قضايا وآراء

معطف بوتين ووساطة ابن زايد

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معطفه لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد لحظة خروجه من الاجتماع الذي جمعهما في الكرملين ليتلقاه ابن زايد بالقبول تعبيرا عن الشعور بدفء الترحاب الذي بدد برودة العلاقة مع أوروبا وواشنطن.

حادثة المعطف في بعدها الرمزي حملت رسائل قوية وباتجاهات متعددة للقارة الأوروبية التي تعاني البرد؛ وللولايات المتحدة الأمريكية التي اتهمت الرياض وأبو ظبي بالاصطفاف خلف موسكو في صراعها مع أوكرانيا وحملتهما مسؤولية ارتفاع أسعار النفط والتضخم والركود العالمي في الآن ذاته.

الأخطر من ذلك أن واشنطن هددت بمراجعة علاقتها مع الرياض وأبو ظبي بوقف مبيعات الأسلحة وسحب قواتها ومنظوماتها الدفاعية من على أراضيهما؛ وملاحقة شركاتهما النفطية عبر قانون نوبك (NOPEC) بحجة الاحتكار التجاري بعد قرارهما تخفيض إنتاج النفط مليوني برميل في اليوم بالتوافق مع موسكو ضمن اتفاق (أوبك+).

زيارة محمد بن زايد رئيس الإمارات العربية إلى موسكو لا يمكن نزعها من سياقها الذي جاءت فيه؛ إذ جاءت بعد أسبوع واحد من إعلان دول أوبك+ خفض إنتاج النفط ليرتفع في مقابله منسوب التوتر في العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ والذي عبر عنه جون كيربي المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض يوم أول أمس الثلاثاء 11 تشرين أول / اكتوبر الحالي بالقول: "إن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتقد أنه ينبغي للولايات المتحدة مراجعة علاقاتها مع السعودية بعد قرار أوبك+ خفض إنتاج النفط"؛ مضيفا القول للصحفيين إن بايدن مستعد لمناقشة مخاوف المشرعين بشأن العلاقات الأمريكية السعودية.

ورغم أن المشرعين وعلى رأسهم عضو مجلس شيوخ الأمريكي الديمقراطي ريتشارد بلومنتال العضو في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، والنائب الديمقراطي (رو خانا) العضو في لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب شجعا على اتخاذ إجراءات قاسية بحق السعودية في مقال رأي في مجلة بوليتيكو المعنون بـ (أفضل طريقة للرد على احتضان المملكة العربية السعودية لبوتين)؛ إلا أنهم حذروا من فشل مبادرة الحزب الجمهوري لسحب القوات الأمريكية من المملكة العربية السعودية بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تفضل أن يكون لديها قوات خاصة بها هناك على القوات الروسية أو الصينية التي من الممكن أن تملأ الفراغ؛ وفي المقابل شجعا على حرمان السعوية من التكنولوجيا الأمريكية سواء كانت في مجال الصناعات الحربية أو استخراج النفط وهي إجراءات قوية ستحتاج السعودية والإمارات لوقت طويل للتكيف معها.

زيارة بن زايد وإن قدمت في إطار الوساطة بين المتصارعين في أوكرانيا بحثا عن حلول تمنع تفاقم الأزمة التي باتت تؤثر على العالم برمته بحسب ما أوضح أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية؛ ورغم أنها تحظى بمساندة سعودية جاءت على لسان وزير الخارجية فيصل بن فرحان من على قناة العربية بقوله: "نسعى لدفع أطراف الأزمة الأوكرانية إلى الحوار لإيقاف النزاع"؛ إلا أنها تحمل طابع التحدي للإرادة الأمريكية بإظهار القدرة على المناورة وتنويع الخيارات.

 

حادثة المعطف لم تكن مصادفة بل هي تعبير عن استعداد موسكو لتوفير الغطاء الأمني والسياسي والاستراتيجي لدول الخليج؛ وقبول خليجي لهذا الدور في حال إغلاق القواعد الأمريكية، أو في حال توقف التعاون الأمني الذي بدت أولى مظاهره بانسحاب الولايات المتحدة من اجتماع مجموعة عمل حول الدفاعات الإقليمية الأسبوع المقبل في مجلس التعاون الخليجي، ومقره المملكة العربية السعودية؛

 



فإعلان رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد عن تطور كبير في العلاقات التجارية بين روسيا والإمارات خلال مدة قياسية لم يتجاوز العام من عمر أزمة كورونا أظهر قدرة عالية على التكيف مع الأزمات؛ إذ تضاعف فيها التبادل التجاري بمقدار 5 مليار دولار في ظرف عام واحد؛ وارتفع حجم الاستتثمارات المتبادلة بين روسيا والإمارات ليقارب الـ 3 مليار دولار؛ وفي حين تواجد 4000 شركة روسية عاملة في الإمارات العربية فإن ابو ظبي قدمت مطلق الحرية للشركات بإبرام العقود بالروبل الروسي لشراء النفط من موسكو.

حادثة المعطف لم تكن مصادفة بل هي تعبير عن استعداد موسكو لتوفير الغطاء الأمني والسياسي والاستراتيجي لدول الخليج؛ وقبول خليجي لهذا الدور في حال إغلاق القواعد الأمريكية، أو في حال  توقف التعاون الأمني الذي بدت أولى مظاهره بانسحاب الولايات المتحدة من اجتماع مجموعة عمل حول الدفاعات الإقليمية الأسبوع المقبل في مجلس التعاون الخليجي، ومقره المملكة العربية السعودية؛ والذي كشفت عنه صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية ناقلة عن مسؤوليين أمريكان قولهم: إن إدارة بايدن تدرس إذا كانت ستنسحب من مشاركتها في منتدى الاستثمار الرئيسي لمبادرة مستقبل الاستثمار في المملكة العربية السعودية والتي ستعقد في وقت لاحق من هذا الشهر (أكتوبر / تشرين أول الحالي). 

ختاما.. موسكو تلقت جهود الوساطة السعودية والإمارتية بترحاب كبير عبرت عنه بإطلاق سراح أسرى لديها وبتطمينات نووية حول الوضع في محطة زاباروجيا النووية حملتها لرئيس دولة الإمارات محمد بن زايد إلى جانب معطف بوتين الدافئ والآمن والقادر على التعامل مع تقلبات السياسة الأمريكية.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)