شهدت الأيام الأخيرة تدفق عدد كبير من التقارير
والمقالات في وسائل الإعلام
الإسرائيلية بخصوص اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع
لبنان، وبات حديث الساعة لديها، بين مؤيد ومعارض، مع التركيز على مضمون الاتفاق،
وعواقبه المستقبلية.
وبقي مزيد من الغموض على صورة الاتفاق العامة،
بعيدا عن كونه جيدا أو سيئا للاحتلال، لأن الإجابة الحدية عن هذا السؤال لن تلبي
الحاجة لمعرفة ما وراءه من تفاصيل وتبعات.
موقع ميدا أجرى سلسلة لقاءات ترجمتها
"عربي21" مع جنرالات وخبراء إسرائيليين بحثا عن إجابات لهذه التساؤلات،
وهم: الجنرال عوزي دايان نائب رئيس الأركان ورئيس مجلس الأمن القومي الأسبق،
والجنرال يوسي كوبرفاسر رئيس شعبة الأبحاث في جهاز الاستخبارات العسكرية السابق-
أمان، والمستشرق إيدي كوهين في مركز بيغن-السادات بجامعة بار إيلان.
طبيعة الاتفاق
حول طبيعة الاتفاق من الأساس، أشار دايان إلى أن
"هذا الاتفاق سيئ، وغير ضروري، ومليء بالثغرات، لأننا تخلينا عن مساحة كبيرة
في منطقة مهمة من الناحية الاقتصادية؛ هذا الاتفاق يضر بالردع الإسرائيلي، لأنه
ليس مع دولة حقيقية، بل إنه تم إبرامه مع طرف ثالث، وربما رابع، ولا توجد اتفاقيات
نهائية بشأن تحديد خط الحدود، أو ترتيبات الإنتاج المستقبلية للغاز، وكل شيء يعتمد
على الضمان الأمريكي الذي يعادل "قشرة الثوم" في جميع نقاط الخلاف، من
الناحية العملية أضعفت إسرائيل موقفها من القضية الاستراتيجية لاستخراج الطاقة،
ولم نحصل على أي شيء في المقابل".
كوبرفاسر أشار إلى أن "الشيء الجيد في الاتفاق
أنه يسمح لنا بتشغيل حقل كاريش لتجنب المواجهة مع حزب الله في الوقت
الحالي، وعدم الاحتكاك مع الأمريكيين الذين أرادوا إنجاز الاتفاق، لكن الشيء السيئ
فيه أننا أوجدنا سابقة خطيرة بالتخلي التام عن جميع مطالبنا، والانهيار بشكل عام
في وجه ضغط الحزب، ما سيعزز سلطته في لبنان، بالإعلان أنه يمكن تحقيق الأهداف من
خلال التهديدات...
أما إسرائيل فليست لديها إجابة، ما يعطيه
مبررًا للاستمرار في الوجود كقوة مسلحة، وهذا أهم شيء له، ونتيجة لذلك فقد يحاول
ترجمة ما لديه بالترويج لأهداف أخرى في المستقبل، مثل قضية الطيران الإسرائيلي في
أجواء لبنان، أو مزارع شبعا، كما أننا نعتمد على ضمانات أمريكية غامضة، ولا ينبغي
لإسرائيل أن تعتمد على ذلك".
كوهين زعم أن "هذه اتفاقية سيئة لإسرائيل،
لأننا استسلمنا دون تفاوض حقًا، هذا التفكير على المدى القصير منع الحرب صحيح، لكن
على المدى الطويل ستكون هناك عواقب بسبب التنازلات أمام لبنان".
