، لكنني أعتقد بأن القلق الأكبر هو أسواق السندات وأن العوائد قد ارتفعت الآن إلى هذا الحد". كما قال: "البلد في وضع صعب للغاية".
ومن ناحيته قال هيو مريمان، وهو نائب من حزب المحافظين أيد منافس تراس وزير المالية السابق ريشي سوناك في السباق لمنصب رئيس الوزراء مثلما فعل سترايد، إن الفائزة في السباق بدت وكأنها "تخسر ناخبينا بسياسات حذرنا منها".
وأصدر بنك إنجلترا ووزارة المالية بيانات بعد ظهر أمس الاثنين على أمل طمأنة المستثمرين، إذ قال البنك المركزي إنه لن يتردد في رفع أسعار الفائدة إذا لزم الأمر.
ومع ذلك أدى هذا على الفور إلى انخفاض جديد للإسترليني، إذ راهن بعض المستثمرين على رفع أسعار الفائدة بشكل طارئ. وتعافت العملة قليلا اليوم الثلاثاء وارتفعت 0.5 بالمئة إلى 1.0740 دولار بحلول الساعة 14:00 تقريبا بتوقيت غرينتش.
وقال نائب محافظ بنك إنجلترا السابق تشارلز بين إنه كان سيؤيد أي خطوة طارئة من البنك المركزي.
وقال لراديو بي.بي.سي: "أعتقد أن هذه واحدة من تلك الأوقات التي قد يكون من المنطقي فيها (الدعوة لاجتماع) ... تحرك كبير و... سريع"، إذ أن الاستراتيجية ستكون أفضل نهج.
وتعهد كوارتنج أمس الاثنين بوضع خطط متوسطة الأجل لخفض الديون في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني، إلى جانب توقعات من "مكتب مسؤولية الميزانية" المستقل التي تظهر الحجم الكامل للاقتراض الحكومي.
واجتمع مع كبار المصرفيين وشركات التأمين ومديري الأصول اليوم الثلاثاء، وقال إنه "واثق" من أن استراتيجيته الاقتصادية ستنجح عندما تقترن بإصلاحات في جانب العرض.
لكن الكثيرين ما زالوا غير مقتنعين. وقال الخبير الاقتصادي آلان مونكس، من "جي.بي مورجان"، أكبر بنك أمريكي، إن بيانات بنك إنجلترا ووزارة الخزانة كانت "محسوبة".
وقال مونكس: "لكن لا توجد حتى الآن إشارة واضحة على أن مصدر المشكلة -الاستراتيجية المالية للحكومة- قد غُيرت أو أعيد النظر فيها".
وأضاف: "يجب أن يحدث هذا قبل تشرين الثاني/نوفمبر لتجنب نتائج أسوأ بكثير للاقتصاد".