في عام 2019 خرج الناس في بلادي معبرين عن غضبهم من السلطة الظالمة
والفاشلة أيضا، وحاولت سلطة الانقلاب التهوين مما حدث واعتبرت أن قلة أو شرذمة
قليلة هي التي خرجت، وألصقت التهمة وكالعادة بالإخوان المسلمين. ثم اكتشف الشعب أن
ألوفا قد اعتقلوا، وهذا دليل على أن عشرات الألوف قد خرجوا للتظاهر والتعبير عن
رفضهم للسلطة أو كثير من ممارساتها.
توقع كثيرون أن يتعلم النظام من الدرس، ولكن النظام المنحصر في صورة وشخص
الجنرال لم يتعلم ولا يريد أن يتعلم أنه يحكم شعبا حرا له إرادة، وأن صبر الشعب
على الوعود الكاذبة والمشاريع الفاشلة سوف لن يطول.
في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري تعالت بعض الأصوات وتنادى بعض الناشطين
والإعلاميين في الخارج من أجل
الخروج من جديد، خصوصا وأن الوضع الاقتصادي يزداد
سوءا كل يوم إن لم يكن كل دقيقة، واعتبر المنادون للخروج أن مؤتمر المناخ المنعقد
في شرم الشيخ يمثل فرصة ذهبية لفضح النظام والضغط عليه. وللأسف رفع البعض سقف الطموح
وأغرته بعض التقارير التي تتحدث عن
استقالة بعض كبار ضباط المخابرات؛ ما يعني وجود
ما يمكن وصفه بالتململ داخل الجهاز الذي يرأسه رفيق السيسي ومدير مكتبه السابق،
اللواء عباس كامل، ويهيمن عليه أولاد الجنرال الحاكم، وهم ثلاثة أكبرهم محمود ذو
السمعة الرديئة وهذا أقل ما يوصف به.
تمكن النظام من التقاط الرسالة ونصب فخا للجميع ممن أرادوا التعبير عن تململهم داخل النظام ومن أراد إخراج الناس للتظاهر وهو يقيم خارج مصر، وترك الحبل للجميع ليشنقوا به أنفسهم أو هكذا تصور، ولكن المفاجأة هي أن النظام بالغ في إجراءاته الأمنية وقام بإرهاب الشعب
تمكن النظام من التقاط الرسالة ونصب فخا للجميع ممن أرادوا التعبير عن
تململهم داخل النظام ومن أراد إخراج الناس للتظاهر وهو يقيم خارج
مصر، وترك الحبل
للجميع ليشنقوا به أنفسهم أو هكذا تصور، ولكن المفاجأة هي أن النظام بالغ في
إجراءاته
الأمنية وقام بإرهاب الشعب وأغلق العاصمة والميادين الكبرى في المحافظات، وقام
بتأجيل المباريات الرياضية ومنح الموظفين إجازة من أعمالهم وعطل بعض المواصلات
العامة، ونشر البلطجية وعربات الموز في الشوارع التي لا يسمح فيها بالمرور لا مشاة
ولا بالسيارات، ثم وبحماقة يحسد عليها أطلق أحد أبواقه في الشوارع ليسب ويلعن
ويشتم ويقول: أين المتظاهرون؟ أين ولاد ال.. والصورة من خلفه تبين أن الشوارع
خالية بفعل فاعل، والحمد لله أنه من حيث لا يريد أو لا يريد ورط النظام وأظهر
للعالم أن العاصمة وأطرافها كانت تحت الطوق الأمني المشدد، وأن الناس لم تخرج لأن
الخروج في هذه الحالة مخاطرة كبيرة، ولكن الرسالة وصلت وهي باختصار: يمكن للشعب
أيضا نشر الرعب والخوف في قلب النظام ومفاصله وجعله يقف على أطراف أصابعه، صحيح
أنه لا يمكن القيام بثورة والحال هكذا، ولكن يمكن بث الرعب واللعب مع النظام،
ويمكن وصف ما جرى بأنه لا انتصار للسلطة ولا انكسار للثورة..
لم يخرج الناس هذا صحيح وله أسبابه في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة، فالنظام
ينفق المليارات على المنظومة الأمنية وهذه النفقة هي جزء من ديون مصر التي بلغت
أكثر من 154 مليار دولار، والتي يعجز النظام حتى اللحظة عن تسديد أقساطها رغم بيعه
كل شيء من أصول الدولة تقريبا.
