صحافة تركية

"المسيرات التركية".. أداة عسكرية لتحقيق مكاسب دبلوماسية

مناطق الاستخدام التشغيلي للطائرات المسيرة التركية في مناطق الصراع النشطة أصبحت مصدر إلهام
مناطق الاستخدام التشغيلي للطائرات المسيرة التركية في مناطق الصراع النشطة أصبحت مصدر إلهام

ساهمت الطائرات المسيرة التركية، في التأثير على السياسة الخارجية لأنقرة، ولعبت دورا بارزا في مناطق الصراع المختلفة في العالم، آخرها أوكرانيا، ما دفع العديد من الدول إلى طلب شراء هذه التقنية التركية.

وقالت مجلة "كريتر" التركية في تقرير للكاتبة سيبال دوز، ترجمته "عربي21"، إن تركيا تمكنت من ضمان مصالحها الجيوسياسية في المنطقة بفضل الطائرات المسيرة.

وأشارت إلى أن المسيرات التركية، لها دور حاسم في أوكرانيا ضد روسيا، بعد ليبيا وأذربيجان، ما دفع أكثر من 30 دولة بينها تابعة لحلف الشمال الأطلسي "الناتو" إلى التفكير بشرائها.

وتاليا نص التقرير كما ترجمته "عربي21":

لعبت المسيرات التركية دورا فعالا في مناطق صراع عدة بالقوقاز والشرق الأوسط وأفريقيا وتحولت إلى تكنولوجيا عسكرية مميزة ساهمت في تغيير مسار الصراعات، ويمكننا القول بأنها غيرت الصورة والتأثير السلبي لاستخدام المسيرات في مناطق النزاع الموروثة للولايات المتحدة.

وقامت دول، مثل النرويج وكندا وبولندا ولاتفيا وإسبانيا وليتوانيا، بحملات دعم لجلب هذه الأنظمة إلى أوكرانيا من خلال جمع ما مجموعه 25 مليون دولار و 6.4 مليون يورو من الأموال.

وأثبتت الطائرات المسيرة التركية أن لها دورا حاسما في مقاومة أوكرانيا للغزو الروسي من خلال تدمير أهداف الدفاع البحري والبري والجوي، وذلك بعد ليبيا وأذربيجان.

وأعلنت وزارة الداخلية الصومالية أن تركيا قدمت دعما بالطائرات المسيرة إلى الصومال في مواجهة حركة الشباب، وهكذا أصبحت هذه المسيرات تعمل في نطاق مكافحة الإرهاب الدولي.

تركيا في الأسواق العالمية

لم تكن الطائرات المسيرة التركية مجرد قوة داعمة في حرب تركيا ضد الإرهاب والقضاء على التهديدات ضدها فحسب، بل إنها تسير بخطوات واثقة نحو التحول إلى قيمة تمثل أكثر بكثير من مجرد معدات عسكرية في توسيع نطاق نفوذ تركيا العسكري والدبلوماسي والجيوسياسي.


هذه الأنظمة، التي ستصنع اسمها في الأسواق العالمية للعديد من البلدان، تحطم الأرقام القياسية من خلال تصديرها إلى أكثر من 30 دولة.

وتخطط شركة بايكار لبناء منشأة إنتاج جديدة على مساحة 30 ألف متر مربع في أوكرانيا، مع تعميق التعاون التكنولوجي بين البلدين، كما أنها تهدف إلى تسليم أذربيجان "أكينجي تيها" وأنظمة محلية بشكل دوري، حيث يتعمق التعاون العسكري بدءا من عام 2023.

وفي أسواق صناعات الدفاع في وسط وجنوب آسيا، يبدو أن تركيا قد حصلت على حصة كبيرة، وفي السنوات المقبلة، فإن القوات الجوية الباكستانية ستكون من الجهات القليلة التي لديها أكبر مخزون من "بيرقدار تي بي2" و"أكينجي بي تيها".

وأعلن سفير تركيا في دكا أنه تم توقيع اتفاقية مع القوات المسلحة البنغالية لتزويدها بطائرة "بيرقدار تي بي2".

من ناحية أخرى، باعت تركيا منتجا عالي التقنية إلى المملكة المتحدة لأول مرة، وأعلنت بريطانيا أنها ستشتري خمس طائرات مسيرة "جاكال" المطورة من شركة "بي في لوس تكنولوجي"، وأنها تدرس شراء 50 أخرى بحسب الرغبة.

ومن الواضح أن مناطق الاستخدام التشغيلي للطائرات المسيرة التركية في مناطق الصراع النشطة أصبحت مصدر إلهام.

وكان من اللافت عرض مسيرات بيرقدار في محاكاة حرب نشرته القوات المسلحة الإيطالية، وإدراجها على قائمة الأسلحة التي يجب أن يملكها الجيش في المستقبل.

وبعد بولندا، أعلنت وزارة الدفاع الرومانية وهي عضو آخر في "الناتو"، أنها تخطط لشراء 18 طائرة "بيرقدار تي بي 2" بقيمة 300 مليون دولار من تركيا لتحل محل الطائرات بدون طيار المنتجة من شركة "وتش كيبر" البريطانية/ الإسرائيلية الصنع.

