أكتب هذا المقال
والقمة
العربية توشك على الانعقاد بعد انقطاع دام لثلاث سنوات بسبب وباء كورونا. والحمد
لله أنها ستنعقد رغم الحرب في أوكرانيا، إذ دأبت الحكومات العربية على تحميل هذه
الحرب كل مآسي العالم العربي بما فيها الفساد والاستبداد.
ولا بد أنك عزيزي القارئ تعلم
أن من أدبيات
القمة العربية وبروتوكولاتها هو تصريح الأمين العام لجامعة الدول
العربية أحمد أبو الغيط، الذي وكما المعتاد يرجع فيه بؤس العالم العربي الراهن
والمستمر منذ عقود إلى الربيع العربي. إي والله، أبو الغيط يختزل مشكلات العالم
العربي على مدار ما يزيد عن ثلاثة أرباع قرن من الزمن، منذ إنشاء الكيان الذي
يتولى سكرتاريته العامة، في الربيع العربي الذي لطالما مدحه وأشاد به وقت حدوثه.
وللتاريخ أذكر أبو الغيط، وإن
كنت أعلم أنه مغيّب بفعل التمويل الذي يتلقاه نظير وصمه لثورة امتدحها عند وقوعها
ظنا منه أنه قد يستفيد منها، واليوم ينقلب على عقبيه متماهيا مع أعداء الثورة
والربيع العربي. وهذا مقتطف من حديثه
لصحيفة المصري اليوم بتاريخ 24 شباط/ فبراير 2022، أي بعد ثلاثة عشر يوما من تنحي مبارك الذي ثار عليه
الشعب.
كل مشاكل العرب عند أمين الجامعة العربية هي الربيع العربي وتركيا على وجه الخصوص وربما إيران، كلما جاءته التعليمات مرفقة بالعملات الصعبة
"بالفعل الثورة لم تحقق
بعد إلا "القشرة التى على السطح"، ومع ذلك فالثورة في رأيي نجحت، لأنها
حققت لمصر تحولات رئيسية لا يمكن أن يتم التراجع عنها ولن يتم ذلك، 25 يناير ثورة
غير مسبوقة ويجب أن تحقق أهدافها بالكامل من خلال تأمين التحول إلى مجتمع ديمقراطي
كامل يقوم على تعددية وعلى أحزاب قوية وعلى انتخاب لرئيس جمهورية بالتنافس، مع
تعديل الدستور وتعديل قانون الأحزاب، وضمان حقوق الإنسان والشفافية. ومن حق الشعب
أن يسأل أين ميزانيتكم وأين إنفاقكم، ويطالب بالشفافية في كل ما يتعلق بأداء الحكومة"
(انتهى الاقتباس).
هذا الرجل ليس عنده مشكلة مع
الفساد الذي تعيشه السلطات الحاكمة في العالم العربي، وليس عنده مشكلة مع الانهيار
الاقتصادي والتراجع الاجتماعي، ولا فلسطين التي يعاني شعبها الأمرّين تحت نير
الاحتلال الوحيد المتبقي على وجه الأرض قبل أن تغزو روسيا أوكرانيا، وليس عنده
مشكلة مع البطالة ولا القروض التي يستدينها الحكام الفشلة، ولا التعليم ومخرجاته
المتواضعة، ولا الحريات المنتهكة ولا الإنسانية المعذبة ولا الكرامة المغتالة على
قارعة الطرقات، ولا السجون المزروعة في الصحراء عوضا عن زراعة القمح والحبوب في
زمن تهدد روسيا فيه بوقف اتفاق القمح الذي تسورده الأمة العربية من المحيط إلى
الخليج، وليس عنده مشكلة في الجامعة التي يديرها وتنفق الملايين شهريا على جيش من
الموظفين والكتبة، دون أن يكون لها دور حاسم حتى في إصلاح هياكلها ولا تفعيل
أدواتها كرأس حربة للعالم العربي.
كل مشاكل العرب عند أمين
الجامعة العربية هي الربيع العربي وتركيا على وجه الخصوص وربما إيران، كلما جاءته
التعليمات مرفقة بالعملات الصعبة.
ولقد اعترف أبو الغيط في
مذكراته التي كتبها بعد الربيع العربي بأن جزءا من القرار السياسي الخارجي لمصر
مرهون بالسعودية، وأن لها قولا في السياسة الخارجية لمصر كما أن لليبيا هي الأخرى
قول.
