قضايا وآراء

شيخ الأزهر.. نظرة موضوعية

قطب العربي
1300x600
1300x600
لا يتلقى شيخ الأزهر السهام من طرف النظام الحاكم فقط، بل من أشد معارضيه أيضا. عجيب أن يلتقي النظام وخصومه على هدف، وأن يكون هذا الهدف هو شيخ الأزهر.

الأسباب مختلفة بطبيعة الحال، فالنظام يمارس كل وسائل الضغط ضد الشيخ لتطويعه، وإجباره على مسايرة نزوات الجنرال السيسي فيما يسمى تجديد الخطاب الديني، والتي تعني التخلي عن بعض الثوابت الدينية، وبعض ما أجمع عليه أئمة الأمة وفقهاؤها. السيسي يسعى لشراء رضا الغرب عن نظامه، فيسارع وأحيانا يبادر لتنفيذ مطالبه بخصوص إزاحة المظاهر الإسلامية عن المجتمع، وتطويع النصوص الدينية للحداثة الغربية، بينما يلتزم شيخ الأزهر بواجبه الديني والدستوري في حماية العقيدة والقيم الإسلامية في حدود استطاعته، وبما يمثله الأزهر من مكانة سامقة في نفوس المصريين وغير المصريين، وبما يتضمنه الدستور المعمول به من أوصاف واختصاصات للأزهر (الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسؤولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم. وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء).

في مقابل سهام النظام هناك سهام رافضي النظام، والتي لم تتوقف ضد الشيخ منذ مشاركته في المشهد الانقلابي يوم 3 تموز/ يوليو 2013، وتجددت مؤخرا لعدم تقديم الشيخ العزاء في وفاة الشيخ القرضاوي. بل إنها تعود إلى الخلف لمعايرة الشيخ بموقفه من ثورة يناير، حيث وقف ضدها في البداية انطلاقا من عضويته في المكتب السياسي لحزب مبارك (الحزب الوطني المنحل)، ثم موقفه يوم الخطاب الأول للرئيس مرسي في جامعة القاهرة حين غادر القاعة بسبب خطأ بروتوكولي في مكان جلوسه اعتبره إهانة لمقام شيخ الأزهر، ورفض العودة رغم اعتذار المسؤولين له..
المعركة الأخيرة ضد شيخ الأزهر بسبب عدم تعزيته في وفاة الشيخ القرضاوي هي معركة في الميدان الخاطئ، وهي تصب في صالح الخصم المشترك لهؤلاء الناقدين ومؤسسة الأزهر مع

شخصيا انتقدت بشدة موقف شيخ الأزهر من الثورة، وعبرت عن ذلك قولا وكتابة في حينه، كما رأيت أن موقفه في جامعة القاهرة كان مزايدة في غير مكانها خاصة بعد اعتذار القائمين على الترتيبات، ومحاولتهم إعادته لمقعده المناسب. وبالتالي ألتمس العذر لمن ينتقدونه في هذين الأمرين، وربما غيرهما، فهو في النهاية بشر ليس معصوما من الخطأ.

المعركة الأخيرة ضد شيخ الأزهر بسبب عدم تعزيته في وفاة الشيخ القرضاوي هي معركة في الميدان الخاطئ، وهي تصب في صالح الخصم المشترك لهؤلاء الناقدين ومؤسسة الأزهر معا. فالشيخ لا يضمر شرا تجاه القرضاوي، الذي هو أحد رموز الأزهر قبل وبعد الطيب، ولكنه لم يصدر بيان عزاء بحكم وضعه شديد الحساسية، فهو على رأس مؤسسة رسمية من مؤسسات الدولة التي صنفت الشيخ القرضاوي رحمه الله (ظلما وعدوانا) تصنيفا إرهابيا، وحكمت عليه بالإعدام، ولم يكن من السهل على الطيب أن يتجاوز الموقف الرسمي للدولة أو للسلطة الحاكمة، وأن يقدم لها السكين الذي تقطع به رأس الأزهر، وهي السلطة التي ما فتئت تبحث عن سبل للتخلص منه ومن ورجاله، وقد نجحت بالفعل في التخلص من بعضهم، كما انتزعت منه حق تعيين المفتي ليكون تعيينه والتمديد له بقرار من الرئيس وليس من هيئة كبار العلماء بالأزهر كما كان الوضع القانوني من قبل، ولتوظف دار الإفتاء كمنصة جديدة في حربها ضد الأزهر إلى جانب وزارة الأوقاف. ولعلنا نتذكر محاولة تعديل النص الدستوري الذي منح الحصانة لمنصب شيخ الأزهر، وهو التعديل الذي لا يزال يتحين الفرصة المناسبة، وهل نسينا ضجر السيسي علنا من الطيب حين خاطبه في اجتماع عام "لقد أتعبتني يا فضيلة الإمام"؟ وهل ننسى تجاهل مصافحته أثناء احتفال المولد النبوي الأخير؟

