اقتصاد عربي

"كاونتر فاير": ديون مصر تعبير حاد عن أزمة اقتصادية أكثر اتساعا

تفاقم الدين العالمي تعبير رهيب عن الحالة التي تثقل بها الإمبريالية كاهل البلدان الفقيرة- أ ف ب/أرشيفية
تفاقم الدين العالمي تعبير رهيب عن الحالة التي تثقل بها الإمبريالية كاهل البلدان الفقيرة- أ ف ب/أرشيفية
نشرت منظمة "كاونتر فاير" لمحاربة الفقر عبر موقعها الرسمي مقالا للكاتب جون كارك، قال فيه إن تفاقم المديونية المصرية في عهد رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي ما هو إلا تعبير حاد عن أزمة اقتصادية أكثر اتساعا.

وقال كلارك في المقال، إن "مصر انتقلت تحت حكم النظام الغاشم لعبد الفتاح السيسي، إلى الصفوف الأمامية لأزمة الدين التي تهدد البلدان الفقيرة والمضطهدة حول العالم بعواقب كارثية".

وأوضح الكاتب أن تفاقم الدين العالمي تعبير رهيب عن الحالة التي تثقل بها الإمبريالية كاهل البلدان الفقيرة، وكذلك عن أشكال الاستغلال التي تفرزها تلك الحالة، داعيا الحركات العمالية عبر العالم إلى الإصرار على المطالبة بوضع حد لهذا الاستغلال وذلك من خلال إلغاء الديون التي تشكل عبئا بالغ القسوة على شعوب العالم الفقيرة.

اظهار أخبار متعلقة


وفي ما يأتي نص المقال كما ترجمته "عربي21":

مصر: تعبير حاد عن أزمة الدين العالمي

تحت حكم النظام الغاشم لعبد الفتاح السيسي، انتقلت مصر إلى الصفوف الأمامية لأزمة الدين التي تهدد البلدان الفقيرة والمضطهدة حول العالم بعواقب كارثية. في نهاية السنة المالية 2020- 2021، وصل دين مصر الإجمالي إلى 392 مليار دولار، وهذا يتضمن 137 مليار دولار من الديون الخارجية، والتي غدت أربعة أضعاف ما كانت عليه في عام 2010 (33.7 مليار دولار). ويشتمل كذلك على 255 مليار دولار من الديون الخارجية، طبقاً لما يقوله البنك المركزي المصري، أي ضعف ما كانت عليه الديون الداخلية في عام 2010.

في العام الذي سبق استيلاء السيسي على السلطة، وصل الدين الخارجي إلى 46.5 مليار دولار في عام 2013، ثم انخفض إلى 41.7 مليار دولار في عام 2014 قبل أن يرتفع بشكل حاد في السنوات التالية ليصل إلى 84.7 مليار دولار في عام 2016، ثم 100 مليار دولار في عام 2018، ثم 115 مليار دولار في عام 2019. وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 91.6 بالمائة، وفي العام الماضي "احتلت مصر المرتبة 158 من بين 189 بلداً من حيث نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي والمرتبة 100 من حيث نسبة الدين لكل مواطن." تنوي الحكومة خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 85 بالمائة على مدى الأعوام الثلاثة القادمة، إلا أن ذلك "يصعب تحقيقه، إذا ما أخذنا بالحسبان خطط القاهرة لاقتراض 73 مليار دولار إضافية من خلال بيع السندات هذا العام."
 
ارتفاع شديد في الديون


رغم أن طمع نظام السيسي وانعدام كفاءته ساهما بشكل هائل في مراكمة الديون، تتحمل وحوش الإقراض الدولية للرأسمالية العالمية، والمتمركزة في البلدان الإمبريالية، قدراً كبيراً من المسؤولية عن الأزمة من حيث تحفيزها للإجراءات في مصر، كما تفعل في العشرات من البلدان الأخرى. "معظم الديون الخارجية ما بين عامي 2013 و2022، جاءت من بيع الأسهم في السوق الدولية. كما جاءت من الاقتراض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنوك الدولية." وبالفعل، "توشك مصر أن تتجاوز تركيا كأكبر مصدر للديون السيادية في الشرق الأوسط" كما أن "البلد غدا أكبر زبون لدى صندوق النقد الدولي بعد الأرجنتين."
 
