كتاب عربي 21

رئيس الوزراء المصري يكشف الواقع الاقتصادي الحقيقي دون قصد

ممدوح الولي
أسعار المواد الغذائية باتت بعيدة عن متناول المواطنين- موقع صندوق النقد
أسعار المواد الغذائية باتت بعيدة عن متناول المواطنين- موقع صندوق النقد
تساؤلات عديد حائرة يموج بها الشارع المصري حاليا، أبرزها التساؤل عن احتمالات قيام البنك المركزي بخفض ثالث لسعر الجنيه أمام الدولار، قبل اجتماع مجلس مديري صندوق النقد الدولي لبحث طلب مصر للاقتراض يوم الجمعة القادم، ولماذا بلغ سعر صرف الجنيه أمام الدولار بسوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لمدة 12 شهرا 30.9 جنيه لكل دولار، وأسباب الطفرة السعرية التي يشهدها الذهب بمصر مؤخرا، ولماذا لم تنخفض أسعار بعض السلع المستوردة رغم انخفاضها بالعالم، وما هو حجم الفجوة الدولارية، ومدى حقيقة رفع السرية المصرفية بالبنوك لمصلحة الضرائب، ولماذا لم يتحقق وعد الجنرال في 27 أيلول/ سبتمبر الماضي بحل مشاكل المستوردين مع البنوك خلال شهر أو شهرين على الأكثر، وإلى متى تستمر الفوائد السلبية في البنوك في ضوء تفوق معدلات التضخم عليها، ولماذا تعثر مشروع الحكومة لإدخال المتغربين سيارات معفاة من الرسوم، وغير ذلك من التساؤلات التي لا تجد توضيحا من قبل المسؤولين.
كشف عن غير قصد عن ثلاثة أمور جوهرية تكشف الواقع الاقتصادي الحقيقي الصعب، ففي معرض تبريره للاستمرار في المشروعات القومية، قال إن القطاع الخاص يعاني من أجل البقاء ويحاول الصمود حتى يبقى، في محاولته لتبرير أنه لم يكن هناك بديل عن قيام الدولة بتلك المشروعات

وهذا ما دعا رئيس الوزراء مصطفي مدبولي لعقد مؤتمر صحفي الأربعاء الماضي، لكنه رغم مسمى اللقاء فقد اقتصر الحضور على الصحفيين المعتمدين لدى مجلس الوزراء فقط، والذين سيراعون في تساؤلاتهم إمكانية عدم تجديد تصاريحهم، وحتى هؤلاء لم تتم الإجابة على كل أسئلتهم الثلاثة التي تم السماح بها، خاصة فيما يخص السؤال عن تصاعد سعر الدولار في السوق السوداء وطفرة أسعار الذهب.

واكتفى رئيس الوزراء بتوزيع كتاب على الحضور من 52 صفحة، يرد على 17 قضية أسماها المزاعم والادعاءات التي تثار حول الاقتصاد المصري، والذي تمت كتابة بعضها بلغة فنية متخصصة يصعب على المتخصصين فهمها، فما بالنا بغير المتخصصين من هؤلاء والذين يمثلون الأغلبية.

القطاع الخاص يعاني من أجل البقاء

لكن رئيس الوزراء كشف عن غير قصد عن ثلاثة أمور جوهرية تكشف الواقع الاقتصادي الحقيقي الصعب، ففي معرض تبريره للاستمرار في المشروعات القومية، قال إن القطاع الخاص يعاني من أجل البقاء ويحاول الصمود حتى يبقى، في محاولته لتبرير أنه لم يكن هناك بديل عن قيام الدولة بتلك المشروعات. وبالطبع لن يقول له أحد من الحضور إن الدولة هي التي تسببت في ذلك الوضع، بمزاحمتها القطاع الخاص في القيام بالمشروعات، خاصة الجهات التابعة للجيش بما لديها من امتيازات لا تتوافر له، ومزاحمة الحكومة له في أموال البنوك بشرائها أدوات الدين الحكومي لتمويل عجز الموازنة على حساب إقراضها للقطاع الخاص.
خلال تناوله قضية ارتفاع الأسعار، حين ذكر للمرة الأولى أن العبرة ليس بتوفير السلع ولكن العبرة بالقدرة على شرائها، وهو ما تقوله أدبيات الأمن الغذائي في دول العالم، بينما ظل المسؤولون لسنوات يتباهون بتوفير السلع في الأسواق. وهم يعلمون أنها ليست في متناول غالب المواطنين، لارتفاع أسعارها بالمقارنة بقدرتهم الشرائية المنخفضة

والنقطة الثانية كانت خلال تناوله قضية ارتفاع الأسعار، حين ذكر للمرة الأولى أن العبرة ليس بتوفير السلع ولكن العبرة بالقدرة على شرائها، وهو ما تقوله أدبيات الأمن الغذائي في دول العالم، بينما ظل المسؤولون لسنوات يتباهون بتوفير السلع في الأسواق. وهم يعلمون أنها ليست في متناول غالب المواطنين، لارتفاع أسعارها بالمقارنة بقدرتهم الشرائية المنخفضة، والتي عبر عنها استمرار مؤشر مديري المشتريات معبرا عن حالة من الركود في الأسواق، خلال الشهور الأربعة والعشرين الأخيرة حتى الشهر الماضي.

