إعدام الكتاكيت
والتهديد بحرقها في بث مباشر هو أحدث إنجازات حكم الجنرالات،
وهو أمر متوقع والقادم أسوأ. ولعلنا تابعنا خبر حرق أحد أولياء الأمور ملابسه بعد
خلعها في فناء المدرسة احتجاجا على عدم استلام ابنه الكتب المدرسية، الغريب أن
الإدارة التعليمية قدمت بلاغا في الرجل متهمة إياه بافتعال المشكلات، وأخشى أن يتم
تقديم بلاغ في الكتاكيت التي ماتت جوعا متهمين إياها بأنها تثير الرأي العام وتحض على التظاهر ضد النظام، وأن موتها جزء من مخطط تم تدبيره
في تركيا وبعض الدول التي تريد إسقاط مصر.
الكتاكيت جزء من صناعة مهمة في مصر يبلغ حجم استثماراتها مائة مليار جنيه
مصري، ويعمل بها حوالي ثلاثة ملايين عامل، وهو رقم ضخم قلما تجد قطاعا أو مؤسسة
عامة أو خاصة تضم مثل هذا العدد. والدواجن تقدم ما يقارب 75 في المئة من البروتين
الحيواني باعتبارها أرخص بكثير من لحوم الماشية، ومع ذلك تقرر حكومة الانقلاب حجز آلاف
الأطنان منه في الموانئ حتى يتم سداد الرسوم بالدولار، وإلى حين ذلك سيتم التخلص
من الكتاكيت فترتفع أسعار الدواجن والبيض فيصرخ الجميع من أصحاب المزارع إلى العاملين
فيها إلى لتجار إلى المستهلك، فتستيقظ الحكومة على صوت الناس فتقوم باعتقال صاحب
المزرعة وكل من أعلن عن عدم توفر الأعلاف بتهمة إثارة الرأي العام، ثم يصدر قرار
من جهاز الاستخبارات بضرورة التحرك من أجل إسكات الناس قبل أن يثوروا وخصوصا ونحن
على أسابيع من توعد البعض
بثورة في 11/11 المقبل، فتقرر حكومة الانقلاب استيراد
دجاج مجمد بملايين الدولارات بدلا من أن تدعم الصناعة الوطنية، وكأنها تقول للشعب إنها
المنقذ. والحقيقة أنها حكومة غبية بامتياز، فقد كان أولى بها أن تدعم أرباب
الصناعة وتسهل لهم استيراد الأعلاف أو تقيم مشاريع قومية لإنتاج وتصنيع هذه الأعلاف
التي نستود 75 في المئة منها من الخارج، بدلا من الكباري والعاصمة الإدارية
الجديدة.
"إعدام كتكوت" عنوان يلخص أزمة السلطة الراهنة اللاهثة خلف القروض والباحثة عن طوق نجاة من أزمة الدولار، والراغبة في نيل رضا صندوق النقد الدولي عنها لكي يمنحها قرضا جديدا تسد به بعض فوائد القروض القديمة. وأقترح على القائمين عليها أن يطلقوا عليها "جمهورية القروض الجديدة"
"إعدام كتكوت" عنوان يلخص أزمة السلطة الراهنة اللاهثة خلف
القروض والباحثة عن طوق نجاة من أزمة الدولار، والراغبة في نيل رضا
صندوق النقد
الدولي عنها لكي يمنحها قرضا جديدا تسد به بعض فوائد القروض القديمة. وأقترح على
القائمين عليها أن يطلقوا عليها "جمهورية القروض الجديدة"، حتى ينسى
الشعب القروض القديمة أو يسددها بعد زوال هذا النظام.
