ونحن نعيش هذه الأيام على وقع
قمة المناخ العالمية المنعقدة في شرم الشيخ في
نسختها السابعة والعشرين التي بدأت أول أمس، السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر،
وتنتهي في الثامن عشر منه، فنحن على موعد بعد ثلاثة أيام مع التحركات الشعبية
للشباب
المصري في
11/11 التي يتوقع لها أن تحدث هزة كبيرة في الشارع المصري، كما تشير
التوقعات المتفائلة، والتي أشارك أصحابها ذات التفاؤل؛ ذلك أن الاستعداد الجماهيري
لهذا اليوم الفارق في حياة الشعب المصري فاق كل التوقعات، ولأنه بات يدرك بأن
الأمم لا تتحرر إلا بالتضحيات، ولا ترتقي إلا بالهمم العالية، ولا تتقدم إلا ببذل
الغالي والنفيس.
وقد كان اختيار توقيت 11/11 مناسبا وذكيا؛ ذلك أن قيام ثورة شعبية في ظل أجواء
قمة المناخ التي تهدف في الأساس إلى حماية البشر من نتائج الاحتباس الحراري
والتغيرات المناخية وغير ذلك من ملوثات البيئة؛ سيدفع بعض المشاركين في المؤتمر إلى
طرح سؤال جوهري: أليس من باب أولى أن تتم حماية الشعب المصري من الموت قتلا خارج
القانون واعتقالا وتعذيبا وجوعا ومرضا وضغطا نفسيا؟! علما بأن
الضغوط النفسية والقلق والخوف والفوضى والضوضاء وغيرها من منغصات العيش تُعد من
ملوثات البيئة الاجتماعية، ولا تنفصل عن اهتمامات المؤتمر الذي يتوقع أن تتداخل
فيه أزمات ومحاور نقاش جديدة جراء القمع المتوقع للاحتجاجات في أثناء انعقاد
المؤتمر، التي قد تتسبب بفوضى وخلافات بين الوفود حول ما يحدث في شتى ربوع مصر،
وقد تضطر بعض الوفود إلى المغادرة مبكرا؛ ليكون الفشل عنوانا بارزا للمؤتمر.
وقد سبق انعقاد المؤتمر
حملة اعتقالات تعسفية واسعة بين المواطنين المصريين
الذين تم احتجازهم في المراكز الأمنية، والتحقيق معهم من قبل جهاز الأمن الوطني؛
مما أدى إلى مزيد من الاحتقان في الشارع. وجاءت الاعتقالات مخيبة لظنون الجهات
الأمنية، إذ تفاقم الغضب والإصرار على المضي قدما في
الاحتجاجات، عوضا عن التراجع
والخوف الذي خمنت به هذه الجهات؛ فالمسألة بالنسبة للمصريين تحرير وطن من عصابة
مجرمة تقتل وتعتقل وتعذب وتجوع وتحتقر المواطن وتهينه بسبب وبغير سبب؛ فجاءت ردات
الفعل على الاعتقالات العشوائية على مواقع التواصل الاجتماعي كتابة وصوتا وصورة
كلها متحدية وماضية في ثورتها غير عابئة بالتهديدات والإجراءات القمعية، وغلب على
كثير منها الاستهزاء بالموت الذي يعيشه المواطن المصري في واقعه المر الأشبه
بالموت..!!
كان اختيار توقيت 11/11 مناسبا وذكيا؛ ذلك أن قيام ثورة شعبية في ظل أجواء قمة المناخ التي تهدف في الأساس إلى حماية البشر من نتائج الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وغير ذلك من ملوثات البيئة؛ سيدفع بعض المشاركين في المؤتمر إلى طرح سؤال جوهري: أليس من باب أولى أن تتم حماية الشعب المصري
وقد تكرر كثيرا الحديث عن أسباب حالة السخط في مصر، لكن يكفي للتدليل على ما
وصلت إليه الطغمة الحاكمة من فشل سياسي واقتصادي أن نشير إلى عدد من الشركات
المصرية التي توجهت للاستثمار في المغرب، لغياب الأمن والاطمئنان، وأن نشير إلى تصريح
رئيس الوزراء عن نزوح 25 مليار دولار للخارج في أقل من شهر، وأن نتساءل عن الدور
الذي تلعبه الإمارات من خلال خمسة بنوك تابعة لها تعمل في مصر، حيث تشتري الدولار
بأسعار عالية وتكتنزه في خزائنها، فهي تسيطر على حصة عالية من سوق الدولار
والمضاربة به؛ مما يسهم في رفع الأسعار
وانهيار العملة المحلية، بما يثقل كاهل
الشعب الذي قضت الضرائب والفواتير الباهظة على آماله التي وعده بها
السيسي كذبا
وتدليسا وزورا طوال سنين حكمه.