وبالطبع لم يسأله أحد من الحضور عن بلوغ نسبة ارتفاع أسعار الطعام بمصر 30.9 بفي لمائة خلال الشهر الماضي، بالمقارنة بأسعار نفس الشهر من العام السابق، بينما بلغ معدل نمو مؤشر أسعار الغذاء الذي تعده منظمة الأغذية والزراعة في نفس الفترة نسبة 3 في الألف، أي أقل من نصف في المائة خلال عام، نتيجة انخفاض أسعار زيوت الطعام بنسبة 16.2 في المائة وتراجع أسعار السكر بنسبة 4.9 في المائة، مقابل ارتفاع أسعار منتجات الألبان بنسبة 9.1 في المائة والحبوب 6.4 في المائة واللحوم 4.1 في المائة.

المصادرة والعقوبات سبب توريد القمح

أما القضية الثالثة والتي جاءت خلال حديثه عن الأسعار أيضا، أن التدخل العنيف بالسوق يؤدي لاختفاء السلع، في إشارة واضحة لفشل قرارات الحكومية بتحديد أسعار جبرية للخبز الفينو، وكذلك للأرز الذي اختفي من السوق بعد تحديد أسعار جبرية له.

ورغم إقراره بفشل التدخل الحكومي فقد تباهى كتاب تفنيد المغالطات، ببلوغ كمية توريد المزارعين القمح للحكومة إلى 4.2 مليون طن في الموسم الأخير، رغم أن سبب أن ذلك هو التوريد الإجباري الذي فرضته الحكومة على المزارعين بواقع 12 أردب للفدان، وفرض عقوبات مشددة على الممتنعين عن التوريد إلى حد مصادرة الكميات المضبوطة!

لكن رئيس الوزراء لم يكن صريحا بنفس الصراحة السابقة، حين تحدث عن منح الرخصة الذهبية للشركات خلال 21 يوما، فقد سبق قوله نفس التصريح في منتصف أيار/ مايو الماضي وهو أمر لم يتحقق، كذلك ما ذكره من تشكيل مجلس أمناء لمتابعة تنفيذ توصيات المؤتمر الاقتصادي، وهو يعلم أن المرجعية ستكون لبنود الاتفاق الجديد مع صندوق النقد الدولي، ولبعثة صندوق النقد الدولي التي ستحضر لمصر بشكل دوري نصف سنوي، للتأكد من تنفيذ بنود الإتفاق قبل إقرار الأقساط السبعة، بعد منح القسط الأول عقب موافقة مجلس مديري الصندوق المتوقعة.

كذلك عندما ذكر بأنه قد تم تحقيق أكثر من نصف المستهدفات لتحقيق هدف تمكين القطاع الخاص، الذي تم إعلانه منتصف أيار/ مايو الماضي وذلك خلال الشهر الستة الأخيرة، بينما لم يتم إعلان وثيقة دور الدولة بالاقتصاد حتى الآن، إلى جانب إلغاء مبادرة تمويل الصناعة مؤخرا، كذلك تفاخره بعقد وزارة الكهرباء سبع اتفاقيات مع شركات لتنفيذ مشروعات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو يعلم أن ما تم التوقيع عليه مجرد مذكرات تفاهم غير مُلزمة ولم تتحول بعد إلى اتفاقات نهائية.

