الأهم من سؤال
لماذا فشلت الدعوة لمظاهرات 11/11؟ هو
سؤال من وراء هذه الدعوة، التي كلما اعتقدت أن اسما بعينه هو صاحبها، اكتشفت أنه
واحد من الذين تبنوها، حتى بدت لي مقطوعة النسب؟ فهل كانت مؤامرة من جانب أهل
الحكم، كان من تبنوها بحسن نية وسلامة طوية، كمن يساقون إلى الموت وهم ينظرون؟!
عندما اتهمني (الكَلّ على مولاه) نشأت الديهي بأنني ممن
أطلقوا الدعوة لهذه
المظاهرات، ونفيت ذلك، فوجئت بوابل من الهجوم من المتحمسين
لها، أو من يبدون من المتحمسين، بحجة أنني أساهم في إحباط الناس، وكأن المطلوب من
المرء أن يدعي شرفاً، أو يزاحم داعياً، أو يغتصب حق الدعاة، وفي كل مرة كتبت فيها
وجهة نظري التي تتلخص في أنه لن يكون على النار هدى، أتلقى وابلاً جديداً من
الهجوم، الأمر نفسه استمر بعد أن كتبت أذكر بموقفي بعد فشل الدعوة، وذلك في مواجهة
هذا الصخب الذي أحدثته المليشيات الإلكترونية، التي كانت تتعامل على أنها حققت
انتصاراً عظيماً!
وهكذا صرنا هدفا لزخات الرصاص من الجانبين، وإذ كان من
الطبيعي أن نكون هدفاً للنيران المنطلقة من مدافع مليشيات السلطة، فلماذا هذا
الغضب الجارف ممن نعتبرهم من شيعتنا، وكأن المطلوب منا أن نتحمل في كل مرة أخطاء
الغير، بحكم المسؤولية التضامنية، فيعلن غيري موت
السيسي، فتعاملنا أبواق الحكم
وذبابه على أننا من قلنا، ويقول غيري إن الانقلاب يترنح، فيعايروننا في شماتة بذلك،
فنصبر على المكاره، فليس من حقي أن أقول لست القائل هنا أو هناك، مع ما في الادعاء
من استهداف مصداقيتنا بشكل مباشر؟!
اللافت هنا أن الذين كانوا يبدون من شيعتنا ثم يصبّون علي
اللعنات، لتوضيح موقفي من الدعوة، وقد نسوا الفضل وصاروا كالتي اللاتي يكفرن
العشير، لو أحسن إليها المرء الدهر كله وأساء لها مرة تقول ما رأيت منك إحساناً، هؤلاء
لم يثبت أنهم قاموا بمحاولة للتظاهر في هذا اليوم ولو من باب القيام بفرض الكفاية،
فالثابت أن القُطر
المصري من أقصاه إلى أقصاه لم يشهد محاولة تظاهر واحدة، فهل
يعقل أن هؤلاء المتحمسين للدعوة والمنفعلين بها جميعهم في الخارج؟!
واقعة تاريخية
لقد قال البعض إن الداعين لهذا اليوم قد اجتهدوا فماذا
فعلت أنت؟ فطفت على سطح الذاكرة واقعة تاريخية، عندما فكر نظام عبد الناصر في إجراء
أول انتخابات برلمانية بعد حركة الضباط الأحرار في سنة 1952، وإذ ترشح مجدي حسنين،
أحد هؤلاء الضباط، في دائرة قصر النيل بالقاهرة، وكانت دعايته التي أغرق بها
الدائرة "انتخبوا مجدي حسنين الذي أسس مديرية التحرير"، فراقت المسألة
لموسى صبري، الصحفي الشاب الذي كان وقتئذ يحمل بقايا تمرد منذ سجنه بسبب موقف له
من الاحتلال الإنجليزي، فقرر خوض الانتخابات ضده وكانت دعايته المضادة
"انتخبوا موسى صبري الذي لم يؤسس منظمة مديرية التحرير".
ماذا فعلت أنا؟
الإجابة أنني لم أدعُ إلى
11/11، ولم أتنبأ لها بالنجاح،
لكني أيضاً لم أتوقع لها هذا الفشل الكبير، ولأنني أعرف حدودي، ليس فقط لاستشعاري
الحرج لأنني في الخارج ثم أدعو مَن في الداخل لأن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة مع
نظام لا يرقب فيهم إلا ولا ذمة، ولكن بالإضافة إلى ذلك لإدراكي أن مصر وإن كانت
حبلى بالثورة، فليس من خصائص الثورات الولادة القيصرية، بجانب أنني أعلم أن
الثورة
تحتاج إلى الطليعة الثورية، والتي لو خرجت سيخرج العامة، وقد يسبقونها بمراحل في
الشارع، بل إن النخبة وقتها لن يمكنها السيطرة على المشهد كما نجحت في ثورة يناير!