وبينما تراكمت تلك الديون، "أنفقت الحكومة جل إيراداتها المتوفرة خلال السنوات الأخيرة على مشاريع ضخمة لها قيمة رمزية أكثر مما لها قيمة اقتصادية." ومن أمثلة ذلك الإنفاق "58 مليار دولار هي تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة التي تقام في الصحراء خارج القاهرة، ومشتريات الأسلحة التي لا تُعرف قيمتها بالضبط وإن كانت قد وضعت البلد ضمن أكبر خمسة بلدان مستوردة للسلاح في العالم، وكذلك 25 مليار دولار هي تكلفة مفاعل نووي لتوليد الطاقة في بلد لديه فائض من الكهرباء، إضافة إلى 8 مليار دولار هي تكلفة توسيع القدرة الاستيعابية لقناة السويس  التي مازال يُنتظر أن تولد زيادة ملحوظة في رسوم العبور، والتي ارتفعت فقط إلى 5.8 مليار دولار في عام 2020 مقارنة بمبلغ 5.6 مليار في عام 2017."
 
وحتى ومصر ملزمة بتخصيص 30.7 مليار دولار من ميزانية الحكومة البالغة 93 مليار دولار لخدمة الديون فإنها تواجه وضعاً اقتصادياً غاية في الصعوبة مما يزيد من مشاكلها. فتحت وطأة الآثار الكلية للجائحة وللصراع في أوكرانيا، اندفعت أسعار الفائدة إلى الأعلى وقيمة العملة إلى الأسفل. ولقد "تسبب ذلك في الارتفاع الحاد في أسعار الغذاء في السوق المحلية، بما ضاعف في معاناة عشرات الملاين من الناس في بلد يعتمد ما يقرب من سبعين بالمائة من الشعب الذي تعداده مائة مليون نسمة على بطاقات التموين.
 
على الرغم من أن التفاصيل لم يُعلن عنها بعد، إلا أن صندوق النقد الدولي توصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية لمنحها قرضاً آخر، ويقال بأن ذلك ينضوي على "خطة إصلاح مالي شاملة على مدى الشهور الستة والأربعين القادمة." كما تشمل الصفقة اتفاقاً يلزم الحكومة المصرية بالقيام "بتحسين شبكة الأمان الاجتماعي لديها، وتطبيق إصلاحات من شأنها أن تفضي بقيادة القطاع الخاص إلى تعزز النمو وتوفير الوظائف."
 
ولكن بإمكاننا أن نوقن بأن الحقيقة التي تقف من وراء هذه اللغة المشفرة تكمن في الصيغة المعتادة التي يعتمدها صندوق النقد الدولي لتحفيز الخصخصة والنيل من حقوق العاملين ووقف الدعم على المواد الغذائية الأساسية، وذلك لصالح مجموعة من الإجراءات الهشة والمتناثرة التي من المفروض نظرياً أنها سوف تضمن حماية الفئات الأكثر عرضة للضرر." في الوضع الصعب الحالي "تملك الحكومة المصرية خيارين أحلاهما مر: فإما أن تقبل بضغوط صندوق النقد الدولي وتنفذ المزيد من الإجراءات التقشفية التي ستزيد من الأعباء المتراكمة على كواهل المواطنين، أو تواجه احتمال الإخفاق في سداد الديون." يعتمد أي خيار ثالث بالكامل على المقاومة التي ستصدر عن العمال والطبقات المعدمة في مصر وعلى رفضهم تحميل عبء الأزمة على أكتافهم.
 
إلغاء الديون


وما جدار الدين الذي ارتطمت به مصر سوى تعبير حاد، بالخصوص، عن أزمة أكبر وأكثر اتساعاً، وما لبثت تزداد شدة. "ولقد ذكرت الأمم المتحدة بالاسم 54 بلداً من ذوي الاقتصاديات النامية، التي قالت إنها تعاني من مشاكل مديونية حادة"، وهذه "تمثل 18 بالمائة من إجمالي سكان المعمورة وما يزيد عن خمسين بالمائة من البشر الذين يعيشون في فقر مدقع." هناك من بين هذه البلدان المتضررة بشكل بالغ بعض من "ينفقون قدراً أكبر من المال على سداد فوائد الديون مقارنة بما ينفقونه على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية مجتمعة."
 
