هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذر رئيس المعهد العربي لحقوق الانسان عبد الباسط بن حسن، والمدير التنفيذي للمعهد العربي للمؤسسات مجدي حسن والأمين العام المساعد لاتحاد نقابات العمال في تونس أنور بن قدور، والحقوقية والأكاديمية فتحية السعيدي، مما وصفوه "المخاطر الكبيرة التي تهدد تونس في صورة عدم تنظيم حوار وطني شامل، والتمادي في الإجراءات السياسية والاقتصادية الشعبوية"، وتنظيم انتخابات برلمانية عامة طعنت أغلب الأطراف السياسية مسبقا في مصداقيتها، واعتبروا أنها سوف تزيد أزمات البلاد تعقيدا.
واعتبر هؤلاء الحقوقيون والمثقفون في ملتقى نظمته "شبكة المنظمات غير الحكومية العربية" ومؤسسة "معهد تونس للسياسات"، أن "مستقبل تونس بات مهددا بمزيد من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والأمنية"، بسبب ما وصفوه بتراكم "الأخطاء الفادحة" التي ترتكبها السلطات منذ إدخال البلاد في مرحلة من "الإجراءات الاستثنائية" يوم 25 تموز (يوليو) 2021، التي وصفها زعماء الأحزاب الكبرى وثلة من أساتذة القانون الدستوري بـ "بالانقلاب" على شرعية صناديق الاقتراع وعلى دستور 2014.
"تهميش دور النساء "
وأطلقت المحامية والحقوقية التونسية الكبيرة بشرى بالحاج احميدة وممثلة جمعية نساء ديمقراطيات بالمناسبة، "صيحة فزع" بسبب تمادي السلطات في تنظيم انتخابات برلمانية، مقررة ليوم 17 كانون الأول/ديسمبر، بعد إصدار قانون انتخابي جديد اعتبرت في تصريح لـ "عربي21" أنه تخلى عن "مكسب التناصف في الترشحات"، وفرض "شروطا تعجيزية" على النساء والمستقلين والفقراء، الذين قد يفكرون في الترشح للبرلمان الجديد.
بشرى بالحاج احميدة
وتوقعت بالحاج احميدة وفتحية السعيدي وعدد من كبار خبراء القانون الدستوري التونسي المشاركين في الملتقى، بينهم عبد الرزاق المختار، أن يكون البرلمان القادم "ذكوريا"، وأن يكون تمثيل النساء فيه ضعيفا جدا وصوريا.
إقصاء الأحزاب والشباب
في السياق نفسه، حذر رئيس مركز الدراسات المتوسطية والدولية والخبير القانوني أحمد إدريس، من "الرسائل السلبية" التي يوجهها القانون الانتخابي الجديد والدستور الذي أفرزه استفتاء 25 تموز/يوليو الماضي؛ لأنهما تسببا في إقصاء المرأة والأحزاب والشباب والمستقلين، الذين ليس لديهم ثروات من الترشح للانتخابات والمشاركة في الحياة السياسية.
أحمد إدريس مدير معهد تونس للسياسة
وأقر إدريس أن "دستور 2014 تضمن عدة ثغرات"، سبق لممثلي المجتمع المدني والجامعة لفت النظر اليها قبل انتخابات 2019 وبعدها. لكنه اعتبر أن الدستور والقانون الانتخابي الذي قال؛ إن "دستور الرئيس قيس سعيد" ضاعف الثغرات، ويوشك أن يدفع البلاد نحو أزمة خطيرة جدا على كل المستويات، في مرحلة استفحلت فيها الأزمة الاقتصادية الاجتماعية وثقة الشعب في كل السياسيين، بمن فيهم قيادات الأحزاب والأطراف السياسية التي حكمت البلاد بعد ثورة يناير 2011.
الحريات في تونس في خطر
واعتبر أستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية عبد الرزاق المختار في تصريح لـ "عربي21"، أن "الحريات العامة والفردية السياسية والاقتصادية في تونس في خطر على كل المستويات"، وأن الفصول الخاصة بالحقوق والحريات والواجبات السياسية في دستور 25 تموز/يوليو الماضي، تضع البلاد أمام "مخاطر كثيرة تجاوزها دستور 2014، بينها مخاطر بنيوية وأخرى هيكلية".
وسجل المختار أن إصدار دستور وقانون انتخابي جديدين في شكل مراسيم رئاسية دون حوار وطني عميق، تسبب في "أخطاء بالجملة"، من بينها "تجاهل المرجعيات الدولية للحريات وحقوق الإنسان وحقوق النساء وحق المترشحين في التمويل العمومي؛ حتى لا يكونوا تحت رحمة "اللوبيات التي تتحكم في المال السياسي الفاسد".
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
وانتقدت أغلب المداخلات وكلمة ممثل "شبكة المنظمات غير الحكومية العربية" صلاح الدين الجورشي والإعلامية منية العرفاوي، ما وصفته بتدهور الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والأوضاع المادية للطبقات الشعبية، بما تسبب في اضطرابات واحتجاجات شبابية، بعضها عنيف في عدة مدن تونسية وفي الأحياء الفقيرة للعاصمة تونس.