ليس معنى هذا الكلام إقرارا بموقف السلطة من العلامة القرضاوي رحمه الله، فهو تاج الرأس لمصر وأزهرها وعلمائها، وكان حقه التكريم لا التجريم، وليس معنى الكلام تحصين شيخ الأزهر من النقد، فليس لدينا كهنوت مقدس، ولكن من واجب الناقدين أيضا معرفة الظروف المحيطة بالموقف محل النقد. فهل كانوا سيسعدون بصدور بيان عزاء من الشيخ الطيب يعقبه اتهامه بدعم الإرهاب تمهيدا لعزله؟ وهل كانوا سيسعدون بعزل الشيخ وتعيين بديل يتم تجهيزه منذ فترة لخلافته، لا يقل تماهيا مع مطالب السلطة عن مختار جمعة، والمفتي؟ وهل كانوا سيسعدون بنجاح النظام في فرض رؤيته لما يسمى تجديد الخطاب الديني؟ وبمعنى آخر هل كانوا سيسعدون بانهيار آخر حصون المقاومة للتغريب والتخريب والإفساد؟!
صحيح أن شيخ الأزهر ظهر في المشهد الانقلابي، لكن الصحيح أيضا والذي لا يتذكره كثيرون أنه عارض بشدة فض اعتصام رابعة، واستنكر تلك المذبحة في بيان شديد اللهجة

كان من الممكن لشيخ الأزهر أن يصدر بيان عزاء للشيخ القرضاوي، على أن يستعد بعده للاستقالة من الأزهر، وقد حدث موقف مشابه في العام 2005 ومع القرضاوي أيضا حين شارك في مؤتمر إسلامي بدعوة من الأزهر، وقد أرادت مباحث أمن الدولة استدعاء الشيخ، لكن الطيب رفض، وهدد بتقديم استقالته وإعلانها في افتتاح المؤتمر، فتراجعت الداخلية عن طلبها. كانت الأوضاع في تلك الفترة تسمح للشيخ بهذا التهديد، كما كانت السلطة تخشى إعلان استقالة شيخ الأزهر، على خلاف السلطة الحالية التي تنتظر ذلك بفارغ الصبر.

صحيح أن شيخ الأزهر ظهر في المشهد الانقلابي، لكن الصحيح أيضا والذي لا يتذكره كثيرون أنه عارض بشدة فض اعتصام رابعة، واستنكر تلك المذبحة في بيان شديد اللهجة، أذاعه التلفزيون المصري نفسه ونشرته الصحف في حينه، ويمكن لأي ناقد الآن أن يبحث عنه في محركات البحث، وأتبع ذلك بمغادرة القاهرة إلى بلدته في الصعيد معتكفا احتجاجا على ما جرى. لقد كان يسعى في ذلك الوقت لصياغة مبادرة جديدة لحل الأزمة، وكانت لا تزال محل نقاش مع بعض الأطراف، وكان مقررا إعلانها يوم 14 آب/ أغسطس (2013)، لكن السلطة الغاشمة قطعت الطريق عليها بفض الاعتصام، وبالمذبحة المروعة التي تمت.

يخوض شيخ الأزهر معارك كبرى دفاعا عن الإسلام وقيمه ومبادئه وشريعته، ومن الحماقة أن نسحبه إلى معارك صغيرة، لا يستفيد منها سوى المتربصين به، والذين يتحينون الفرصة للخلاص منه، فهل نساعدهم بلا وعي في مهمتهم؟!

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (1)
أؤيدك تماماً
الأحد، 09-10-2022 07:40 م
أؤيدك فيما قلت تماماً وأؤكّد على ذكرتَه: "خوض شيخ الأزهر معارك كبرى دفاعا عن الإسلام وقيمه ومبادئه وشريعته، ومن الحماقة أن نسحبه إلى معارك صغيرة، لا يستفيد منها سوى المتربصين به، والذين يتحينون الفرصة للخلاص منه". لا بد من الحصافة وحسن التصرف.