هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتهت القمة العربية الـ31 التي اختتمت أعمالها بالجزائر الأربعاء الماضي، وعاد رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي والوفد المرافق له والوفد الذي سبقه إلى القمة بأيام جميعهم خالي الوفاض، دون تحقيق ما رغبه نظام القاهرة في ملفي ليبيا ومياه النيل.
وهو ما أكده التباين بين المطالب المصرية على لسان وزير خارجية القاهرة سامح شكري، خلال الجلسات التحضرية للقمة، وكذلك مطالبات السيسي في كلمته للزعماء العرب في ملفي ليبيا ومياه النيل، وبين ما تم التوافق عليه بين الوفود العربية وإعلانه في بيان القمة.
"حكومة الدبيبة"
بداية، طالب وفد الخارجية المصرية بقيادة الوزير سامح شكري خلال الاجتماعات التحضيرية للقمة، بعدم منح حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبدالحميد الدبيبة "دورا في إدارة المرحلة الانتقالية بليبيا تحت أي مسمى أو تبرير".
وهو ما أكد عليه المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، في تصريحات لصحيفة "اليوم السابع"، المحلية في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، معلنا أن موقف وزير الخارجية المصري كان واضحا بالجلسات التحضيرية في هذا الإطار.
وهو الموقف الذي يتسق مع مطالبة القاهرة بعدم استمرار حكومة الدبيبة وانتهاء صلاحياتها، وفي المقابل دعمها وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، المدعوم من برلمان طبرق.
وكان شكري، قد انسحب من جلسة مجلس جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بالقاهرة، في 6 أيلول/ سبتمبر الماضي، احتجاجا على ترؤس وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، لها، والتي استكملت الجلسات على غير رغبة الإدارة المصرية.
إلا أن بيان "إعلان الجزائر"، الصادر الأربعاء الماضي، لم يأت على الرغبة المصرية وخلا من أي ذكر يخص عدم شرعية حكومة الدبيبة، وأحقية حكومة باشاغا.
"التدخل التركي"
ثاني المواقف يتمثل في مطالبة السيسي، في كلمته أمام القمة حول الشأن الليبي، بـ"تسوية سياسية دون إملاءات خارجية"، في إشارة إلى ما تعتبره القاهرة تدخلا تركيا في الشأن الليبي.
وطالب السيسي بـ"تنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد".
وتشهد العلاقات المصرية التركية تراجعا كبيرا بسبب الملف الليبي، إذ أعلن وزير الخارجية سامح شكري، الجمعة قبل الماضي في حوار لقناة "العربية"، عن توقف الجلسات الاستكشافية بين بلاده وتركيا.
إلا أن بيان قمة الجزائر الختامي، لم يتطرق لذكر دولة تركيا أو قواتها في ليبيا، واكتفى بتعبير رفض التواجد الأجنبي لجميع الدول العربية.
البيان أكد أيضا، على "رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل"، دون ذكر لدول خارجية بعينها.
وشدد "إعلان الجزائر" على "دعم الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة الليبية من خلال حل ليبي-ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها"، وهو النص الخالي تماما من مطالبة السيسي بـ"خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب".
"أزمة المياه"
الملف الإثيوبي، كان ثالث الملفات التي لم يوفق فيها نظام السيسي خلال قمة الجزائر، رغم أهميته لأكثر من 140 مليون مصري وسوداني.
وطالب السيسي خلال كلمته للقمة العربية، بـ"حث إثيوبيا على التحلي بالإرادة السياسية وحسن النوايا اللازمين للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة الإثيوبي".
لكن بيان قمة الجزائر لم يتطرق لذكر إثيوبيا أو سد النهضة الإثيوبي ولم يعلن أي دعم لمصر إلا في إطار الدعم العربي لاحتضان الدورة الـ27 لمؤتمر المناخ، ليعود السيسي ووفده إلى مصر بعد ثلاث خسائر مدوية بملفي ليبيا وإثيوبيا.
"بلا أوراق"
وفي تقديره لدلالات عدم قدرة السيسي على تمرير مواقفه عبر قمة الجزائر، قال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق عبدالله الأشعل، إن "فشل مصر يرجع لسببين، الأول: أن مصر أصبحت الآن بلا أي ورقة ضغط".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد السفير أن "مصر فقدت الكثير من أوراقها وعوامل قوتها، وخصوصا في الساحة الإقليمية العربية، حيث أصبحت آخر دولة في العالم العربي، وليس لها أي قوة لكي يُعمل لها حساب".
ورأى الأشعل أن "مطالب القاهرة خلال قمة الجزائر كانت سلبية، بمعنى التحطيم وليس البناء، هو ما يتمثل في مواقفها بشأن ليبيا مثلا، لهذا أُهمل الوفد المصري وأُهملت مطالب مصر".
واعتبر أن "مصر في أسوأ أوضاعها عبر التاريخ الحديث"، مشيرا إلى أنه "حتى في ظل حكومات عسكرية سابقة كان مثلا يجري تشكيل حكومة لبنان في بيت السفير المصري ببيروت".
وتابع: "وكانت مصر تقود رغم الصخب الشعاراتي بعهد الرئيس جمال عبدالناصر، المنطقة، وكان الكل يخاف من دعمها أي تغيير بالحكومات العربية حتى بانقلابات عسكرية أو أن تفضح تلك الحكومات عبر إذاعة (صوت العرب)؛ لكن الآن مصر فقدت تماما أوراقها".
