هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
وصف رئيس منتدى
البحرين لحقوق الإنسان، باقر درويش، الانتخابات البرلمانية والبلدية الأخيرة في
البحرين بأنها الأسوأ في تاريخ بلاده، مؤكدا أنها "شهدت مقاطعة شعبية واسعة
في ظل استمرار الأزمة السياسية والدستورية والحقوقية".
وقال درويش، في مقابلة
خاصة مع "عربي21": "ما حدث لا أعتقد أن له مثيلا في التجارب
البرلمانية -حتى الصورية منها- في أي دولة في العالم"، مشيرا إلى أن
"البرلمان الجديد سيكون برلمانا صوريا لا يمتلك أي صلاحيات حقيقية، ولا يمتلك
القدرة على التغيير السياسي أو التشريع والرقابة".
وعلى صعيد آخر، أوضح
درويش أن "الحراك الشعبي البحريني المناهض للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي
سوف يتطور لمواجهة تطور خطوات التطبيع الرسمية؛ فلن تستطيع الحكومة إزالة هذا
الرفض من الوجدان الشعبي، ومن الذاكرة السياسية، ونحن على يقين بأن إرادة رفض
التطبيع ستنجح".
وأُجريت الانتخابات
البرلمانية والبلدية بالبحرين على جولتين خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري،
وسط غياب واضح لقوى المعارضة.
وأعلن وزير العدل
البحريني نواف بن محمد المعاودة، أن "نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات
العامة والبلدية 2022 بلغت 73%"، بينما أكدت المعارضة أن نسبة المشاركة لم
تتجاوز الـ35%.
وتأسس مجلس النواب
البحريني بموجب دستور عام 2002 ويتألف من 40 عضوا وتُقام انتخاباته كل أربعة أعوام.
وتاليا نص المقابلة
الخاصة مع "عربي21":
كيف تابعتم الانتخابات النيابية والبلدية التي أجريت في البحرين مؤخرا، وما انعكاساتها على المشهد السياسي في البلاد؟
لا شك أن الانتخابات
الأخيرة في البحرين والتي شهدت مقاطعة شعبية واسعة في ظل استمرار الأزمة السياسية
والدستورية والحقوقية تعكس جانبا من واقع الأزمة في البلاد، باعتبار أن الحكومة
رغم اعتمادها على حصيلة تراكم القمع السياسي طوال السنوات الماضية قد فشلت في خرق
المقاطعة ورفع نسبة المشاركة.
واستطاعت المعارضة
السياسية أن تبقى حاضرة بقواعدها الشعبية، وبدا واضحا أن هنالك شرخا ما بين
الحكومة والشعب، وخاصة المعارضة، ومنها جمعية الوفاق على سبيل المثال التي كانت
ترأس كتلة تتجاوز الـ65% من عدد الناخبين في آخر انتخابات شاركت فيها المعارضة في عام
2010، وقيادات هذه الجمعية الآن في السجن، وفي مقدمتهم الشيخ علي سلمان، الأمين
العام لجمعية الوفاق.
والسجون البحرينية ما
زالت تضم معتقلين سياسيين، والقضاء ما زال مستمرا في استصدار الأحكام السياسية، وكل
عناصر التأزم السياسي والحقوقي ما زالت في المشهد؛ فليس هناك أي تغير تحت عنوان
إصلاح حقيقي، والاستعراض الدولي الشامل الأخير لملف البحرين الحقوقي أثبت ذلك،
وهناك قناعة دولية بعدم حدوث أي تقدم حقوقي.
وبالتالي فإن ما جرى هو أن
السلطة أجرت كعادتها هذه "الانتخابات الصورية" لإنتاج "برلمان
صوري" لا يمتلك أي صلاحيات حقيقية، ولا يمتلك مطلقا القدرة على التغيير
السياسي، ولا يمتلك القدرة على التشريع والرقابة بما يحقق طموحات الناس؛ لأن
الإرادة الرسمية أو إرادة الديوان الملكي هي إرادة نافذة ومهيمنة على المجلس من
خلال نزع صلاحيات السلطة التشريعية، وبالتالي فهذه الانتخابات هي الأسوأ في
تاريخنا.
