حقوق وحريات

منظمة تكشف طرق "تدوير" الأمن للمعتقلين بمسقط رأس "مرسي"

الشرطة المصرية - أ ف ب
الشرطة المصرية - أ ف ب
سلطت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية الضوء على "جريمة تدوير المعتقلين" في مصر، من الذين انتهت محكوميتهم وحصلوا على قرار إخلاء السبيل، لتقوم السلطات الأمنية بتدويرهم في قضايا جديدة وبتهم جديدة، ويحكم عليهم بمحكوميات جديدة.

وهو ما اعتبره حقوقيون جريمة ممنهجة يرتكبها النظام بحق أبرياء بقرار قضائي أو حكم قانوني ليتمكن بها من استمرار اعتقال المعارضين وأعضاء وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، في مخالفة صريحة للدستور والقانون.

لكن، "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، رصدت خلال عام كامل كيف تتم عمليات التدوير تلك، ودور عناصر "الأمن الوطني" في استحداث ما يعرف حاليا بـ"المحاضر المجمعة"، التي من خلالها يمكن للأمن مواصلة حبس مئات المعتقلين رغم قرارات أو أحكام إخلاء سبيلهم.

وفي تقرير صدر عن المنظمة الحقوقية العاملة من بريطانيا، الاثنين، واطلعت عليه "عربي21" أكد أن المحضر المجمع يعده عنصر وضباط الأمن الوطني (أمن الدولة في عهد حسني مبارك) ويضعون فيه مجموعة المعتقلين الحاصلين على قرارات بإخلاء سبيلهم من مراكز مختلفة، في محضر واحد.

وقال التقرير: "يصطنع الأمن الوطني محضر تحريات يحتوي على اتهامات محددة بالانضمام لجماعة إرهابية وحيازة منشورات، وتحصل الأجهزة الأمنية على إذن من النيابة العامة بالقبض على المتهمين رغم أنهم يتواجدون بمقرات الأمن الوطني ومراكز الشرطة، وبعدها يجري إخفاؤهم قسريا لفترات متفاوتة تتراوح بين شهر إلى 45 يوما".

وأكدت الشبكة أن محافظة الشرقية شمال القاهرة ومسقط رأس الرئيس الراحل محمد مرسي، أكثر محافظات مصر التي تعاني من تدوير المعتقلين، موضحا أنه جرى تدوير 852 معتقلا على ذمة 67 محضرا مجمعا في عام واحد من المحافظة التي تعد الأعلى من حيث عدد المعتقلين منذ 2013.

ذلك الرصد جاء منذ استحداث أول المحاضر المجمعة نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، والذي حمل رقم (2710 لسنة 2021) جنح مركز شرطة منيا القمح، وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2022، والمحضر رقم 67 الذي حمل رقم (3678 لسنة 2022) قسم ثالث العاشر من رمضان.

وحذرت الشبكة من كارثة صحية مع تزايد أعداد المعتقلين بالمحافظة وزيادة أعداد من يجري تدويرهم منها، خاصة أن أغلبهم معتقل منذ 9 سنوات، مشيرة لاكتظاظ جميع الزنازين والغرف والممرات بين الزنازين بأقسام شرطة مراكز الشرقية بالمعتقلين.

ولفتت إلى أن عشرات المعتقلين ظهروا مفترشين الأرض، ليصبح التكدس هو السمة السائدة، مع منعهم من التعرض للشمس والهواء والتريض، مبينة أن الزنازين باتت كالقنبلة الموقوتة لما تحتوية من الأوبئة، والحشرات، والأمراض.

وأكدت أنه على مدار عام كامل، رصدت الشبكة المصرية حالة إخلاء سبيل لمعتقل واحد، من أصل 852 معتقلا محبوسين على ذمة المحاضر المجمعة، البالغ عددها 67.

وتدين الشبكة المصرية ما وصفته بـ"التوجه الأمني الخطير، الذي يعطل أحكام القضاء ويحرم المحبوسين من حقوقهم التي كفلها الدستور والقانون ومن أبسطها حق الحياة.

وطالبت بفتح تحقيق عاجل لمحاسبة المسؤولين عن المحاضر المجمعة، خاصة أن المحبوسين على ذمة هذه المحاضر تعرضوا لفترات متفاوتة من الاختفاء القسرى وأنواع من التعذيب البدني واللفظي والنفسي، الذي يرقى لمستوى الجرائم ضد الإنسانية.