وبشأن إخفاق حكومة مصر في الحصول على إدانة عربية لإثيوبيا، قال السياسي المصري: "تُعلن إثيوبيا دائما أن العرب والجامعة العربية يتكتلون مع مصر، ولا بد أن يتكتل الأفارقة مع أديس أبابا".
وأوضح الأشعل أنه "بالنسبة لملف أفريقيا فإن مصر كانت لديها فرص كثيرة جدا، لكن القيادة لا تفهم شيئا، ولهذا وجود مصر بالقارة تراجع وأصبح هامشيا، وهنا وجدت إسرائيل الفرصة سانحة للتسلل إلى القارة وطاردت مصر بها".
وأكد المرشح الرئاسي الأسبق أن "الإدارة المصرية فاشلة بكل المقاييس، ولم يقل أحد إن الحكم العسكري ناجح رغم أن هناك بعض السذج والهوام يقولون إن مصر لا ينفعها إلا الحكم العسكري".
وأضاف: "خلف هذا وذاك فإن هناك أمريكا التي لا تقيم الآن أي اعتبار لمصر، وبالتالي فإنها ما دامت الدولة العظمى المهيمنة على المنطقة قد رفعت يدها عن القاهرة، فطبيعي أن تتراجع مكانة مصر لدى جميع الدول العربية والأفريقية وألا يقيموا لها وزنا".
وخلص إلى القول، إن "القيادة ليست حريصة على مصر، ولو أنها حريصة عليها لكانت تخلت عن القيادة لأشخاص أكفاء، إنما للأسف هناك عصابة تجمع أعضاؤها لنهب البلد، وهذا واضح من وجود فرق بين مصالح النظام العصابي المافيوي وبين مصالح شعب مصر".
"نظام مفلس"
وعن أسباب خسارة مصر قدراتها وتأثيراتها في المحفل العربي الأهم، قال السياسي والإعلامي المصري المعارض حمزة زوبع، لـ"عربي21"، إنه نظام "أفلس سياسيا، محليا، وخارجيا، وتأكد عجزه عن الفعل والتأثير لضعف أدواته السياسية وسمعته السيئة بكافة المحافل".
وأشار زوبع إلى "زيادة الضغط الشعبي الرافض لاستمراره، ووقوعه في شر نفسه بعد أن وصف نفسه بالبطل، بينما الجميع يدرك أنه وإن كان بطلا فهو من ورق تذروه الرياح".
وأكد أن "مصر خسرت مكانتها بسبب الانقلاب الذي سلم قيادتها للممولين والكفلاء في الخليج وفي إسرائيل، وبالتالي فإنه لم يعد قرارها نابعا من داخلها مع الأسف".
واعتبر أن دلالات ما جرى في قمة الجزائر من تجاهل لرغبات السيسي، "هو تأكيد لما قلناه منذ اللحظات الأولى للانقلاب، بأن الجنرالات لا يخوضون حروبا ضد الأعداء بل ضد شعوبهم، وأنهم عجزة وإن بدت كلماتهم قوية وبطشهم شديدا".
"لا تثير الدهشة"
وفي رؤيته، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، الدكتور ممدوح المنير، إن "عودة السيسي خاسرا من القمة العربية طبيعي؛ فلا يوجد سبب منطقي يجعله يربح في أي من الملفات الإقليمية".
وأضاف لـ"عربي21"، أن "الرجل في كل أحاديثه لشعبه يتحدث عن الدولة بلغة مهينة من عينة أنها دولة بلا مستقبل لن تقوم لها قائمة، وطن ضايع"، متسائلا: "من يحترم نظاما يهين نفسه ودولته بهذا الشكل حتى يتجاوب معه أحد؟".
وتابع: "السيسي بالفعل، وليس بالحديث فقط، حوّل مصر إلى دولة تابعة بلا إرادة مستقلة، وأصبح هذا معروف بالضرورة بين قادة القمة، وبالتالي فإنه لا يعبأ أحد بطلباته".
وقال المنير: "السيسي، هو من ضيع حقوق مصر في النيل، وهو من وقع على اتفاقية إعلان المبادئ التي تخول إثيوبيا الحق في بناء السد، فإذا كنت أنت من تخليت عن حقك فإنه ليس هناك من سيسعى لك لاسترداده؛ خاصة أن هناك دولا مثل الإمارات والسعودية ضالعة في الاستثمار فيه".
اقرأ أيضا: "إعلان الجزائر" يؤكد على الحق الفلسطيني والأمن القومي العربي
وفي الملف الليبي، أكد الباحث المصري، أن "السيسي تراجع دوره بتراجع دور خليفة حفتر، وأصبح الملف يدار من قبل تركيا، والفاعلين الدوليين، وفقد النظام المصري الكثير من تأثيره بالملف لصالح لاعبين آخرين مثل أنقرة وأبوظبي والرياض والاتحاد الأوروبي وبالطبع واشنطن".
وختم بالقول: "بالتالي، فإن خسارة السيسي، لا تثير الدهشة وتتماشى مع ما فعله بالدولة المصرية، والذي سيدهش فعلا هو العكس إذا استطاع تحقيق أي نجاح، وهذا مستبعد".
"تبعية الحكام"
من جانبه، قال المؤرخ والأكاديمي المصري عاصم الدسوقي إن "أسباب خسارة مصر قدراتها وتأثيراتها في تقديري هي أن الحكام العرب الحاليين يسعون للتخلي عن العروبة وقضاياها لصالح السياسة الأمريكية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "السياسة الأمريكية في المنطقة تقوم على الإعلاء من شأن الطائفية لتحقيق الشرق الأوسط الجديد أو الكبير".