ومن المدرك بداهة أن مصر تعاني من خلل بنيوي في الهيكل الاقتصادي القائم على
العشوائية؛ دفع بالطبقة الوسطى التي تمثل حالة التوازن الاجتماعي والاقتصادي إلى الانهيار
ومعاناة الفقر؛ بما زاد من عدد الناقمين على النظام بسبب الجوع والحرمان، ناهيك عن
طبقة المثقفين والسياسيين التي يؤرق مضاجعها الحالة السياسية والاجتماعية التي
تعاني منها البلاد، والتنمر الذي تتعرض له من قبل دول خليجية وغربية، حيث فقدت مصر
مكانتها الإقليمية والدولية بسبب السياسات التدميرية للسيسي التي جعلت من كلمة "تسول"
مصطلحا إعلاميا دارجا محليا ودوليا؛ فقد كان لعبد الفتاح السيسي فضل السبق في
إدخال كلمة "التسول" إلى واحد من أكثر المصطلحات تداولا في القاموس
الاقتصادي والسياسي الراهن.
فقدت مصر مكانتها الإقليمية والدولية بسبب السياسات التدميرية للسيسي التي جعلت من كلمة "تسول" مصطلحا إعلاميا دارجا محليا ودوليا؛ فقد كان لعبد الفتاح السيسي فضل السبق في إدخال كلمة "التسول" إلى واحد من أكثر المصطلحات تداولا في القاموس الاقتصادي والسياسي الراهن
ولأن "الحرية لا تعطى على جرعات؛ فالمرء إما أن يكون حرا، أو لا
يكون" كما يقول نيلسون مانديلا؛ فإن الشعب المصري -من حيث يخطط بوعي أو من
حيث يستقر في عقله الباطن- مقدم على ثورة شاملة ينتزع فيها حريته وقيمه الاجتماعية
والإنسانية بعد أن قضت العصابة على كل القيم المصرية العريقة، وكتمت أنفاس الشعب،
وسيطرت على مقدراته وشؤونه العامة والخاصة، ولم تترك له هامشا صغيرا من الحرية،
وذلك من خلال إجراءات خبيثة متتالية يبدو أنها مستوحاة من كتاب الأمير لنيكولو ميكافيللي في
آليات السيطرة على الشعوب، ومن مسيرة الحكم الدكتاتوري أيام جمال عبد الناصر، غير
مدركين بأننا في زمن يختلف عن الزمن الذي كُتب فيه كتاب الأمير، أو الزمن الذي حكم
فيه عبد الناصر، وأن العالم أصبح مرتبطا بشبكة معلومات دولية، في ظل وسائل التواصل
الاجتماعي والزمن الرقمي بشكل عام، حتى إن العمليات السرية التي قتل فيها العسكر
بدم بارد بعض الشبان والصبيان في سيناء وجدت من يصورها من أفراد الجيش أنفسهم
وينشرها للعامة..!!
وفي
الأثناء تسود حالة من التوتر والخوف في أوساط المؤسسة الإعلامية
والأجهزة الأمنية
المصرية، ومؤسسة الرئاسة، بشكل لافت يؤشر على ردات الفعل الأولية المرتجفة الناجمة
عن دعوات النزول إلى الشارع، وهو ما يحسب لهذه الدعوات؛ كونها استطاعت أن تهز كيان
المنقلب، وتحقق أول أهدافها في فضح هشاشة الطغمة الفاسدة وأعوانها. فقد قامت
الأجهزة الأمنية بإغلاق المقاهي في عدة مناطق من العاصمة والمدن الأخرى
كالإسكندرية، وقامت باعتقال مئات الشباب، وكثير منهم ممن كانوا قيد الاعتقال
سابقا، كما نشرت قوات الأمن عددا كبيرا من الكمائن التي تتصيد من خلالها كل من تشك
فيه أو تتوقع أن يشارك في الاحتجاجات، كما حلقت الطائرات المروحية فوق ميدان
التحرير لساعات طويلة ولأيام عدة، في محاولة لإرهاب الناس، ونشطت اللجان
الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مثير للسخرية لتشابه تغريداتها التي
تتلقاها عبر التوجيهات المباشرة من الأجهزة الأمنية، ناهيك عن الإعلام المهترئ
وتلفيقاته المكشوفة والفاضحة. ولا شك بأن ذلك يعد دليلا على نجاح هذه الدعوات،
ودافعا للاستمرار والإصرار على خلع الطاغية وإلقائه في مزبلة التاريخ هو وكل من
يدور في فلكه.