وتصف "منظمة العفو الدولية" و20 منظمة غير حكومية أخرى الوضع الحقوقي لمصر بأنه "كارثي".

وفي كانون الثاني/ يناير 2021، قدرت المنظمة عدد المعتقلين والمسجونين بمصر بنحو 114 ألفا سجين، في رقم يمثل أكثر من ضعف القدرة الاستيعابية للسجون والتي أكد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي في كانون الأول/ ديسمبر 2020، أنها تتسع لـ55 ألف سجين.

وحتى آذار/ مارس 2021، أكدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، أن عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا والمحتجزين بمصر نحو 120 ألفا، موضحة أن منهم 65 ألف سجين ومحبوس سياسي.

ووفق المنظمة الحقوقية فإن عدد المحبوسين احتياطيا يبلغ نحو 37 ألفا، ويصل عدد المحكوم عليهم إلى نحو 82 ألف سجين.

"فرحة لا تتم"

أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، ذكر أسماء 8 معتقلين جرى تدويرهم من قرية واحدة من مركز منيا القمح أكثر مراكز محافظة الشرقية في عدد محاضر التدوير التي بلغت 17 محضرا في عام واحد، بإجمالي 198 معتقلا.

وفي حديث لـ"عربي21"، تحفظ على كتابة أسماء المعتقلين على أمل أن ينال أحدهم حقه في إخلاء السبيل، لكنه أوضح أنها "جريمة أخرى أكثر من الاعتقال لأول مرة، لأن أهالي المعتقل يظلون يعدون الأيام حتى تنتهي فترة حبس ذويهم وينتظرون حتى يضيع الأمل".

وقال: "في كل مرة يقوم المحامون بتبليغنا بقرارات إخلاء السبيل وبمبلغ الغرامة الذي كان يصل إلى 50 ألف جنيه ولا يقل عن 10 آلاف (سعر الدولار 19.70 رسميا)، وبضرورة دفعه حتى يتم تسريع إجراءات الخروج، ولكن بعد الدفع في بعض الحالات وعدم الدفع في أخرى، يجري تدوير المعتقل وتنطفئ الفرحة".

وأكد أن "إحدى سيدات القرية زوجها وابنها معتقلان منذ العام 2013، وأنهى الابن الشاب حكم حبسه 8 سنوات، ودفعت له الغرامة بعد جمعها بصعوبة، حتى إنها قررت خطبة إحدى البنات له، ولكن الإفراج لم يتم وما تم هو التدوير في قضية جديدة".

وقال إن "من لم تطاله يد التدوير وخرج من معتقله من أبناء تلك القرية، يجري اعتقاله مجددا بعد أيام أو شهور، ليتم تدويره في قضية جديدة، مع معتقلين بالفعل داخل السجون، لم يرتكبوا جرما".

وفي أيار/ مايو 2022، كشف تقرير لـ"مركز شفافية للأبحاث والتوثيق" تعرض 2,744 معتقلا للتدوير في 3 سنوات من كانون الثاني/ يناير 2018 وحتى 30 كانون الأول/ ديسمبر 2021.

وفي تموز/ يوليو الماضي، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن عدد المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا يعاد تدويرها إلى ذمة قضايا أخرى بالرغم من قرارات إخلاء سبيلهم، وصل إلى 4500 مسجون، من أيلول/ سبتمبر 2020 وحتى شباط/ فبراير 2021.

"مأساة صنعها الأمن"

مدير "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان"، الحقوقي المصري أحمد العطار، قال لـ"عربي21"، إنها "مأساة صنعها واستحدثها الأمن الوطني، وخاصة في محافظة الشرقية، ويدفع ثمنها 851 معتقلا وأسرهم من أعمارهم وأموالهم وحياتهم".

وأكد أن "التقرير الذي جاء بعنوان (النفق المظلم)، يعبر عن واقع يعيشه فعليا أهالي وأسر 851 معتقلا على ذمة 67 محضرا، ما زالوا محبوسين على ذمة هذه المحاضر، فهم بالفعل في نفق مظلم، لا يعرفون متى ينتهى هذا الكابوس بعد أن كانوا على مسافة قصيرة من لم الشمل وبداية حياة جديدة".

وأوضح أن "851 معتقلا وأسرهم في محافظة واحدة جرى تدويرهم في عام واحد عدد كبير، وللأسف أنه قابل للزيادة في ظل تصميم الأمن الوطني واستمراره على التدوير والمحاضر المجمعة ضاربا بكل القوانين والأعراف والمواثيق المحلية والدولية عرض الحائط".