والطليعة الثورية هذه تحتاج إلى قائد جماهيري، رغم
اعتزازي بدوري الذي لا يمكن أن يقوم به أحد من القادة الحركيين، ولا يقلل هذا
منهم، فخالد بن الوليد لا يمكنه تبادل الأدوار مع حسان بن ثابت، لكن لكل منهم ميدانه
الذي يؤدي فيه أفضل الأداء!
إن أزمة الوعي مردّها في التسليم بكثير من الدعايات
المضللة عن ثورة يناير، ومن بينها دور
منصات التواصل والإعلام الجديد (فيسبوك
تحديداً) في القيام بها، وما دام يتم استخدام وسائل أفضل (يوتيوب) فالأمر بسيط
للغاية، يكفي إطلاق الدعوة التي سيؤوب معها الشعب الغاضب في مصر!
ودعاية دور الإعلام الجديد على درجة كبيرة من المبالغة،
بل وليست صحيحة، مع أنه تم التسليم بهذا أكاديمياً لنشهد سيلاً من رسائل الماجستير
والدكتوراة حول هذا الدور، وحول التأثير، لكن الحقيقة أن ثورة يناير تم التخطيط
لها على الأرض من قوى عدة، وفي لقاءات عقدت لمسيرات تخرج من هنا وهناك وخط سيرها،
ووقفات هنا وهنا، مع خالص احترامي لما وصفته بـ"أبحاث المهرجانات" على
وزن "مطربي المهرجانات"!
أعلم تماماً أنني أسير على سلك مكشوف، فحتى الذين جلسوا
في بيوتهم في انتظار الفرج، هم مع الدعوة، ويمكن لي أن أداعب العواطف الجياشة
للناس. ولا أنكر أنني كنت أتحسس كلماتي عندما كتبت كلمات قليلة أخفف بها من حالة إحباط
ستعم الأرجاء بعد فشل الدعوة، لكن المسؤولية الإنسانية تدفعني لعدم كتمان موقفي، فالدعوة
لمظاهرات 11/11 ترتب عليها
إعادة توقيف من سبق اعتقالهم، ومنهم من فرّ من منزله
ليعيش بعيداً عن القبضة الأمنية حتى يمر هذا اليوم بسلام!
وما لا يمكن تمريره، أن حسن النوايا لا يفيد هنا،
فالطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، وماذا جنى من تبنوا الدعوة من حالة
الإحباط التي سيطرت على الناس، ونشوة الانتصار التي كان عليها السيسي وأبواقه
ولجانه؟!
لقد كنا أمام انتصارات تتحقق بدون حول منا أو قوة،
فقمة
المناخ التي تم التمهيد لها لترسيخ الشرعية الدولية للسيسي، أنتجت النظر إليه وفق
نظرية "الموظف الفعلي" في القانون، والذي لا يعني بالضرورة أنه موظف
حقيقي، وهو في أحد تعريفاته من يتولى وظيفة عامة بدون سند شرعي. وقد تحولت القمة
إلى قمة علاء عبد الفتاح وشقيقته سناء، وقد علم العالم وإعلامه وقادته أن حاكم مصر
يعتقل الأبرياء وينكّل بهم، وهي خطوة يمكن البناء عليها مستقبلاً. ثم إن رجاله
يقفون للدفاع عنه بالخروج على تقاليد المؤتمرات الدولية، فيكون أمام العالم أنه
حكم الشبيحة، وتنفجر ماسورة الصرف الصحي، فتكشف كذب الدعاية عن المليارات التي أُنفقت
على البنية التحتية!
وبعد هذا كله، لا يستجب أحد للدعوة للمظاهرات، فيعتبر
السيسي هذا انتصاراً له، غطى على ما جرى في شرم الشيخ، مع حالة إحباط في الجبهة
الأخرى، جعلت الساحة خالية إلا من دعايته، فهل يغفر للداعين حسن النية وسلامة
الطوية؟!
فشل الدعوة
والسؤال، لماذا فشلت الدعوة لمظاهرات 11/11؟!
إنه لا يمكن اعتماد الداعين على أنهم يخاطبون الطليعة
الثورية، والتي ليست مستعدة أن تقدم على مقامرة في ظل هذا الحكم استجابة لدعوة لا يُعرف
مَن وراءها، والحديث عن أن وراءها جهات وأجهزة لا يدعمها إنما ينتقص منها، وكما
قيل في دعوة محمد علي الأولى، إن هناك جناحاً في السلطة يريد أن ينقلب على السيسي،
إذن فلينقلب بعيداً عنا!