لا أعرف على وجه الدقة ماذا بقي مما يسمونه شرعية لهذا النظام الذي بنى
شرعيته على الانقلاب على حكم أول رئيس مدني منتخب، وهي عملية اغتصاب متكاملة الأركان
ليس فيها لا شرع ولا شرعية. وقد حذرنا من قبل من أن الجنرالات لا يبنون دولا ولا
يحيون أمما، بل يعملون لصالح من يدعمهم ويكفلهم وحين يتخلى الكفيل عنهم يسقطون
سقوطا حرا، ولكن بعد أن تسقط معهم الدول في بئر لا قاع له، واليوم ها نحن نشهد هذا
السقوط ولا يمكننا فعل شيء مع الأسف.
حذرنا من قبل من أن الجنرالات لا يبنون دولا ولا يحيون أمما، بل يعملون لصالح من يدعمهم ويكفلهم وحين يتخلى الكفيل عنهم يسقطون سقوطا حرا، ولكن بعد أن تسقط معهم الدول في بئر لا قاع له، واليوم ها نحن نشهد هذا السقوط ولا يمكننا فعل شيء
لطالما عايرنا هذا النظام بأننا أفضل من دول عربية أخرى، والحقيقة أن متوسط
دخل الفرد في العراق التي كان الجنرال يضرب بها المثل بأنها دولة انهارت أو أوشكت
على الانهيار؛ أكبر بكثير من نظيره في مصر، بل إن مصر وجيبوتي وموريتانيا ولبنان
وفلسطين تقع جميعا في منطقة واحدة من الدخل السنوي للفرد أقل من 4255 دولار في
السنة، بينما العراق وليبيا التي تشهد تدخلا سافرا من عدة دول معظمها عربية؛ هما
في منطقة يصل متوسط دخل الفرد السنوي فيها إلى أقل من 13 ألف دولار. راجع التقرير المنشور على عربي21.
إذن ليبيا التي تعاني التدخل والعراق الذي يصارع التمزق أفضل من حالنا
بكثير رغم الاحتلال الأجنبي، فلماذا نحن بقينا في القاع؟ هل لأننا واقعون فعليا
تحت احتلال ولكنه غير أجنبي؟
الاحتلال الجديد هو احتلال الجنرالات لمنصات الحكم والسيطرة على مفاصل
الدولة وابتلاعها، ثم حين يواجهون الفشل الحتمي يصرخون "الحقونا الإخوان
هيرجعوا".
الحلول "الترقيعية" لن تجدي نفعا، وكما تم الانقلاب على الحزب والرئيس المنتخب فليرجع الجميع إلى الشعب وليقبل الجميع بما يقرره، ولا أرى أي جدوى من محاولات صناعة "البديل" بعيدا عن أعين الشعب
وفي رأيي أنه إذا استمرت الفوضى التامة والشاملة والعجز اللا نهائي عن
إدارة أزمة الكتاكيت، التي تعبر عن انهيار كامل لمنظومة الحكم، أعتقد أن الواجب
يحتم على الجميع الاعتراف بأن الانقلاب كان كارثة، وأن اغتيال الرئيس مرسي كان ولا
يزال وصمة عار في جبين الأمة المصرية، وأنه قد آن الأوان لإعادة الاعتبار للرئيس
الشهيد ولحزب الحرية والعدالة وللإخوان المسلمين، وللمعارضة الشريفة التي رفضت
الاعتراف بالانقلاب الذي فشل في إقناع حتى أنصاره بأنه انقلاب حميد.
البعض يريد تجيير ما يجري لصالحه
وتقديم نفسه للغرب على أنه البديل للنظام الراهن، ولا أرى الأمر كذلك، بل أعتقد أن
الشعب هو من يفصل في الأمر وأن الشعب المصري قادر على الفرز والتمييز واختيار من
يراه مناسبا.
أعرف أن بعض كلامي قد يكون نظريا
ولكنني أعتقد أنه مهم من الناحية الاستراتيجية، فالحلول "الترقيعية" لن
تجدي نفعا، وكما تم الانقلاب على الحزب والرئيس المنتخب فليرجع الجميع إلى الشعب
وليقبل الجميع بما يقرره، ولا أرى أي جدوى من محاولات صناعة "البديل"
بعيدا عن أعين الشعب.