قال أمين عام "حركة الشعب" في
تونس،
زهير المغزاوي، إن دعمهم للرئيس قيس سعيّد، وللمسار الذي يقوده، "ليس مفتوحا أو غير مشروط، لأنه سيتوقف آليا في اللحظة التي نلمس فيها أنه بصدد التراجع عن العناوين الكبرى التي التقينا معه حولها، وهي السيادة الوطنية، والدور الاجتماعي للدولة، واحترام الحريات الفردية والجماعية، وإرساء نظام ديمقراطي، ومعاداة التطبيع".
ورأى المغزاوي، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "معارضي مسار 25 تموز/ يوليو في الداخل التونسي لا وزن لهم، وبالتالي فليست لديهم أي قدرة على التأثير في مسار الأحداث، وهذا ما أثبتته الوقائع المتتالية من 25 تموز/ يوليو 2021 وحتى الآن".
وفي الوقت الذي أكد فيه أن سعيّد غير مستعد لمراجعة مشروعه الخاص، أضاف: "لدينا في حركة الشعب رؤيتنا الخاصة والمتكاملة التي تُشكّل مشروعا قادرا على تقديم البديل الملائم، وسنعمل بكل ما في وسعنا من أجل الدفع نحو التوقف عن المضي في مسار نعتقد أنه لن يقود إلى الغاية المرجوة".
اظهار أخبار متعلقة
وأشار القيادي البارز في حركة الشعب، إلى أنه "سيكون هناك عزوف لدى قطاعات عريضة من المواطنين عن القيام بواجبهم الانتخابي في الاستحقاق التشريعي المقبل، لكن مردّ ذلك إلى الأوضاع المعيشية الكارثية التي تمرّ بها تونس وليست الاستجابة لدعوات المقاطعة التي لن تفيد أصحابها".
ومن المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية، التي دعا إليها الرئيس قيس سعيّد، في 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، في حين بلغ عدد الأحزاب التي أعلنت عن مقاطعة تلك الانتخابات 12 حزبا حتى الآن.
والأحزاب التي أعلنت رسميا عن مقاطعة الانتخابات هي: حركة النهضة (53 نائبا بالبرلمان المحلول)، وقلب تونس (28 نائبا)، وائتلاف الكرامة (18 نائبا)، وحراك تونس الإرادة، والأمل، والجمهوري، والعمال، والقطب، والتيار الديمقراطي (22 نائبا)، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والدستوري الحر (16 نائبا)، وآفاق تونس (نائبان)..
في حين أن معظم المشاركين في الانتخابات هم من المستقلين، إضافة إلى أحزاب: حركة الشعب (قومية)، و"لينتصر الشعب" (يضم شخصيات وحزب التيار الشعبي)، وحراك 25 تموز/ يوليو، وحركة "تونس إلى الأمام".
وتعدّ الانتخابات التشريعية المبكرة المقبلة أحد إجراءات قيس سعيّد الاستثنائية، وسبقها حلّ البرلمان ومجلس القضاء، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقرار دستور جديد للبلاد عبر استفتاء أُجري في 25 تموز/ يوليو الماضي.
اظهار أخبار متعلقة
وتاليا نص المقابلة الخاصة التي أجرتها "عربي21" مع زعيم "حركة الشعب" التونسية:
كيف تنظرون إلى الانتخابات التشريعية المقبلة؟
الانتخابات التشريعية المقبلة هي من حيث المبدأ تمثل تتويجا لخارطة الطريق التي أعلنها السيّد رئيس الجمهورية يوم 14 كانون الأول/ ديسمبر 2021، أي إنها ستكون بمثابة حجر الأساس في إرساء منظومة برلمانية يُنتظر أن تكون بديلا حقيقيا عن النماذج التي كانت سائدة خلال المرحلة السابقة .
نحن في حركة الشعب، ومن موقع دعمنا الذي لا يزال متواصلا، رغم التحفظات الجوهرية لمسار 25 تموز/ يوليو، فإننا نعتبر هذه الانتخابات محطة فاصلة في طريق القطع مع منظومة الفساد والإفساد التي هيمنت على المشهد السياسي في تونس منذ عام 2011.