وأشار إلى أن الجريمة تتواصل، لافتا إلى أنه "أمس الاثنين، تم تدوير وحبس معتقلين جديدين على ذمة (المحضر 68)، ذلك على الرغم من ارتفاع وتصاعد الأزمات الطاحنة التي تواجهها الأسرة المصرية بشكل عام وأسر المعتقلين بشكل خاص، على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية، وانتظارهم خروج المعتقلين بعدما حصلوا على قرارات بإخلاء سبيل حتى يجدوا أحبتهم وقد تم تدويرهم مرة أخرى على ذمة محاضر جديدة ولسنوات أخرى لا يعلمها إلا الله".                  

"نظام مسجل خطر"

من جانبه، قال البرلماني المصري السابق، عز الدين الكومي: "هذا الموضوع من الخطورة بمكان، ووقائعه ليست بمحافظة الشرقية فقط بل تعاني كل الجمهورية من جريمة التدوير الجد الخطير بالفعل، والذي تناولته المنظمات الحقوقية الدولية والصحف العالمية، ومنها نيويورك تايمز".

وأكد لـ"عربي21"، أن "مئات المعتقلين خضعوا لهذه الجريمة، ومنظمة (نحن نسجل) رصدت أسماء العديد ممن جرى الإفراج عنهم بالفعل وتم تدويرهم، فقلما يفلت معتقل من التدوير الذي يمارسه الأمن الوطني بمعزل عن النائب العام الذي يوجد في وادي آخر".

ويرى عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان المصري سابقا، أن "ممارسة الأمن الوطني هذه نوع من الإلتفاف على الرأي العام الخارجي، حيث يعلن النظام عن إفراجات وإخلاءات سبيل للمعتقلين، ولكن عندما يذهب المفرج عنه لإنهاء الإجراءات بالأقسام ومكاتب أمن الدولة يفاجأ بأنه تم تدويره في قضايا جديدة".

ولفت إلى أن "الأمر في غاية الخطورة، ونجد صعوبة مع المنظمات الدولية التي تقول إن هناك بالفعل قرارات إفراج صدرت، بينما يجري تدوير المعتقلين في قضايا ملفقة في ظل قضاء مسيس ونيابة يفترض أن تكون وكيلة عن الشعب وتقوم بالتفتيش على السجون، لكنها فقط تتلقى التقارير والمحاضر وتمررها في تنسيق بأمر من السلطات العليا".

وأشار إلى أن "الأمن الوطني يمارس نوعا من التنكيل بالمعتقلين، حيث يتم فعليا الإفراج عنهم على الورق، ولكنه يجهز تحريات ومحاضر ضد المعتقل في منطقة جغرافية أخرى، ويحصل على إذن نيابة بإلقاء القبض عليه، رغم أنه مازال تحت التحفظ لديهم".

وألمح إلى أن "الجريمة متواصلة بأشكال عدة، فقد يفرج عن المعتقل لعدة أيام أو شهور، ثم يقبض عليه، كما حدث في قضية شريف الروبي الذي جرى اعتقاله ثانية 17 أيلول/ سبتمبر الماضي، بقضية جديدة واتهامات جديدة بعد 4 أشهر من إخلاء سبيله".

وقال الكومي، إن "استمرار تلك الجريمة يدل على أنه لا يتم تطبيق القانون، ومصر صارت سجن كبير، يحكمها قانون وشريعة الغاب، ونظام يُمسكك بكل المؤسسات الرقابية والسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعة، ويُصدر ويطبق ما يشاء من قوانين".

ويرى أن "كل ذلك يخالف الدستور حتى الذي كتبه نظام الانقلاب"، متسائلا: "أين المجلس القومي لحقوق الإنسان من هذه الممارسات؟"، معربا عن أسفه من أن "أعضاء المجلس بدلا من القيام بدورهم الرقابي لمنع الانتهاكات فإذ بهم يدعمون السلطة التي جاءت بهم".

وأكد أن "هذه الممارسات مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقوانين والمواثيق الدولية ولكنه نظام ديكتاتوري يمارس إرهاب المواطنين والمعتقلين ويتفنن في التنكيل بهم، وأقل ما يوصف به أنه نظام مسجل خطر، يجب فضحه وكشف عواره وانتهاكاته لحقوق الإنسان".
التعليقات (0)