البعض في النظام يريد تصوير الأمر على أنه انتصار على الثورة والثوار
وخصوصا
الإخوان، والبعض في المعارضة يريد تحميل عدم نزول الناس إلى عدم مشاركة الإخوان،
والحقيقة أنني بت في حيرة من هؤلاء الذين يطالبون الإخوان بالانزواء والاختفاء، فإذا
ما نادى المنادي للخروج يطالبونهم بالخروج بينما يستمتع بعض هؤلاء بالفرجة
المجانية وتقديم النصائح أو الانتقادات من حيث يعيشون خارج الأوطان أو حتى داخلها.
الإشكالية الراهنة والتي تعاني منها مصر هي الفراغ السياسي الذي اتسعت هوته بعد إبعاد الإخوان عن مسرح الأحداث في مصر، وهو فراغ لم تستطع قوة في الداخل أو الخارج شغله ولن تستطيع؛ لأنه وباختصار لا توجد قوى سياسية في مصر بل أفراد لديهم طموح وهو مشروع، ولكن غير المشروع أنهم يريدون من الإخوان أن يتقدموا ويقدموا التضحيات ثم يدعى هؤلاء النفر لكي يحققوا طموحاتهم
الإشكالية الراهنة والتي تعاني منها مصر هي الفراغ السياسي الذي اتسعت هوته
بعد إبعاد الإخوان عن مسرح الأحداث في مصر، وهو فراغ لم تستطع قوة في الداخل أو الخارج
شغله ولن تستطيع؛ لأنه وباختصار لا توجد قوى سياسية في مصر بل أفراد لديهم طموح
وهو مشروع، ولكن غير المشروع أنهم يريدون من الإخوان أن يتقدموا ويقدموا التضحيات
ثم يدعى هؤلاء النفر لكي يحققوا طموحاتهم بلا أدنى ثمن، هذه هي القصة باختصار.
نفس الأمر يسري على بعض طامحي الخارج الذين يرون أنهم أحق من الإخوان في كل
شيء، وأنه يتعين على الإخوان التراجع للخلف عند التقاط الصورة وتقديم التضحيات في
الميادين، دون أن يطالب أحدهم ولو على سبيل ذر الرماد في عيون العباد بالإفراج عن
المعتقلين خصوصا من الإخوان شبابا وشيوخا.
لقد قُتل الرئيس الشهيد محمد مرسي في قاعة المحكمة ولم نر حملة مشابهة لما
يجري من حملات على الصعيد الدولي لفضح النظام، ولم نسمع عن ليبراليي أو علمانيي
الخارج أو الداخل وهم يتحركون في أوروبا وأمريكا بحثا عن حق أول رئيس مدني منتخب،
لم نسمع إلا همسا ثم توقف الهمس وما دون الهمس.
رغم صدمة البعض ودهشته من عدم خروج الناس أو الاستجابة للدعوات التي تزعمها ثلاثة من معارضي الخارج، وهي مشروعة، إلا أن الوضع في مصر يحتاج ترتيبات أفضل بكثير مما جرى وما قد يجري
لقد أعلن الإخوان موقفهم من المنافسة السياسية وبقي على البقية الباقية من
المعارضين المخلصين الذين كانوا يشتكون من مزاحمة الإخوان أن يتحركوا ويثبتوا
جدارتهم، وأعتقد أن الإخوان لن يتأخروا أبدا عن دعم أي حراك اجتماعي أو سياسي أو حتى
البحث عن مخارج غير تقليدية للخروج بمصر وأهلها من الوضع الكارثي الراهن.
رغم صدمة البعض ودهشته من عدم خروج الناس أو الاستجابة للدعوات التي تزعمها
ثلاثة من معارضي الخارج، وهي مشروعة، إلا أن الوضع في مصر يحتاج ترتيبات أفضل
بكثير مما جرى وما قد يجري، فالسلطة في مصر محمية بالكيان الصهيوني، وهي سلطة تعمل
وفق إرادة عدة دول في المنطقة وليس لها إرادة مستقلة ولن يكون لها في المنظور
القريب إذا استمرت على ما هي عليه.
بناء على ما سبق أعتقد أنه بات من الضروري أن يفهم الجميع أن الإخوان وإن
كانت عليهم ملاحظات كما يحلو للبعض القول دائما، فالجميع بات في قفص الاتهام
بالتقصير وبات واجبا عليهم -لا أقول الاعتذار- إعادة النظر في تقييمهم لأداء
الإخوان ولدورهم في النضال الوطني منذ عصر السادات وحتى اليوم.