تسود حالة من التوتر والخوف في أوساط المؤسسة الإعلامية والأجهزة الأمنية المصرية، ومؤسسة الرئاسة، بشكل لافت يؤشر على ردات الفعل الأولية المرتجفة الناجمة عن دعوات النزول إلى الشارع، وهو ما يحسب لهذه الدعوات؛ كونها استطاعت أن تهز كيان المنقلب، وتحقق أول أهدافها في فضح هشاشة الطغمة الفاسدة وأعوانها
ومما
يؤكد على التوتر والارتباك في أجهزة السلطة أن يطلع علينا الشيخ خالد الجندي بفتوى
سياسية مغلفة بشحنة دينية عاطفية ليقول للناس بأن تحديد أسعار المواد الغذائية في
مصر يتم من قبل الله، ويضيف بأن المسؤولية عن ارتفاع الأسعار في مصر لا تقع على
عاتق القطاع الحكومي والخاص، لأن المسعّر هو الله، وعلى مصر أن تربط عملتها بالله
وليس بالدولار والذهب، معتقدا هو ومن يقفون خلف جهاز السامسونج بأن مثل هذه
الأباطيل قابلة للتفهم والتصديق.
ثم
يطلع علينا إبراهيم عيسى بموضوع سبق وتكلم فيه عدة مرات؛ لكن هذه المرة مطلوب منه
أن يشغل منصات التواصل الاجتماعي بالرد عليه، لإلهائها عن الاهتمام بالقضية
الأساسية المتمثلة في إسقاط النظام؛ فقد طالب بمنع الجهر بالأذان؛ لأنه يؤذي
السائحين الذين يمتنعون عن السياحة في مصر بسبب صوت الأذان المزعج.
ويطلع
علينا المذيع العفن أحمد موسى محذرا المتلاعبين بالأسعار بفضحهم من خلال برنامجه
الساقط، وذلك في محاولة لإيهام البسطاء بأن سبب الغلاء التجار وليس الدولة. وكلها
أباطيل لا تستحق الرد عليها، لأن الرد سيكون من خلال الشارع الذي سيهتز تحت أقدام
الطغاة، حين تجتاح الملايين من رجال مصر ونسائها الشوارع بعزيمة وإصرار وتضحية لم
يسبق لها من قبل مثيل.
ومن
المضحكات المبكيات أن تكرر بعض النوافذ الإعلامية المصرية مقولة السيسي الهزيلة
التي أدلى بها في الملتقى الاقتصادي الأخير حين قال: "أنا ربنا في ضهري،
وإللي يقدر على ربنا يتفضل"؛ فهو يقرر ببساطة أن الله معه ويسنده، ثم يتحدى
بالله من يخالفه أو يقف في وجهه، ما يذكرني بتكراره لجزء من آية قرآنية:
"فعلمناها سليمان". ولا أدري إن كان يستهبل أو أنه مقتنع بما يقول، وفي
الحالتين فالنتيجة واحدة، وتتطلب أن يتم عرضه على طبيب نفسي عاجلا لا آجلا؛ فهو
يضع نفسه في مقام النبوة، ويحتمي بقناعته بأن الله يسنده ويقف إلى جانبه؛ فهو من
جهة يعادي الدين بالدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بهدم كثير من أركانه، وجعله دينا
"كيوت"، ومن جهة أخرى يرى نفسه نبيا معصوما ومحميا من الله، ويتحدى أن
يقترب منه أحد ما دام الله سنده وغوثه.
وقبل
انعقاد المؤتمر وأثناءه قام عشرات الصحافيين والحقوقيين والسياسيين في العالم بإثارة
تساؤلات حول استضافة قمة المناخ في مصر، وكثير من المتسائلين من كبار الإعلاميين
والشخصيات السياسية البارزة، محذرين من أن مصر تسعى من خلال استضافتها للمؤتمر إلى
تبييض صورتها السوداء أمام العالم. فكل ما يقوم به السيسي وزبانيته مكشوف للعالم
وللمصريين الذين لم يعودوا يثقون به أو بإعلامه المتآمر عليهم، ولم يبق له إلا أن
يهرب من مصر قبل أن تبتلعه ثورتها العارمة..