رفع المشجعون التونسيون علما ضخما يحمل عبارة "
فلسطين حرة" بالتزامن مع الدقيقة 48 من مباراة تونس وأستراليا يوم السبت الماضي، وقد فعل المشجعون المغاربة الشيء نفسه في اليوم التالي خلال مباراة فريقهم ضد بلجيكا.
ويمثل الرقم 48 ذكرى أساسية في التاريخ الفلسطينيين وكارثة وطنهم، وهو يشير إلى عام النكبة 1948 عندما قُتل أجدادهم وطردوا من وطنهم لإنشاء دولة الاحتلال؛ لذا يستخدم العديد من العرب هذا الرقم للتعبير عن حبهم ودعمهم للفلسطينيين.
وجاء عرض اللافتات الفلسطينية من قبل مشجعي تونس والمغرب، بعد أن اشتكى مقدمو البرامج التلفزيونية الإسرائيلية من عدم الترحيب الذين لاقوه من المشجعين العرب في قطر، فقد أظهرت مقاطع فيديو عديدة مشجعين عربا يرفضون التحدث إلى القنوات الإسرائيلية، ويعبرون عن دعمهم للفلسطينيين.
كان المغرب واحدا من العديد من الدول العربية التي وقعت اتفاقيات تطبيع بوساطة أمريكية مع إسرائيل عام 2020؛ ومع ذلك، تظهر هذه الوقائع في الدوحة أن العديد من المشجعين العرب أعطوا بطاقة حمراء لما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية
كان
المغرب واحدا من العديد من الدول العربية التي وقعت
اتفاقيات تطبيع بوساطة أمريكية مع إسرائيل عام 2020؛ ومع ذلك، تظهر هذه الوقائع في الدوحة أن العديد من المشجعين العرب أعطوا بطاقة حمراء لما يسمى بالاتفاقات الإبراهيمية، على الرغم من جهود الإمارات والبحرين لتصوير الصفقات بأنها تحظى بالشعبية.
ومنذ الربيع العربي الذي بدأ عام 2011 والثورة المضادة التي تلت ذلك، تمت مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي بشكل متزايد من قبل الأنظمة الاستبدادية، ولقيت المعارضة في دول الخليج مصير القمع والسجن، بينما وجهت جيوش إلكترونية تابعة للأنظمة الخطاب السياسي، وجاءت الاتفاقات الإبراهيمية في جو من القمع غير المسبوق، مما مكّن القوى الخليجية من صناعة صورة مصطنعة من الدعم لها.
مساحة للتعبير
وبالرغم من هذه المحاولات للسيطرة على النقاش الوطني؛ أظهر استطلاع حديث أجراه معهد واشنطن، أن الغالبية العظمى في سبع دول عربية - حوالي 80 في المائة - ينظرون إلى الاتفاقيات الإبراهيمية على أنها "سلبية جدا" أو "سلبية إلى حد ما".
واليوم يوفر
كأس العالم في قطر مساحة مفتوحة للشعوب العربية من المغرب إلى المملكة العربية السعودية للتعبير عن رأيهم في التطبيع مع إسرائيل، معبرين عن رأيهم في مدرجات كرة القدم وفي مساحات المشجعين وفي الشوارع.
ويظهر أحد مقاطع الفيديو الرائجة مراسلا إسرائيليا يشكو من رفض المشجعين العرب التحدث معه بسبب جنسيته الإسرائيلية، وبالفعل أظهرت العديد من مقاطع الفيديو من مناطق المشجعين في الدوحة، عددا من الحضور العرب وهم يصرخون في المراسلين، عندما يدركون أنهم يعملون لصالح القنوات الإسرائيلية.
ويحمل الاستعراض المهيب للعلم الفلسطيني من قبل
المشجعين المغاربة خلال مباراة الأحد رسالة سياسية لاذعة، خاصة بعد تطبيع المغرب مع إسرائيل، ويُظهر كذلك مقطع فيديو المشجعين المغاربة في كأس العالم وهم يغنون لفلسطين بقوة وعاطفة، وقد اكتسب المقطع رواجا كبيرا على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتُظهر مثل هذه المقاطع، نبذة عن الحقيقة من واقع الجماهير العربية التي ترفض صفقات التطبيع مع إسرائيل التي فرضتها الأنظمة العربية، وأدت الصدمة التي عبر عنها
الصحفيون الإسرائيليون خلال البطولة إلى كشف التزييف الذي حاول السياسيون الإسرائيليون تصويره.