كذلك ما أشار إليه من النجاح بملف تنشيط البورصة بدليل تحسن أداء مؤشر أسعارها الرئيس مؤخرا، وهو يعلم أن ما تم كان بسبب دفع الجهات الحكومية للشراء، وأن المؤشر الرئيس لا يعبر عن أداء السوق لاستحواذ شركة واحدة على ثلث مكوناته، وأن البورصة عادة في أي بلد هي مرآة لأوضاع القطاع الخاص الذي ذكر أنه يحارب من أجل البقاء.
ما أشار إليه من النجاح بملف تنشيط البورصة بدليل تحسن أداء مؤشر أسعارها الرئيس مؤخرا، وهو يعلم أن ما تم كان بسبب دفع الجهات الحكومية للشراء، وأن المؤشر الرئيس لا يعبر عن أداء السوق لاستحواذ شركة واحدة على ثلث مكوناته

دول نامية تحقق فائضا بالموازنة

وبدأ كتاب الرد على المغالطات المثارة حول الاقتصاد بالزهو بتحقيق فائض أولى بموازنة العام المالي 2020-2021 بنسبة 1.3 في المائة، بينما غالبية المحررين الاقتصاديين غير المتخصصين بالمالية العامة لا يعرفون مدلول تعبير الفائض الأولي، فما بالنا بالجمهور العادي، مع قيام الكتاب بالمقارنة بين مصر ودول أخرى لتبيان تفوق مصر عليها.

وبالطبع لن يعقب أحد الحضور في المؤتمر بأن نسبة الفائض الأولي بدول نامية عديدة، كانت أعلى من نسبة الفائض المصري خلال العام الحالي حسب بيانات صندوق النقد الدولي، حين بلغت 11 في المائة بجمهورية الكونغو و6.6 في المائة في أنجولا و6.3 في المائة بتشاد، وأن هناك العديد من الدول النامية التي حققت فائضا في الميزان الأولي، منها إكوادور وقبرص وتشيلي والبرازيل وموزمبيق وزيمبابوي.

وهكذا يقتصر الكتاب على ذكر أن العجز الكلي في الموازنة بلغ 6.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، بينما حققت دول نامية عديدة فائضا وليس عجزا بموازنتها في العام الحالي، حيث بلغت نسبة الفائض في موازنة جمهورية الكونغو 9 في المائة، وموزمبيق 3.4 في المائة، وقيرغيزستان 3.3 في المائة، وكل من أثيوبيا وتنزانيا 3.1 في المائة، إلى جانب دول أخرى حققت فائضا منها أورجواي وطاجكستان وبيرو والسودان واليمن وكازخستان والكاميرون.

ولا يدرك غالبية الإعلاميين والمواطنين الفرق بين أنواع العجز الثلاثة الواردة في الموازنة: العجز الأولي والعجز النقدي والعجز الكلي، ولكنهم يعرفون أن العجز عادة في ميزانية شركة أو دولة يمثل الفرق بين الموارد والاستخدامات، وهو ما يبلغ بموازنة المالي الحالي (2022-2023) نحو تريليون و524 مليار جنيه، كفرق بين استخدامات تبلغ 3.066 تريليون جنيه وموارد بدون اقتراض تبلغ 1 تريليون و543 مليار جنيه، وهو الرقم الذي لا يتم تداوله بالمرة إعلاميا أو على لسان أي من المسؤولين.
والمهم أن المصريين لا يعرفون رقم الدين العام المحلي للحكومة منذ حزيران/ يونيو 2020 وحتى الآن لعدم إعلانه، ونفس الأمر ومنذ نفس التوقيت للدين العام المحلي، الذي يتضمن إلى جانب دين الحكومة دين الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي الحكومي المحلي، بل إنه حتى الآن لم يتم إعلان البيانات التفصيلية لموازنة العام المالي الحال

ونفس الأمر مع ذكر نسبة الدين الحكومي للناتج البالغة 87.2 في المائة خلال العام المالي 2021-2022، بينما تبلغ نفس النسبة للدين الحكومي في بلدان نامية أقل من نسبة 25 في المائة بالعام الحالي، في كازاخستان وهاييتي والكونغو الديموقراطية وبلغاريا، وأقل من 40 في المائة في بنجلاديش وتركيا وتشيلي وكمبوديا وبيرو وإيران وأوزبكستان وبيلاروس.

والمهم أن المصريين لا يعرفون رقم الدين العام المحلي للحكومة منذ حزيران/ يونيو 2020 وحتى الآن لعدم إعلانه، ونفس الأمر ومنذ نفس التوقيت للدين العام المحلي، الذي يتضمن إلى جانب دين الحكومة دين الهيئات الاقتصادية وبنك الاستثمار القومي الحكومي المحلي، بل إنه حتى الآن لم يتم إعلان البيانات التفصيلية لموازنة العام المالي الحالي، الخاصة بالهيئات والوزارات رغم مرور أكثر من خمسة أشهر على بداية السنة المالية.

وهكذا ما زلنا لم نستكمل استعراض تناول الرد على الادعاء الأول من بين الردود على 17 ادعاء، لكن الملاحظ الأهم أن المؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء، والكتاب الذي تخطى الخمسين صفحة، لم يجيبا على أي من الأسئلة الجماهيرية التي ذكرنا بعضا منها في بداية المقال.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)