رجل اعتاد أن يكون قرار
السلطة التي يمثلها رهينة في يد دولة إقليمية، ناهيك عن الدول العظمى أو الكبرى أو
الأخرى، كيف يمكننا أن نتوقع منه إصلاح الجامعة أو إدارة اجتماعاتها بشكل جيد على
الأقل؟
من الطبيعي أن
يضعف دور الجامعة إن كان أمينها العام ضعيفا، والسؤال: لماذا تم اختيار أمين عام
ضعيف؟ والإجابة لأن المطلوب ألا يرتفع صوت الجامعة على صوت الحكومات وخصوصا
الممولة للجامعة!!
سيحضرها أمير قطر، وسيغيب عنها ملوك السعودية والأردن والبحرين وسلطان عمان وحاكم الكويت وربما وبشكل كبير يغيب عنها ملك المغرب، أما بقية الحضور فمع تقديرنا لهم ولشعوبهم العظيمة فهم غير مؤثرين في القرار العربي إلا فيما ندر
كنت أتوقع أن يشتبك الأمين
العام مع المؤسسات الإقليمية والدولية في حوارات حول المستقبل، حول كيفية النهوض
من عثرتنا والاستفادة من إمكاناتنا المتاحة والتي لا يملك مثلها أي إقليم، ولكن
الرجل لم يخيّب ظني فيه، فرأيته خفيف الوزن والعقل قليل الحيلة سطحي التفكير، لا
يعرف من السياسة سوى ما تعوّد عليه لعقود في الدبلوماسية المصرية وهو العمل كمندوب
للعلاقات العامة، وإن تغيّر المسمى فأصبح وزيرا للخارجية.
كنت أتوقع والحال هكذا أن
يسعى سكرتير الجامعة إلى إقناع الحكام برفع التمثيل في القمة العربية المقبلة في
الجزائر، وأن يظهر القادة العرب وقد جمعهم؛ لا أقول الحب والمودة ولكن الهم والخوف
على مستقبل بلادهم وأمان شعوبهم، ولكن أبو الغيط لم يخيب ظني أبدا.
القمة العربية التي بذلت
الجزائر جهودا جبارة لإنجاحها سيحضرها أمير قطر، وسيغيب عنها ملوك السعودية
والأردن والبحرين وسلطان عمان وحاكم الكويت وربما وبشكل كبير يغيب عنها ملك المغرب،
أما بقية الحضور فمع تقديرنا لهم ولشعوبهم العظيمة فهم غير مؤثرين في القرار
العربي إلا فيما ندر.
يتمنى المرء لو اجتمع القادة
العرب واتحدت كلمتهم، ولكن ذلك لن يكون إلا إذا تحررت إرادتهم. والكل يعلم أن ذلك
أمر بعيد المنال، اللهم إذا اتفق الجميع على أن الجامعة كيان جامع له دور فاعل في
القرار السياسي العربي، وأنها أحد أهم ركائز القوى الناعمة للعالم العربي.
يتمنى المرء لو اجتمع القادة العرب واتحدت كلمتهم، ولكن ذلك لن يكون إلا إذا تحررت إرادتهم. والكل يعلم أن ذلك أمر بعيد المنال، اللهم إذا اتفق الجميع على أن الجامعة كيان جامع له دور فاعل في القرار السياسي العربي
ولكي يتحقق ذلك لا بد من
التفكير الجدي في إصلاح الجامعة العربية والإعلان عن هياكل جديدة، من بينها مفوضية
السياسات الخارجية، ومفوضية أخرى للعلاقات العربية- العربية يكون دورها حل
الخلافات العربية أو الحد من تفاقمها، والاستعانة بخبراء في حل الأزمات وإدارة
الصراعات داخل المنطقة العربية. ولماذا لا يتم الإعلان عن مفوضية اقتصادية تسعى من
جديد لإنشاء سوق عربية مشتركة؟ وهو أمر ليس بعيد المنال إذا ما مُنحت الجامعة بعض
الاستقلالية المتفق عليها وكثيرا من الصلاحيات بعيدا عن دول النفوذ في الجامعة وهي
معروفة.
يحتاج الأمر إلى
قرار من
القمة واختيار قادة حقيقيين للجامعة، وليس مجرد موظفين أو سكرتارية يكتبون محاضر
الاجتماعات ويظهرون في مواسم القمم العربية ليتلون علينا بيانات هي أشبه بـ"الطبيخ
البايت"، على حد وصف التعبير المصري الشعبي. وإذا لم يحدث فلماذا لا يتم
التفكير في التخلص من عبء هذه الجامعة وتسريح موظفيها والتبرع بميزانيتها للأيتام
والمساكين، أما بالنسبة للمقر فيمكن تحويله إلى فندق سبع نجوم ليقيم فيه أحد
الأثرياء الذين هبطت عليهم الثروة من الأرض ولم تنزل من السماء.