ولو تجاوزنا البلدان الأشد فقراً، تشير الأرقام والحسابات إلى أن "ما يقرب من 60 بالمائة من البلدان ذات الدخل المنخفض وحوالي 25 بالمائة من الأسواق الناشئة، إما أنها في ضيق شديد بسبب الديون أو أنها عرضة للوقوع في ذلك." من الواضح أن أزمة تكاليف المعيشة الحالية، والدفع بمعدلات الفائدة إلى أعلى، وخطر الانزلاق نحو ركود عالمي، وآثار التغيرات المناخية المتفاقمة، كل هذه الأمور تساهم في ضمان أن الوضع في قادم الأيام سيكون أكثر سوءاً. بالنسبة لأكابر النظام المالي الدولي، ما من شك في أن خطر العجز عن سداد الديون يثير القلق ويبعث على الخوف. وأما الشعوب الفقيرة في البلدان المدينة فإنها تواجه وضعاً يتمثل في المزيد من الفقر والمزيد من الجوع.
 
لا ريب في أن الحل العادل الوحيد، والحل الضروري على وجه التأكيد، لهذه الأزمة المتفاقمة يكمن في إلغاء الديون. يشير "الحراك العالمي من أجل إلغاء الديون" إلى "استمرار مشكلة المديونية التي تقف حجر عثرة في طريق الشعوب وتعيق بقاءها، وتقوض نضالها ضد انعدام المساواة ونضالها في سبيل الاعتراف بحقوقها الإنسانية وبسيادتها وحقها في تقرير المصير، ونضالها من أجل العدالة الاقتصادية والجندرية والبيئية، ومن أجل الحياة الكريمة."
 
ليس مستغرباً على الإطلاق أن تكون تلك الأثار المريعة قد نجمت عن إنفاق ما يزيد عن 300 مليار دولار سنوياً من قبل النصف الجنوبي من الكرة الأرضية على سداد الديون العامة الخارجية إلى المقرضين بكل أنواعهم، ثنائيين ومتعددين، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والبنوك الخاصة، والمضاربين والمستثمرين في السندات والأسهم الحكومية."
 
كما هو متوقع، لم تبذل المؤسسات الدائنة نفسها جهداً يكاد يذكر لمعالجة هذا الوضع المزري. لم يصدر رد فعل عن صندوق النقد الدولي بينما اختارت "مبادرة تعليق خدمة الديون" التابعة للأقطار الأعضاء في مجموعة العشرين تأخير دفع ما لا يزيد عن 5.3 مليار دولار. وفي نفس الوقت "رفض دائنو القطاع الخاص حتى الآن إلغاء أو تعليق أي من الديون التي لهم. وبنفس الشكل، فإن بنوك التنمية متعددة الأطراف، مثل البنك الدولي، أخفقت حتى الآن في إلغاء الديون التي لها."
 
وما عبء الديون إلا تعبير رهيب عن الحالة التي تثقل بها الإمبريالية كاهل البلدان الفقيرة، وكذلك عن أشكال الاستغلال التي تفرزها تلك الحالة. في نفس الوقت، وبينما يستمر هذا النهب، فإن الآثار الناجمة عن أزمات الرأسمالية العالمية يتم فرضها فرضاً على البلدان الفقيرة. فرغم انتشار الجائحة في كل أرجاء العالم، لم يسمح لبلدان جنوب الكرة الأرضية بالحصول على احتياجاتها من المطاعيم. إضافة إلى ذلك، تواجه البلدان الفقيرة كل تداعيات التغيرات المناخية، كما تجلى ذلك بوضوح مرعب في الفيضانات الأخيرة التي اجتاحت الباكستان، والتي هجرت ما يقرب من 33 مليون نسمة من سكان البلاد. ومع ذلك، وإذ ينسدل الستار عن آثار الكارثة، فإنه يجدر التذكير بأن ذلك البلد يتحمل بالمجمل أقل من واحد بالمائة من الانبعاثات الكربونية العالمية.
 
ومع ذلك فإن النقاشات العبثية التي شهدتها قمة المناخ كوب27 مؤخراً، والتي كان من المفارقة أن تنظم في مصر، لم تحقق تقدماً يذكر في تقليص الانبعاثات ولم يصدر عنها سوى تأكيد مبهم على أن صندوقاً "للخسائر والأضرار" سوف يقام من أجل التعامل مع الأثار الكبيرة للتغير المناخي على البلدان الفقيرة. صدر هذا الوعد الفارغ عن زعماء نفس البلدان الإمبريالية التي تقوم بنوكها ومؤسسات الإقراض فيها بمص مبالغ طائلة من المال سداداً لفوائد الديون من البلدان التي تواجه فقراً مدقعاً ومجاعة ماحقة.  
 
يتوجب على الحركات العمالية عبر العالم الإصرار على المطالبة بوضع حد لهذا الاستغلال وذلك من خلال إلغاء الديون التي تشكل عبئاً بالغ القسوة على شعوب العالم الفقيرة.
 
التعليقات (0)