وهنا فإنه يمكن اعتبار الدعوة موجهة للعامة، وهم لا
يحبون القفز في الفراغ، ولم يقدم من تبنوا الدعوة خارطة طريق، فماذا لو سقط السيسي؟
هل لديهم رؤية لما بعد ذلك؟
إن دعوة "فلنسقط السيسي ثم نرى ماذا نفعل"، لا
يعرف أصحابها طبيعة الشخصية المصرية، وربما يتعاملون مع المصريين كمستشرقين، ثم إن
العامة إما أن يندفعوا اندفاعات فجائية وليدة اللحظة كبركان، أو أن يفكروا ويقلبوا
الأمر على وجوهه، وهنا لن يغامروا إلا إذا وجدوا طليعة تسبقهم للشارع، ووجود
الطليعة يطمئنهم على أنها المغامرة المحسوبة، لثقتهم بأن هذه الطليعة تملك البديل!
وما سبق هو في حالة افتراض حسن النية، لأن عدم العثور
على الداعي الأصلي لهذه المظاهرات، إنما يطرح علامة استفهام إذا أخذنا بنظرية
المؤامرة؟!
فهل كانت الدعوة اختراعاً من جانب السلطة نفسها للوصول
إلى هذا الانتصار الشكلي، وهو المهم ما دام قد تعذر الانتصار في الموضوع؟!
لقد كان لافتاً أن أصوات
الأبواق الإعلامية في الداخل
المصري أعلى من صوت المعركة، وبدا الأمر كما لو كانت "تصويتاً" لها..
فماذا هناك يستدعي ادعاء الفزع والترقب، وبدعاية جعلت كثيرين يعتقدون أن هناك في
الكواليس ما يخيف القوم ويؤكد على جدية الدعوة؟ وهذا الإحساس هو المسؤول عن حالة
الاسترخاء في انتظار أن يقوم من وراء الحجرات بدوره أولاً، ثم نلتحق به في وقت
لاحق!
إن سرادق الصراخ المنصوب في الأستوديوهات، ومن إعلام مسيّر
لا مخيّر، ثم تكون نتيجته "لا أحد خرج"، كاشف عن خلل في قرون
الاستشعار
الأمني، فهل يعقل أن دعوة مآلها إلى "لا أحد خرج" يمكن أن تنتج هذا
العويل بشكل أدهشنا فسألنا ماذا هناك؟!
السيسي مات
وفي المقابل فإن حديث الاتصالات والتواصل من جانب أجهزة
مع قطاعات معارضة؛ إنما يجعلنا نطلب من زعماء 11/11 أن يعيدوا تقييم الموقف، فإما
أن هذه الاتصالات كانت أداة لتضليلهم ليتبنوا دعوة بدت لي لقيطة لعدم معرفة
مصدرها، وإما أنه لا اتصالات، وأن كل ما يقال هو ادعاءات تسقط الثقة والاعتبار!
وعلى ذكر السيسي مات، فقد سهرت عقب الانقلاب ليلة كاملة،
أتلقى اتصالات من أشخاص أعرفهم وآخرين لا أعرفهم تردد هذه الرواية بهدف إقناعي
بها، دون جدوى، وكنت أعرف أن المخطط يستلزم نقل الخبر عبر من أعرفهم والذين هم
ضحايا، وراقت لي فكرة تجريب كفاءتي المهنية، فظللت لفترة ليست قصيرة أجمع في خيوط "الحبكة"
فتوصلت لفك الشفرة، وإن سلمت بمهارات من وقفوا وراء الخبر الكاذب في الدخول من
جانب حسن الظن لدى البعض!
ومهما يكن، فنصيحتي لزعماء السوشيال ميديا أن يتواضعوا
قليلاً وأن يستوعبوا الدرس، وبعيداً عن فكرة المؤامرة، فليس الصحفي الذي يقرأ له
الملايين يمكنه أن يقود الجماهير لمظاهرة، وليس كل إعلامي ناجح يصلح قيادة على
الأرض، وليس بالسوشيال ميديا تخرج الثورات!
في شبابه، قد نتزاحم لحضور فيلم لعادل أمام أو مسرحية،
لكن ماذا لو أن هذا الفنان الذي يُشد الرحال إلى مسرحه ودور عرضه، طلب من
المشاهدين الخروج في مظاهرة ولو آمنة؟ هل يستجيبون له؟!
هذه نقرة وتلك نقرة أخرى!
twitter.com/selimazouz1