وأكد المدير التنفيذي مجدي حسن في تصريح لـ "عربي21" بالمناسبة، أن من بين ثغرات السياسات الاقتصادية الاجتماعية المعتمدة في تونس منذ تموز/يوليو 2021، رفع شعارات "شعبوية" غير منطقية، مثل الحديث عن إعطاء الأولوية للتشغيل دون اتخاذ إجراءات تشجع الاستثمار عموما والاستثمار في الجهات الداخلية المهمشة خاصة، أو الحديث عن العودة إلى " التعايش بين القطاعين الخاص والعمومي وشبه العمومي".
وحذر الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل أنور بن قدور من مخاطر إيقاف الحوار الوطني حول سياسات الدولة، والمطالب الاجتماعية والاقتصادية لملايين العمال ورجال الأعمال.
في المقابل، فسر عبد الرزاق المختار استفحال المخاطر على هذا الصعيد بما وصفه "اعتماد الرئيس الشعبوي وحكومته دستورا اجتماعيا دون سياسات عمومية ودون مؤسسات ودون تمويل، والتبشير بـ "دستور اقتصادي" دون رؤية وتوجهات متناسقة، فهو يدعو حينا إلى "توجهات اشتراكية وأحيانا ليبرالية"؛ لأن هذا الدستور ليس حصيلة حوار يؤدي إلى عقد اجتماعي اقتصادي... يرتقي على الأقل إلى المكاسب التي وردت في دستور 2014.
الشعبويون الجدد
وأكد رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط حسن، والحقوقيتان بشرى بالحاج احميدة وفتحية السعيدي، والإعلامي صلاح الدين الجورشي، أكدوا علاقة الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي تمر بها تونس، بـ "تزايد تأثير الأطراف الشعبوية اليسارية، بما فيها تلك المحسوبة على رئاسة الدولة "، مما أدى إلى الانقلاب على "دستور الحريات الصادر في 2014 " بدستور تخلى عن "مدنية الدولة"، واستبدل الحديث عن الدولة المدنية الديمقراطية بـ "نظام ديمقراطي"، دعا إلى "تأميم الدين.. باسم المقاصد.. فيما أصبحت الدولة تحتكر تحديد المقاصد... وتفسير المقدسات والقواسم المشتركة بين غالبية المواطنين مع ما يمثله ذلك من مخاطر على "حرية الضمير"، والمكاسب الحقوقية والدستورية في البلاد؛ وبينها احترام استقلالية السلطة القضائية، والمؤسسات الدستورية والتعديلية، والتخلي عن الفصل بين المؤسسات والسلطات، وتضخيم دور مؤسسة الرئاسوية، وتكريس السلطوية المركزية السياسية.
الشعبويون يستولون على الدولة
وقدمت ممثلة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الأكاديمية فتحية السعيدي قراءة عن "بروز الشعبويات"، وتزايد تأثير "شعبويين من عدة تيارات خلال العشرية الماضية، بينها شعبويات المجموعات المرتبطة بقيس سعيد، التي لم تشارك في انتخابات 2011 و2014 ولم تشارك في الانتخابات البرلمانية لعام 2019، لكنها شاركت في الرئاسيات".
فتحية السعيدي.. ممثلة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات الأكاديمية
وأوردت السعيدي أن "قطاعا من الشعبويين الذين يدعمون قيس سعيد منذ 2011، ينتمون إلى مجموعة "قوى تونس الحرة، بينهم نشطاء سابقون في حركات يسارية طلابية ونقابية" من أقصى اليسار، ونشطاء من الوطنيين الديمقراطيين "الوطد" مثل رضا شهاب المكي (شهر لينين)، والناشطة السياسية الماركسية سنية الشربطي، وعدد من المسؤولين الذين عينوا مؤخرا على رأس المحافظات والمعتمديات ومؤسسات الدولة، بينهم محافظ العاصمة تونس كمال الفقيه (شهر ستالين)، ومحافظة نابل صباح ملاك التي زارها مؤخرا الرئيس قيس سعيد، وأشرف معها على تأسيس "أول شركة أهلية".
يحكمون منذ 2019
لكن فتحية السعيدي سجلت أنه إذا كان "الشعبويون يستولون على السلطة بالقوة أو عبر الانقلابات، فإن أنصار قيس سعيد "استولوا عمليا على أغلب السلطات في البلاد منذ انتخابات 2019. وقد استفادوا من إخفاقات الأحزاب والمؤسسات المنتخبة والحكومات المتعاقبة قبل ثورة 2011 وبعدها، ومن صراعات النخب وكبار السياسيين في الأحزاب المدنية.
وحذر مدير معهد تونس للسياسات أحمد إدريس وممثل شبكة المنظمات العربية غير الحكومية، من استفحال الأزمات الحالية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بما يوشك أن يتسبب في "إجهاض الاستثناء الديمقراطي التونسي" وتزايد دور "الشعبويين"، والدعاة إلى التخلي عن المطالب الديمقراطية والدعوة إلى استبدال الحاكم الديمقراطي بـ" مستبد عادل شعبوي".
في المقابل، أكدت عدة ورقات ومشاركات في هذا الملتقى تداخل العوامل الداخلية والخارجية في التأثير في مسار الأزمة الشاملة التي تمر بها تونس وأغلب الدول العربية، خاصة منها تلك التي تفتقر إلى موارد مالية تغطي حاجياتها المتزايدة بعد مضاعفات وباء كورونا وحرب أوكرانيا.