وما حدث لا أعتقد أن
له مثيل في التجارب البرلمانية –حتى الصورية منها- في أي دولة في العالم، كأن يفوز
نائب بمجموع أصوات لا تتجاوز 800 صوتا على سبيل المثال، فضلا عن استمرار الحكومة
في اعتماد ذات المعايير التي احتجت عليها المعارضة في السابق، كوجود نظام انتخابي
غير عادل، ودوائر لا تؤمّن مبدأ "صوت لكل مواطن" وفق المعايير الدولية،
ودوائر فيها تمييز واضح، كمنطقة الرفاه -على سبيل المثال- تؤثر على نتائج 15% من
نسبة الدوائر، وهي منطقة الحكم.
كيف تأثرت تلك الانتخابات بالغياب البارز لقوى المعارضة البحرينية؟
أثر دعوات المعارضة في
مقاطعة الانتخابات كان واضحا؛ فعلى سبيل المثال: لم تقدم الحكومة دعمها للجمعيات
السياسية الموالية، كما لم يتجاوز عدد المرشحين المنتمين للجمعيات 9 مرشحين من
إجمالي أكثر من 300 مرشحا، ولم يفز منهم إلا القليل، كما أن السلطة لجأت كعادتها
إلى إشاعة أجواء الترهيب الانتخابي عبر محاولة إكراه المواطنين أو الموظفين في
القطاع العام على التصويت.
كما تم رصد استخدام
كتلة «المجنسين سياسيا» عبر إدخال عدد منهم من خلال جسر الملك فهد إلى المركز
الانتخابي العام القريب من المنفذ الحدودي بين السعودية والبحرين، فضلا عن استخدام
أصوات العسكريين؛ فقد دفعت السلطة العسكريين كالعادة للمشاركة والتصويت لمرشحين
محددين، بالإضافة إلى قيام الحكومة بشطب قرابة 100 ألف ناخب ممن سبق مقاطعتهم
للانتخابات الماضية وعددها 3 انتخابات منذ عام 2011، وهذه هي الانتخابات الرابعة
التي تقاطعها المعارضة؛ فقامت الحكومة بشطب هذا العدد بدعوى وجود نظام إلكتروني
يحذف الأسماء آليا.
من جهة أخرى توسعت
الحكومة في تطبيق «العزل السياسي»، والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تطبق
هذا القانون، ولجأت إلى تجريد الآلاف من حقهم السياسي في الترشح أو الانتخاب تحت
ذريعة أنهم ينتمون لجمعيات معارضة تم حلها وفق القانون مثل جمعية الوفاق وغيرها.
هل يمكن القول إن دعوات مقاطعة الانتخابات نجحت على أرض الواقع أم لا؟
نسبة المشاركة في
الجولة الأولى من الانتخابات لم تتجاوز الـ35%، وهو ما يعطي مؤشرا واضحا على حضور
وتأثير المقاطعة، ودليلا على حالة إحجام شعبي وحالة من التذمر والسخط على السياسات
الرسمية، ليس فقط نتيجة وجود برلمان عديم الصلاحيات، وإنما أيضا نتيجة السياسات
الاقتصادية التي تم تكريسها على مدار السنوات الماضية، من خلال زيادة الضرائب؛ ففي
برلمان 2014 تم إقرار ضريبة القيمة المضافة بمقدار 15%، وفي برلمان 2018 زادت 10%
أخرى، وفي البرلمان المقبل فإنها لا شك سترتفع الضرائب مرة أخرى.
هناك أيضا مسألة
التطبيع؛ فنتيجة وجود برلمان بلا صلاحيات تم تمرير مشروع التطبيع بكل سهولة ويسر،
ولم تتم استشارة البرلمان رغم أنه شأن سيادي، وأعتقد أن في مقبل الأيام سوف توظف
النتائج البرلمانية الحالية في دعم سياسات التطبيع المرفوضة شعبيا.
ما تقييمكم لأداء البرلمانات السابقة في البحرين؟
رغم إقرار الموالاة
بأن غياب المعارضة عن التجربة البرلمانية منذ عام 2011 قد أثر على أداء السلطة
التشريعية، ولكي نكون أكثر موضوعية فإن النظام التشريعي أو القوانين الناظمة
للسلطة التشريعية لا تتيح أن يكون هنالك حراكا برلمانيا يعكس الهم الوطني والشعبي
على غرار التجارب البرلمانية الديمقراطية؛ فالبرلمان تنافسه في الصلاحيات كلا من
الحكومة "السلطة التنفيذية"، ومجلس الشورى، وإرادة الديوان الملكي،
بمعنى أنه لا يستطيع حتى تعيين رئاسة المجلس من دون تأثير الديوان الملكي، كما أن
القدرة على التشريع، والرقابة محدودة جدا وضئيلة. لذا، فإن التجارب البرلمانية
السابقة أثبتت أنها لم تكن في صالح الشعب منذ غياب المعارضة في 2011، وأنها
استُخدمت لتكريس واقع الاستبداد السياسي.