لذلك، فأنتم تلاحظون حجم الهجوم الذي تشنّه الأطراف المتضررة من 25 تموز/ يوليو على هذه الانتخابات بالذات، وعلى المسار برمّته، متصورين أن بإمكانهم تحريض الشارع ودفعه نحو مقاطعة العملية الانتخابية، وهم بهذا السلوك يستمرون في تجاهل حقيقة أثبتتها الوقائع على امتداد السنة والنصف الماضيين مفادها أنهم فقدوا مصداقيتهم تماما لدى الرأي العام الوطني، فضلا عن كون مراهنتهم على الدعم الخارجي الذي حاولوا بكل وقاحة استدعاءه في مناسبات متكررة باءت بالفشل.
وماذا عن التداعيات المرتقبة لتلك الانتخابات؟
التداعيات المرتقبة لهذه الانتخابات هي أولا إعطاء إشارة البداية لعملية سياسية يُفترض أن تقطع مع الممارسات السابقة التي اختارت عن وعي أن تظل بعيدة عن المشاغل والانتظارات الحقيقية للمواطنين، وذلك كان أحد الأسباب الرئيسية لفشلها وانهيارها السريع.
وثانيا، إسقاط الحجة المتداولة داخليا وخارجيا حول تعليق الحياة البرلمانية التي تُشكّل في نظر أدعياء الدفاع عن الديمقراطية، الشرط الجوهري للنظام السياسي الديمقراطي بغض النظر عن مواصفاتها وآليات اشتغالها.
كما أنها ستكون اختبارا عمليا لمدى نجاعة ووجاهة القانون الانتخابي الذي أقرّه رئيس الجمهورية دون الانفتاح على الطيف الداعم لمسار 25 تموز/ يوليو، والذي أعلنّا تحفظنا حينها على بعض تفاصيله.
اظهار أخبار متعلقة
لكن كيف ترى دعوات المقاطعة الواسعة لتلك الانتخابات؟
لا أعتقد أن دعوات المقاطعة ستكون مفيدة لأصحابها، لأنهم -كما أشرت آنفا- أصبحوا يفتقدون لأدنى درجات المصداقية والمقبولية لدى الرأي العام الوطني.
سيكون هناك عزوف لدى قطاعات عريضة من المواطنين عن القيام بواجبهم الانتخابي، لكن مردّ ذلك إلى الأوضاع المعيشية الكارثية التي تمرّ بها تونس وليس الاستجابة لدعوات المقاطعة.
والجهات التي تمارس التحريض ضد الانتخابات أغلبها متورّطة في ملفات فساد ومُتسبّبة في فشل المسار السياسي السابق، وأقصد بالتحديد حركة النهضة (الإخوان المسلمين) وحلفاءها. والبقية موجودة على هامش العملية السياسية ليس لها الحد الأدنى من العمق الشعبي، لذلك فإن أصواتها وحملاتها الدعائية لن تكون مسموعة أو ذات أثر فعلي في الواقع .
هذه الانتخابات التشريعية المقبلة هي الرابعة بعد الثورة.. فهل ستختلف عن الانتخابات التي سبقتها في أعوام 2011 و2014 و2019، خاصة أنها وليدة دستور ليس محل إجماع؟
قطعا ستكون هذه الانتخابات مختلفة شكلا ومضمونا عن المحطات الانتخابية التي ذكرتها. من حيث الشكل، هذه الانتخابات ستكون على الأفراد في دوائر انتخابية ضيقة وليس على القوائم الحزبية، وهو ما سيقلّص بدرجة كبيرة تدخّل المال السياسي الفاسد والتوجّيه الإعلامي غير النزيه.
ومن حيث المضمون، ستكون هذه الانتخابات محطة لعرض برامج تنموية قابلة للإنجاز على خلاف الوعود العشوائية التي كانت تُطلق سابقا بمناسبة كل محطة انتخابية.
أما مسألة الدستور الجديد الذي تجري في ظله هذه الانتخابات فتستدعي وقفة، والحديث عن غياب الإجماع عليه فيه الكثير من المغالطة؛ فنفس الأطراف السياسية التي تتصدّر اليوم مشهد الدعوة لمقاطعة الانتخابات حاولت مهاجمة الدستور الجديد، وحرّضت المواطنين على عدم المشاركة في استفتاء 25 تموز/ يوليو 2022، دون أن يكون لجهودها أي أثر حقيقي في الواقع.
