كثر الحديث في الأيام
والأسابيع الماضية التي سبقت وتلت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، عن دخول القضية
الفلسطينية والنضال الفلسطيني مرحلة جديدة تتطلب حسب التحليلات والتوجهات بُعداً
مختلفاً في التعاطي السياسي والنضالي للفلسطينيين، بعد سيطرة الأحزاب الأكثر فاشية
وعنصرية على مقاليد السلطة في إسرائيل. فالتعبير عن القلق الذي صاحب معظم المواقف
من حكومة إسرائيلية ركائزها الأساسية تقوم على ممارسة الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني،
يؤكد إلغاء أو انتهاء حقبة من الأوهام المرتبطة مع "أوسلو" الفلسطينية
الإسرائيلية و"عملية السلام" التي لم يتحقق أي من أهدافها العربية
والفلسطينية، حسب البرنامج والشعار الذي رافق ربع قرن من مرحلة التحرر الوطني
الفلسطيني.
لم يعد من المجدي ملاحقة
تصريحات القلق الفلسطيني والعربي والدولي، لوصف عملية فضح الحقائق على الأرض التي
تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وألاعيبها "الديمقراطية" في فرز
وصعود اليمين الصهيوني بعنصرية تجاه الحقوق الفلسطينية. ولم يكن باستطاعة هذه
السيناريوهات إلا تذكيرنا بالإنجازات الصهيونية الكبيرة على الأرض استيطانا
وتهويدا ومصادرة وحصارا، ولولا السقوط العربي والفلسطيني في مخاض الأوهام
والتكتيكات الفاشلة لما وجدنا العبارة الباهتة عن التمسك بـ"المبادرة العربية
للسلام" التي قتلتها إسرائيل منذ لحظة تمسك العرب بها، إلى الفكاك منها بهرولة
التطبيع والتحالف مع المؤسسة الصهيونية.
رغم كل هذه الظروف العربية والدولية التراجعية وتفشي ظاهرة الصهينة العربية وعدوى السقوط في حضن التطبيع، مع تغول الاستبداد العربي الذي ساهم ويساهم في تتويج انتصار الصهيونية الدينية، يبقى الصراع مع المشروع الصهيوني سمة ثابتة من سمات الشعب الفلسطيني
أمام هذه المعطيات لم يعد ما
يُقلق إسرائيل عربياً يجعلها تخطو خطوة نحو مسار تنفيذ أي من بنود الاتفاقات
الموقعة مع السلطة، أو الالتزام بكل ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية التي بقيت على
الهامش لصالح البنود الأمنية، لكن بواعث القلق الإسرائيلي رغم الاحتمالات الكبيرة
والاستعدادات التي تروج لها إسرائيل عن مشروع هزيمة الفلسطينيين بمزيد من عمليات
السيطرة والضم والاستيطان والتهويد، تنحصر بكل عناصرها في تنامي صراع أصحاب الأرض
مع المؤسسة الصهيونية. فهذه وغيرها من العوامل التي ستتغلب على كافة الضمانات التي
يبحث عنها المشروع الاستعماري في فلسطين للاستمرار دون تفجير للصراع من جديد، وهذا
لم ولن يحصل.
رغم كل هذه الظروف العربية
والدولية التراجعية وتفشي ظاهرة الصهينة العربية وعدوى السقوط في حضن التطبيع، مع
تغول الاستبداد العربي الذي ساهم ويساهم في تتويج انتصار الصهيونية الدينية، يبقى
الصراع مع المشروع الصهيوني سمة ثابتة من سمات الشعب الفلسطيني المدافع عن أرضه
ووجوده فوقها.
التفكير بالوضع الجديد الناشئ
عن وصول بنيامين نتنياهو للسلطة مع توليفة تدعو "للقلق"، يجب أن يكون ذاته
بقديم التفكير عن شكل وأدوات الصراع مع المستعمر، وهذا أمر مشروع بعدم تجاوز مرحلة
التحرر الوطني بإدامة حالة الاشتباك مع المستعمر بأشكال أكثر ملاءمة وبكل الوسائل
الممكنة.
التفكير بالوضع الجديد الناشئ عن وصول بنيامين نتنياهو للسلطة مع توليفة تدعو "للقلق"، يجب أن يكون ذاته بقديم التفكير عن شكل وأدوات الصراع مع المستعمر، وهذا أمر مشروع بعدم تجاوز مرحلة التحرر الوطني بإدامة حالة الاشتباك مع المستعمر بأشكال أكثر ملاءمة
والمقلق هنا ليس صعود اليمين
الصهيوني نحو سدة الحكم، بينما التجربة الفلسطينية والعربية شهدت منذ سبعين عاماً
من الصراع كل ألوان الطيف السياسي في إسرائيل؛ المنجذب كله نحو إرهاب الدولة
الصهيونية واستكمال مشاريعها الاستعمارية في فلسطين، القلق ينحصر في أحوالنا
الذاتية وتطورها نحو الانحدار الممهد لتفوق المشروع الصهيوني.
إذاً، ما الذي يَلزم من مهمات
بعد القلق الفلسطيني والعربي وبعد التحذير عشية كل عدوان إسرائيلي على الشعب
الفلسطيني وأرضه؟ هذا السؤال يُحال إلى البرامج التي لم تُنجز فلسطينياً وأجابت
على من هو صواب ومن هو خطأ في كل ما يتعلق بحركة التحرر الوطني الفلسطيني، والتي
أشارت إليها معظم المراجعات السياسية والتنظيمية لمنظمة التحرير والقوى والفصائل
الفلسطينية التي تنادي بوحدة فلسطينية واستراتيجية كفاحية، وإصلاح هياكل ومؤسسات
فلسطينية للتعامل مع المراحل التي تلج إليها قضية فلسطين نحو أعناق الحصار
والعدوان.
المقلق هنا ليس صعود اليمين الصهيوني نحو سدة الحكم، بينما التجربة الفلسطينية والعربية شهدت منذ سبعين عاماً من الصراع كل ألوان الطيف السياسي في إسرائيل؛ المنجذب كله نحو إرهاب الدولة الصهيونية واستكمال مشاريعها الاستعمارية في فلسطين، القلق ينحصر في أحوالنا الذاتية وتطورها نحو الانحدار الممهد لتفوق المشروع الصهيوني
كل هذه البرامج والتوصيات
والقلق مرهون بجدية القلق المُعبر عنه بما ترك المشروع الاستعماري من بصمات على
أرض الواقع؛ الذي يعطي دلالة قوية عن الحاجة الماسة لإعادة ضبط المفاصل الوطنية
للمشروع الوطني الفلسطيني على قياس الشارع لنيل حقوقه.
أخيراً، تبديد القلق
الفلسطيني والعربي من انتخاب حكومة إرهاب إسرائيلية، لا يحتاج لبث مشاعر الخوف
والتهويل واليأس في نفوس الشعب الفلسطيني من مشروع أصيل في عدوانه وإرهابه، فإنقاذ
منظمة التحرير من فردية الاستئثار والتفرد والترهل المدمر التي أخرتها كثيراً
وأخرجتها من مهامها الأصلية هو عامل طمأنينة للقضية الفلسطينية، والإسراع في
إعلان وحدة فلسطينية حقيقية دون تأتأة، وإجماع على استراتيجية ثابتة من الحقوق
الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني هو عودة الروح لطمأنينة فلسطينية وجودية،
لقضية ستبقى في عمق ووجدان الشارع العربي لا أكثر ولا أقل.
twitter.com/nizar_sahli