إلى جانب مشاعر التضامن تجاه الفلسطينيين؛ أدى التحالف العلني الوثيق بين السياسيين الإسرائيليين والأنظمة الديكتاتورية العربية الفاسدة إلى تنامي العداء تجاه الدولة الإسرائيلية بين الجماهير العربية؛ حيث يرى الكثيرون أن الجانبين يعملان لقمع طموحات وأحلام هذه الشعوب
بنى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي أعيد انتخابه مجددا في وقت سابق من هذا الشهر، جزءا كبيرا من إرثه على الادعاءات التي تقول؛ إنه قادر على إقامة علاقات جيدة مع الدول العربية، دون إيجاد حلّ للصراع مع الفلسطينيين. ومؤخرا، كتب نتنياهو في صحيفة "هآرتس": "على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية، قيل لنا مرارا وتكرارا؛ إن السلام مع الدول العربية الأخرى لن يتحقق إلا بعد حلّ النزاع مع الفلسطينيين". لكنه أضاف أن "الطريق إلى السلام لا يمر عبر رام الله، بل حولها".
النفاق الغربي
إضافة لنتنياهو، يؤكد بعض المعلقين والسياسيين الأمريكيين أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة للعرب، مما يشير إلى أن إسرائيل يمكن أن تتمتع بسلام وعلاقات طبيعية مع الدول العربية دون حل القضية الفلسطينية. لكن اللقطات الأخيرة من كأس العالم في قطر تكذّب هذا الادعاء، حيث تظهر أنه في حين أن الأنظمة العربية قد تكون موافقة على التطبيع، إلا أن الجماهير العربية ترفض ذلك.
وإلى جانب مشاعر التضامن تجاه الفلسطينيين؛ أدى التحالف العلني الوثيق بين السياسيين الإسرائيليين والأنظمة الديكتاتورية العربية الفاسدة إلى تنامي العداء تجاه الدولة الإسرائيلية بين الجماهير العربية؛ حيث يرى الكثيرون أن الجانبين يعملان لقمع طموحات وأحلام هذه الشعوب المتعلقة بمجال حقوق الإنسان والكرامة والديمقراطية والازدهار.
وفي استطلاع للرأي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات 2019-2020، أعرب 79 بالمئة من العرب أن القضية الفلسطينية قضية عربية وليست فلسطينية فحسب. وفي الاستطلاع ذاته، صُنفت إسرائيل أكبر تهديد للدول العربية متجاوزة الولايات المتحدة وإيران.
وبينما تجاهلت وسائل الإعلام الغربية إلى حد كبير الدعم الموجه للفلسطينيين في أثناء فعاليات كأس العالم، ركزت الكثير من الصحف الغربية على قضايا حقوق العمال وحقوق مجتمع المثليين في قطر، وكان عدد من الفرق الأوروبية قد خططوا لارتداء شارات تروج لحقوق المثليين، قبل أن يتراجعوا عن ذلك بعد أن حذرت الفيفا من أنهم سيحصلون على بطاقات صفراء في حال أقدموا على هذه الخطوة.
على الرغم من أنه يُطلب من المشجعين العرب في كثير من الأحيان عدم خلط الرياضة بالسياسة، فإن الفرق والمشجعين الأوروبيين انتهزوا الفرصة هذه السنة لإظهار الدعم لأوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي، ومن الواضح أنه يتم تطبيق معايير مختلفة حسب السبب
وأثارت وزيرة الداخلية الألمانية الجدل من خلال ارتداء شارة في المدرجات ونشر صورتها على تويتر، بينما غطى اللاعبون الألمان أفواههم احتجاجا على قيود الفيفا في صورة للفريق، لكن الكثير من النشطاء أدانوا نفاق هذه التحركات، لا سيما أن ألمانيا سعت لقمع النشاط الفلسطيني بصوره كافة على أراضيها.
يمتلك مشجعو ولاعبو كرة القدم العرب بتاريخ طويل في التعبير عن الدعم لفلسطين، بدءا من ترديد الأغاني الحماسية إلى رفع الشعارات تضامنا مع غزة، على الرغم من العقوبات المفروضة على الخطابات السياسية. وخلال كأس العالم الحالية؛ يظهر مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي العربية "مؤثرا" سعوديا على يوتيوب يبيع أعلام دول مختلفة، ويمنح الزبائن علما فلسطينيا إضافيا كهدية. ونادرا ما تحظى مثل هذه القصص باهتمام وسائل الإعلام الغربية.
وعلى الرغم من أنه يُطلب من المشجعين العرب في كثير من الأحيان عدم خلط الرياضة بالسياسة، فإن الفرق والمشجعين الأوروبيين انتهزوا الفرصة هذه السنة لإظهار الدعم لأوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي، ومن الواضح أنه يتم تطبيق معايير مختلفة حسب السبب، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى أن ينظر الصحفيون إلى ما وراء تلك الفقاعة الغربية الواهية.
نشر
المقال أيضا في موقع ميدل إيست آي
twitter.com/ferasabuhelal