ومهدت الطائرات المسيرة التركية الطريق أمام البلدان النامية منخفضة ومتوسطة الدخل، التي لديها وصول محدود إلى منتجات التكنولوجيا الفائقة في أفريقيا، للاستفادة من مثل هذه التكنولوجيا العسكرية.

وشوهدت المسيرة التركية في ليبيا والمغرب وإثيوبيا وجيبوتي وبوركينا فاسو ورواندا وتوغو والنيجر والصومال. وتستعد تركيا لتسليم ست طائرات "بيرقدار" إلى نيجيريا التي يتلقى أفراد جيشها التدريبات اللازمة بشأنها.

وفي معرض الطيران والدفاع الأفريقي 2022، قال عمر يلدز نائب مدير عام أنظمة الطائرات المسيرة في "توساش"، إن هناك مفاوضات مع ثلاث دول أفريقية لبيعها مسيرات من طراز "آقسنقر" و"عنقاء".

لا تقتصر الدول المهتمة بالطائرات بدون طيار التركية على وسط وجنوب آسيا وأوروبا وأفريقيا، بل إنها تشمل أيضا دول الخليج والشرق الأقصى. وفي الوقت الذي تتخذ فيه تركيا خطوات لترميم الجسور، أعلنت منظمة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية السعودية أنها تجري مفاوضات مع شركة بيكار لتطوير طائرات بدون طيار محليا في السعودية. كما أن المملكة أبدت سابقا اهتماما بطائرة "أكينجي تيها" التي طورتها شركة بايكار التركي.

وأدلى مسؤول تركي كبير بتصريحات أكد فيها أن تركيا سلمت 20 طائرة "بيرقدار تي بي2" إلى الإمارات التي أبدت رغبتها بالمزيد، وأن المفاوضات ركزت على تصدير 120 "بيرقدار تي بي2" إليها.

وهناك حديث عن أن اليابان تجري تقييمات لشراء "بيرقدار تي بي2"، حتى إن مؤسسة الاستخبارات العسكرية المرتبطة بقوة الدفاع الذاتي البرية اليابانية "JGSDF" تتابع عن كثب مسيرة "كارغو" التركية.

الورقة الرابحة الكبيرة التي تقدمها المسيرات التركية

وقد يقف وراء الاهتمام بالمسيرات التركية والاستخدام العملي الفعال لها والنجاح الذي حققته في التصدير، تحولها إلى ورقة سياسية ومساهمتها في توسيع نفوذ تركيا العسكري والدبلوماسي والجيوسياسي، الأمر الذي لم يتم الحديث عنه كثيرا.

ولم يمر سوى عام ما بين رسالة أرسلها أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن، طالبوا فيها بحظر تصدير التقنيات الأمريكية المستخدمة بالطائرات المسيرة التركية بسبب هزيمة أرمينيا في مواجهة أذربيجان.. ورسالة أخرى يطالبون فيها الرئيس الأمريكي جو بايدن بتزويد أوكرانيا بطائرات مثل "بيرقدار تي بي2".

مما لا شك فيه أن القدرات التشغيلية التي أظهرتها الطائرات بدون طيار التركية في أوكرانيا والتدمير الناجح للأهداف العسكرية الروسية أعطت تركيا أيضا تقديرا كبيرا داخل الناتو. ومع محاولات دول مثل بولندا ورومانيا إضافة هذه الأنظمة إلى مخزونها، يمكن قراءة بيان خارجية فنلندا، التي تريد أن تصبح عضوا في الناتو، بأنها "قد تكون مهتمة ببعض أنظمة الأسلحة التركية الصنع" في هذا السياق. ويجدر التأكيد مرة أخرى على أن رفع الحظر الضمني عن صناعة الدفاع التركية، الذي يعزز القوة العسكرية للتحالف، يعتبر أكثر أهمية من هذا المنظور.

علاوة على ذلك، تعمل الطائرات بدون طيار التركية أيضا كأداة لتحصين القوة العسكرية التركية ضد منافسيها الإقليميين. ولم تكن مصادفة أنها رصدت اللحظات التي شحنت فيها اليونان عربات مدرعة تبرعت بها الولايات المتحدة إلى جزيرتي ليسبوس وساموس غير العسكريتين في بحر إيجة.

والطائرات بدون طيار التركية، التي غيرت مسار الصراعات في ليبيا، وقلبت المعادلات السياسية لخصومها مثل مصر وفرنسا والإمارات، وأزعجت الكتلة المناهضة لتركيا بقيادة اليونان والإدارة القبرصية اليونانية في شرق البحر المتوسط، تعد أحد الأصول العسكرية الاستراتيجية التي يمكن أن تحمي المصالح الإقليمية لتركيا.

وبفضل التقدم المحرز في صناعة الطائرات المسيرة، تمكنت تركيا من ضمان مصالحها الجيوسياسية من جهة، وبناء قدرات جعلت وجودها العسكري محسوسا في أكثر من منطقة صراع في آن واحد من دون استخدام الجنود من جهة أخرى.

وعلى الرغم من أن تكنولوجيا المركبات الجوية المسيرة التي طورتها تركيا توفر لتركيا ميزة عسكرية وسياسية كبيرة، وورقة رابحة سياسية فعالة ضد المنافسين الإقليميين، فإن استدامة البنية التحتية والفنية السمتخدمة في إنتاجها والموارد الإنسانية والخبرة لا تقل قيمة عن تأثيرها الدبلوماسي.

التعليقات (0)