البحرين اتّهمت إيران بتدريب "جماعات مسلحة" من أجل إطاحة بالحكومة.. كيف تنظرون إلى هذه الاتهامات؟
في السنوات الماضية
كرّرت الحكومة الاتهامات المتعلقة بوجود خلايا أمنية مرتبطة بالخارج، وكل تلك
الادعاءات كانت مبنية على اعترافات تم انتزاعها تحت وطأة التعذيب، أما السمة
العامة لمشهد المعارضة السياسية في البحرين هو اعتماد الخيار السلمي كخيار
استراتيجي، ولا يوجد ما يؤكد غير ذلك؛ فمؤسسات المعارضة، وتحديدا التي تمتلك حضورا
شعبي وازن، هي مع اللجوء إلى الخيار السلمي، والحكومة لطالما استخدمت هذا الادعاء
في السنوات الماضية من أجل تشويه صورة المعارضة، أو تبرير القمع السياسي، ولو كان
هناك اتجاه نحو العنف السياسي لاختلفت ردود الأفعال على الأرض بشكل واسع؛ لأن حجم
الانتهاكات والقمع لم يكن اعتياديا في تاريخ الحراك المطلبي في البحرين، ولكن
الاتجاه العام للمعارضة يؤمن بالحراك السلمي، ويرفع مطالب سلمية عادلة.
الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، سيقوم بزيارة إلى البحرين خلال الشهر المقبل في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إسرائيلي.. فما دلالة تلك الزيارة؟ وإلى أين وصل التطبيع بين تل أبيب والمنامة؟
هذه زيارة تأتي ضمن
سياق تطوير العلاقات بين الحكومة البحرينية وحكومة الاحتلال، وخاصة على صعيد ملف
التطبيع، وهناك قرابة الأربعين اتفاقية ومذكرة تفاهم لعدة مؤسسات في الدولة تدعم
مسار التطبيع الآثم. لكن في الحقيقة لا زال الشعب البحريني متمسكا بموقفه المناهض
للتطبيع. يضاف إلى ذلك أن حراك التطبيع لم ولن ينجح في اختراق الحالة الاجتماعية؛
فالرفض الشعبي ما زال، وسيظل، مستمرا. هم الآن يعملون على اختراق الوعي الثقافي
كمسألة تطوير التطبيع التعليمي الذي يستهدف المناهج الدراسية وتدريب الكوادر
التعليمية، وغيرها من الأساليب، وعبر استغلال وسائل الإعلام؛ فالتطبيع الإعلامي
يتيح أيضا مسألة تزوير المفاهيم.
أين هو الحراك الشعبي البحريني المناهض للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي؟
أعتقد أن الشعب
البحريني سيبقى ملتزما بالقضية الفلسطينية وسيظل مدافعا عنها، وسوف يتطور الحراك
الشعبي المناهض للتطبيع، إلى جوار تطور خطوات التطبيع الرسمية، وبالرغم من أن
الطرف الحكومي يمتلك القدرة التنفيذية، والأمنية، والسياسية، والاقتصادية، لكن
الرأي العام والشارع يمتلك القدرة على المناهضة الثقافية، والإعلامية، والسياسية،
حتى لو تمت ملاحقة المواطنين تحت جرم التعبير عن رفض التطبيع مع كيان الاحتلال؛
فلن تستطيع الحكومة إزالة هذا الرفض من الوجدان الشعبي، ومن الذاكرة السياسية.
ونحن على يقين بأن
إرادة رفض التطبيع ستنجح، وما يجري الآن من تلازم بين تطوير التطبيع داخليا،
واستمرار الأزمة السياسية يعطي دلالة واضحة على أن أي أفق لحل الأزمة السياسية في
البحرين أو تحقيق الاستقرار سيتزامن أيضا مع حراك يئد التطبيع، ويمحي كل ما حدث من
خطوات على هذا الصعيد، سواء على الصعيد الرسمي أو السياسي أو البرلماني أو
الاقتصادي.