اظهار أخبار متعلقة
والدليل أن نسبة المشاركة في الاستفتاء، ونسبة التصويت لصالح الدستور، لم تكن مختلفة كثيرا عن نسبة المشاركة في انتخابات عام 2019 التي يتباكى عليها أدعياء الدفاع عن دستور 2014 ومنظومتهم الديمقراطية المزعومة التي زعموا أنهم أرسوها.
ومن العبث أن نتحدّث عن "إجماع"، خاصة في ظل الأزمة المعيشية التي تعيشها البلاد. و العزوف الذي يمكن أن يحدث اليوم، حتى وإن كانت نسبته مرتفعة نسبيا؛ فهو لا يُعبّر عن موقف سياسي رافض للدستور الجديد أو معارض لمسار 25 تموز/ يوليو، بل هو تعبير عفوي عن حالة الإحباط من تردّي الوضع الاجتماعي، وفشل الحكومة القائمة حاليا في إيجاد حلول فعّالة لوقف التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي .
لكن كل هذا لا يعني أن دستور 25 تموز/ يوليو 2022 يُشكّل البنية التشريعية المُثلى لبناء حياة سياسية في تونس. ونحن كانت لدينا، ولا تزال، تحفظّات جوهرية حول بعض نصوصه، ونحن عاقدون العزم على تنقيح وتطوير هذه النصوص من داخل المنظومة التشريعية والسياسية التي ستفرزها انتخابات 17 كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
برأيكم، هل دخلت تونس مرحلة الدولة الفاشلة والانهيار الاقتصادي، كما يقول البعض؟
مقولة "الدولة الفاشلة" هي شعار أطلقه المُتسبّبون الحقيقيون في الأزمات التي نعيشها اليوم، لأن انسداد الأفق الحالي ليس وليد أسباب وقعت بعد 25 تموز/ يوليو 2021، بل هو نتاج لمسار طويل من السياسيات الخاطئة والخيارات اللاوطنية التي التزمت بها الأطراف السياسية التي احتكرت المشهد السياسي طيلة العشرية التي أعقبت الثورة، ولا هي أيضا وليدة ظروف محلية تخص الدولة التونسية، بل هي نتيجة أوضاع دولية وإقليمية تضافرت فيها تداعيات جائحة كوفيد-19، وآثار الحرب الروسية الأطلسية.
اظهار أخبار متعلقة
هل يستطيع الرئيس قيس سعيّد إنقاذ البلاد مما هي فيه الآن؟
مسألة الإنقاذ تظل ممكنة إذا توفّرت الإرادة السياسية والقدرة على التقاط المعطيات التي يمكن أن تساهم على المدى المتوسط والبعيد في تفكيك عناصر الأزمة والقضاء على أسبابها العميقة.
أهم هذه المعطيات هو القطع تدريجيا مع المنوال التنموي الذي ظل سائدا على امتداد العقود السابقة، والذي أثبت فشله بما لا يدع مجالا للأمل في التعويل عليه مُجددا، وكذلك ضرورة إعادة النظر في شبكة العلاقات والشراكات الدولية التي تنخرط فيها تونس. ولا شك أن مشاركة الرئيس قيس سعيّد في القمة العربية الصينية التي أجريت في المملكة العربية السعودية أحد المداخل الأساسية للقطع مع النظام غير العادل الذي انخرطت فيه تونس منذ استقلالها .
ليس قدرنا أن نظل أسرى شراكات ظالمة تخدم مصالح الغرب الأوروبي والأمريكي على حساب المصلحة الوطنية. هناك قوى دولية صاعدة تعمل على بناء نظام دولي أكثر عدالة، ومن مصلحة تونس أن تكون في صف هذه القوى.
كما أن هناك آفاقا واسعة وواعدة لإقامة علاقات تعاون عربية عربية، وعربية أفريقية، من شأنها أن تساعد تونس في التحرر من أسر الارتهان لإرادة القوى الدولية التي لم نحصد من الارتباط بها سوى التبعية والمديونية والتخلف الاقتصادي والتكنولوجي والتعليمي.