عواقب الاتفاق
بالنسبة لعواقب الاتفاق مع لبنان، أشار دايان إلى
أنه "يضر بالردع الإسرائيلي، وسيكون من الضروري استعادته، لأن سلوكنا كان
هستيرياً، وليس تاريخياً، ونبع من تهديد حزب الله بإطلاق الطائرات بدون طيار على
خزان "كاريش"، وحتى ذلك الحين، فإن من المطلوب استجابة أكثر حدة من وجهة نظر
إسرائيل، كما أن صياغة الاتفاق تخلق سابقة إشكالية لما قد يحدث قريبًا في المثلث
الحدودي بين مصر وغزة وإسرائيل، ويجب منع إيران من دخول الشركة الدولية التي ستبحث
عن الغاز، وإنتاجه في المنطقة، والامتناع عن الرجوع إلى وسيط أمريكي في أي نقطة
خلاف".
كوبرفاسر زعم أن "الاتفاق أسفر عن تضرر
لصورة إسرائيل الإقليمية، حاولنا أن يُنظر إلينا على أننا أقوياء ضد إيران من خلال
العمليات ضدها في سوريا وأماكن أخرى، والآن بمجرد أن يتم وضع تهديد مباشر أمامنا،
فإننا "ننثني"، ماذا ستقول الإمارات والبحرين والأطراف الأخرى التي تنظر
لما يحدث هنا، من الواضح أنهم لن يحبوا هذا التطور، فنحن لم نحصل على شيء، إنها
صفقة تمنح لبنان فقط، ولم نحصل في الواقع على أي شيء، لا من حيث المساحة ولا
الاعتراف، تنازلنا عن المياه الإقليمية وعائدات مستقبلية كبيرة، ولم نحصل على
اعتراف بالخط المعزز، واكتفينا بالاستمرار في الوضع الراهن، تنازلات كبيرة مقابل
الهدوء الأمني".
كوهين زعم أن "الاتفاق كاد أن يأتي بلبنان
إلى شواطئنا، نخولهم بالحفر، والبحث عن الغاز، وفي ما يتعلق بالردع، فإننا فقدنا
أيضًا قوة كبيرة، الاتفاق سيئ، ولم يقدم لإسرائيل شيئا، لا يوجد اتفاق مباشر مع
لبنان، لكن بين طرفين بوساطة أمريكية، اللبنانيون لم يعترفوا بإسرائيل، ولا بخط
العوامة الحالي، غدا سيقول حزب الله إنه لا علاقة له بالاتفاق، ويريد تحرير فلسطين
المحتلة، هذا هو هدفه".
العوائد المالية
تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة يائير لابيد
ووزراء آخرين زعموا أن الاتفاق يضمن عدم وصول الأموال لحزب الله، لكن دايان اعتبر
أن "هذا الادعاء لا أساس له في الاتفاق، فهو لا يذكر على الإطلاق مسألة
الإتاوات التي يفترض أن تتلقاها إسرائيل، ويترك الأمر للنقاش المستقبلي مع الشركة
التي ستستخرج الغاز، ولا يوجد في الاتفاق ما يمنع وصول الأموال لإيران وحزب الله
سوى تصريح أمريكي عام حول "أفضل الجهود" لمساعدة لبنان، وحل الخلافات،
لكن من الواضح أن الحزب سيقطع قسيمته الخاصة".
كوبرفاسر أكد أن "حزب الله لم يقم بهذه
الخطوة لكسب المزيد من الأموال، فهو يتلقى معظم دخله من إيران، أو أي وسيلة أخرى،
ولا يحتاج لهذا الاتفاق لتمويل نفسه، ولأغراض عسكرية، كما أن الدخل المالي من الغاز
قد يذهب إلى مجموعات سكانية تعتمد على الحزب، وأي شخص يحصل على أموال في لبنان نتيجة
للاتفاق سيعتبر إنجازًا للحزب الذي استطاع أن يطوي إسرائيل، ما سيترجم إلى المزيد من
الدعم الشعبي له، حتى إن مراقبة الأموال من أرباح الغاز ستكون صعبة للغاية، حاولنا
في الماضي مراقبة الأموال التي حصل عليها الفلسطينيون".
كوهين زعم أنه "سيطالب رئيس الموساد بأنه
لا يوجد شيء اسمه لبنان، ولا يوجد سوى حزب الله، ورغم وجود حكومة ورئيس، فإن لبنان
غير موجود فعلاً".