هل ثمة مجال لتراجع قيس سعيّد عن مشروعه؟
مسألة تمسّك الرئيس
قيس سعيد بمشروعه أو تراجعه عنه، مسألة تخصّه هو، والواضح أنه غير مستعد للمراجعة. أما نحن في حركة الشعب فلدينا رؤيتنا الخاصة والمتكاملة التي تُشكّل مشروعا قادرا على تقديم البديل الملائم، قد نتقاطع في بعض مكوناته مع الرئيس قيس سعيّد، لكن ذلك لا يعني التماثل معه ولا يلزمنا بالقبول بما يراه هو. وسنعمل بكل ما في وسعنا من أجل الدفع نحو التوقف عن المضي في مسار نعتقد أنه لن يقود إلى الغاية المرجوة .
اظهار أخبار متعلقة
هل دعمكم وتأييدكم لمسار 25 تموز/ يوليو سيظل مفتوحا وممتدا؟ وما هي الأوضاع التي ربما تجعلكم ضد هذا المسار؟
منذ البداية لم يكن دعمنا للمسار الذي أعلنه رئيس الجمهورية يوم 25 تموز/ يوليو 2021، ودعمه بجملة من المراسيم اللاحقة، مفتوحا أو غير مشروط.
دعمنا للرئيس وللمسار الذي يقوده يتوقف آليا في اللحظة التي نلمس فيها أنه بصدد التراجع عن العناوين الكبرى التي التقينا معه حولها، وهي السيادة الوطنية، والدور الاجتماعي للدولة، واحترام الحريات الفردية والجماعية، وإرساء نظام ديمقراطي سليم مُحصّن ضد الفساد وسطوة المال السياسي الفاسد، ومعاداة التطبيع .
ما أبرز الأخطاء التي رافقت مسار 25 تموز/ يوليو؟
أهم الأخطاء التي رافقت هذا المسار هي رفض الرئيس الانفتاح على القوى السياسية والاجتماعية والمدنية الداعمة للمسار، وهو ما أنتج ما نسميه في حركة الشعب أخطاء إدارة المسار التي تُشكّل خطرا على استمراره ونجاحه أكثر من الخطر الذي تمثّله القوى المناوئة له. ونحن في حركة الشعب لم نتوقف يوما عن الإشارة إلى هذه الأخطاء والتنبيه إلى خطورتها وتداعياتها الكارثية .
الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، هاجم المسار السياسي الحالي، قائلا: "لم نعد نقبل بالمسار الحالي لما اعتراه من غموض وتفرد، صبرنا انتهى".. فما تقييمكم لموقف اتحاد الشغل من تطورات الأوضاع؟
مهما كانت تصريحات السيّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل فإنها تظلّ مُعبّرة عن مواقف من داخل مسار 25 تموز/ يوليو، لأنه يصرّح دائما وبالتوازي مع ما يعلنه من مواقف حادة من أداء الرئيس وحكومته أنه لا سبيل للعودة إلى ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021.
اظهار أخبار متعلقة
ما تقديركم لحجم المعارضين لمسار 25 تموز/ يوليو؟
معارضو 25 تموز/ يوليو في الداخل التونسي لا وزن لهم، وبالتالي فليست لديهم أي قدرة على التأثير في مسار الأحداث، وهذا ما أثبتته الوقائع المتتالية منذ 25 تموز/ يوليو 2021 وحتى الآن.
قبل أشهر، دعوتم الرئيس قيس سعيّد إلى فتح حوار في أسرع وقت ممكن مع الأطراف التي تعتبر 25 تموز/ يوليو، "لحظة لتصحيح المسار".. هل تلك الدعوة لا تزال قائمة أم لا؟
دعوتنا للحوار الوطني الذي يجمع الأطراف الرافضة للعودة إلى ما قبل 25 تموز/ يوليو لا تزال قائمة، وسنظل متمسكين بها، لأننا نعتقد أن ذلك هو السبيل الأنجع لبناء مشروع وطني جامع يقطع نهائيا مع أوهام العودة إلى الوراء.
ما الذي سيحدث في تونس مستقبلا من وجهة نظركم؟
أعتقد أن المشهد التونس يتجه، على المدى المتوسط، إلى الأفضل ونحو الاستقرار المنشود، رغم صعوبة الأوضاع الحالية، وتدهور المؤشرات الاقتصادية والمالية، واحتمال اندلاع موجة من الاحتجاجات الاجتماعية على المدى المنظور.